تفاصيل الخبر

هل ينجح السويسريون بعد عشرة أيام في تغيير النظام المالي العالمي؟!

01/06/2018
هل ينجح السويسريون بعد عشرة أيام  في تغيير النظام المالي العالمي؟!

هل ينجح السويسريون بعد عشرة أيام في تغيير النظام المالي العالمي؟!

 

بقلم خالد عوض

هانس رودي ويبير 

<Vollgeld> هي الشغل الشاغل هذه الأيام في سويسرا. الكلمة ألمانية وتعني المال السيـــــــادي، وهي عنوان السياسة التي سيستفتى عليها السويسريون خلال عشرة أيام وبالتحديد يوم الأحد الموافق ١٠ حزيران (يونيو) ٢٠١٨. الاقتراح الذي يمثل انقلابا ماليا بكل ما للكلمة من معنى يقضي بمنع البنوك التجارية من أن تحقق أي أرباح من خلال إقراض الأفراد والمؤسسات أموالاً افتراضية أو إلكترونية أي غير موجودة حسياً لديها وحصر مسألة التعامل الربحي بالمال الإفتراضي أي الموجود كأرقام وليس كموجودات حقيقــــــــــــــــــية بالبنك المركزي وحده.

في الماضي كان البنك المركزي هو الجهة التي تطبع الأوراق النقدية وتضخها في الأسواق وكان كل ما تقوم به البنوك التجارية هو إدارة الأموال النقدية فقط وحفظها لديها أي أن مجموع المال الموجود في المصارف هو ما كان يطبعه المصرف المركزي من عملة نقدية. أما اليوم فيشكل المال الإلكتروني أي الذي هو موجود على دفاتر البنوك حوالى ٩٠ بالمئة من مجموع الكتلة النقدية في الأسواق بينما لا يزيد المال الحقيقي أو مجموع الأوراق النقدية أو العملات المعدنية عن ١٠ بالمئة. ما يريده السويسريون هو أن تنحصر صلاحية خلق وإدارة المال الإلكتروني بالبنك المركزي وحده ومنع البنوك التجارية من تحقيق أي أرباح ناتجة عن ادارتها للمال هذا. على سبيل المثال لن تتمكن المصارف من الإقراض بالمال الدفتري ولن يكون باستطاعتها تحقيق أرباح من خلال ذلك كما تفعل اليوم. لن يتغير دور المصارف في كل ما عدا ذلك وسيمكنها تقديم الخدمات نفسها التي تعطيها اليوم ولكن لن يكون باستطاعتها <خلق> مال غير موجود بالفعل لديها. هذا يعني أن المصرف المركزي هو الجهة الوحيدة التي ستحقق الأرباح من خلال خلق العملة ويمكن استخدام هذه الأرباح لتخفيض الضرائب أو لأي أمر آخر يعود بالفائدة المباشرة على المواطن السويسري. الهدف الذي ينشده السويسريون من هذه المبادرة هو منع أزمة مالية جديدة يمكن أن تحصل من جراء سوء إدارة البنوك للمال الدفتري كما حصل عام ٢٠٠٨ وتخفيف حجم الديون بشكل عام والقضاء على الجشع المالي الوحشي الذي تُظهره بعض المصارف. الفكرة استوحيت من العديد من المقالات والكتب التي ربطت أزمة عام ٢٠٠٨ المالية بقدرة البنوك على خلق العملة.

الجسم المالي السويسري مجند تماماً اليوم لإفشال الاستفتاء والتأثير على الناس للتصويت بلا لـ<فولغلد>، فلو مرّ هذا الاقتراح وتحول إلى قانون فإنه سيكون ضربة قاضية على العمل المصرفي السويسري الذي يعتمد في نسبة كبيرة منه على الإقراض بأموال غير موجودة لديه إلا على الورق وتحقيق أرباح كبيرة من خلال ذلك. ومن المؤكد أن نجاح مبادرة <فولغلد> سيكون عابراً للحدود لإنها إذا نجحت في عاصمة العمل المصرفي العالمي ستنتقل عدواها إلى دول عديدة أخرى يشعر مواطنوها بأن حجم بنوكهم أصبح في الحقيقة عبئا عليهم. ولكن كيف وصل الأمر إلى هنا؟ في سويسرا هناك قانون يسمح باستفتاء الشعب على أي أمر يتوافق عليه مئة ألف سويسري، وهناك سنويا استفتاء واحد على الأقل في سويسرا حول أمور تهم الناس ويرون فيها مصلحة لهم ولبلدهم. إنه شكل من أشكال الديمقراطية الشعبية خارج نطاق المؤسسات الكانتونية georges soros التي تدير شؤون السويسريين.

مبادرة <فولغلد> هي انعكاس لشعور متزايد بالخوف عند السويسريين من كارثة مالية في الأفق، فهم يستشعرون اليوم أزمة عالمية جديدة ستنطلق من أوروبا هذه المرة وسيكون سببها الأول حجم الديون التجارية التي تحملها البنوك والتي ستؤدي إلى تعثرها من جديد بسبب فشل الاقتصاد الأوروبي في استعادة عافيته. البنك المركزي الأوروبي لا زال غارقاً في مسار التحفيز الكمي منذ عام ٢٠١٥ أي أنه مستمر في خلق حوالى ٣٠ مليار يورو شهرياً عن طريق شراء السندات، ورغم إعلانه عن نيته التوقف عن ذلك في أيلول (سبتمبر) المقبل إلا أن الاقتصاد الأوروبي لم يظهر حتى اليوم تعافياً ملموساً. النمو الاقتصادي لم يتجاوز ٢,٥ بالمئة في معظم الدول الأوروبية منذ ٢٠١٥ وهو مستند في الأساس على الاقتصاد الألماني، أي أن مفاعيــــــــــــــــــــــــــل التحفيز الكمي لم تبان بعد كما حصل في الولايات المتحدة، وتأتي الأزمة السياسية المستجدة في إيطاليا لتزيد في الطين بلة، فقد فاز الفريق المناوئ للبقاء في منطقة <اليورو> ولكن الرئــــــــــــــــــــيس قرر تحت ضغط ألمانيا وفرنسا ترشيح تكنوقراطي لرئاسة الحكومة مما أثار جنون الفريق السياسي الفائز بالإنتخابات وتحول ذلك هلعا في الأسواق المالية الإيطالية وهروباً للرساميل من البنوك الإيطالية.

عندما يعلق المستثمر <جورج سوروس> الملقب بصنع الأزمات على وضع مالي في بلد معين يعني أن هناك أزمة آتية. الملياردير الأميركي الهنغاري الأصل قال منذ أيام أن أوروبا في أزمة وجودية وهي على وشك الانهيار المالي التام ولا بد من أن تعيد اختراع نفسها. يعلل <سوروس> تشاؤمه حول أوروبا بخروج بريطانيا منها وفشل الأوروبيين في تحقيق مستويات نمو اقتصادية عالية رغم كل التحفيز المالي والأزمة الإيطالية الجديدة بالإضافة إلى التباعد الاقتصادي مع الولايات المتحدة والرسوم التي يزمع <ترامب> فرضها على الصناعات الأوروبية... كل ذلك يضاف إلى الديون الخيالية التي تحملها بعد الدول الأوروبية ليشكل نواة أزمة مالية كبيرة على الأبواب، مصدرها أوروبي هذه المرة وليس أميركياً.

لا شك أن المؤشرت المالية الأوروبية ليست في أفضل حال وتنذر بالأسوأ ولكن من الصعب التنبؤ بأن أزمة ستحصل أو بأن هناك كارثة مالية على الأبواب. السويسريون قرروا أن يحتاطوا عن طريق <فولغلد>، يبقى أن ننتظر نتيجة الاستفتاء في ١٠ حزيران (يونيو) المقبل لنرى إن كانوا سينجحون في تجنيب اوروبا والعالم كله كارثة مالية جديدة مصدرها هو نفسه: النظام المصرفي كما هو اليوم.