تفاصيل الخبر

هل يمكن أن يُعمم المثل الإيرلندي في لبنان، فنطفئ  50 بالمئة من الدين العام خلال ٣ سنوات؟

22/01/2016
هل يمكن أن يُعمم المثل الإيرلندي في لبنان،  فنطفئ  50 بالمئة من الدين العام خلال ٣ سنوات؟

هل يمكن أن يُعمم المثل الإيرلندي في لبنان، فنطفئ  50 بالمئة من الدين العام خلال ٣ سنوات؟

 

بقلم خالد عوض

arthur

غريب عجيب ما يحصل في العالم. أسعار النفط تهوي وبدلاً من أن يتحسن النمو الاقتصادي العالمي نتيجة لذلك نجد أن معظم دول العالم تعاني اقتصادياً ومالياً. وهنا لا نتحدث عن الدول المصدرة للنفط بل عن تلك التي تستورده.

لنأخذ لبنان كمثل بسيط. سعر برميل النفط تجاوز ١١٠ دولاراً منذ أقل من سنتين وتخطى العجز في مؤسسة الكهرباء ملياري دولار. اليوم هبط سعر البرميل إلى دون الثلاثين دولاراً أي حوالى ربع ما كان عليه منذ عشرين شهرا، وما زال العجز في مؤسسة الكهرباء أكثر من مليار دولار... سعر الكهرباء لم ينخفض، ولم تهتز <مافيا> المولدات بانخفاض أسعار المازوت بل حافظت على تسعيرتها الخيالية المبنية على سعر ٢٠٠ دولار لبرميل المازوت. هناك أكثر من ملياري دولار من الوفر في قطاع الكهرباء (الرسمي والمافيوي) لا نرى منها أي شيء. هذا على صعيد مؤسسة كهرباء لبنان و<مافيا> المولدات.

ولكن حتى على صعيد المواطن هناك خلل ما. فالاحصاءات تفيد أن هناك حوالى مليون ونصف مليون سيارة في لبنان تستهلك ما يقارب ١٢٠٠ ليتر سنويا من البنزين للسيارة الواحدة. ومع انخفاض سعر الليتر من ١٧٠٠ ليرة إلى أقل من ١٢٠٠ ليرة يكون الوفر السنوي على أصحاب السيارات يساوي (مليون ونصف مليون سيارة x  1200ليتر x  500 ليرة) أي ٩٠٠ مليار ليرة أو ٦٠٠ مليون دولار مُفترض أن تدخل مباشرة إلى جيب المستهلك هذا العام ومنها الى الاقتصاد اللبناني. ناهيك عن أسعار التدفئة والنقل العام والغذاء وكل الأمور الاستهلاكية الأخرى التي يجب أن تحقق وفراً مالياً مضاعفاً إذا تأمنت الرقابة المطلوبة. واذا اعتبرنا أن كل مليار دولار يُضخ في الاقتصاد اللبناني من شأنه أن يساهم في زيادة النمو بواحد بالمئة على الأقل، وباحتساب تقديري لمجموع الوفورات المذكورة، نجد أن انخفاض أسعار النفط إذا استمر يمكن أن يُترجم إلى زيادة أكثر من ٣ مليارات دولار سنويا أو ما يجب أن يعادل زيادة ٣ بالمئة في النمو الاقتصادي. أين كل ذلك؟ الجواب لدى وزير الطاقة ارتور نظريان الذي من المُفترض أن يصارح اللبنانيين بحقيقة العجز في مؤسسة كهرباء لبنان، ولدى وزير الاقتصاد ألان حكيم الذي أمامه مهمة ضبط كبيرة في جو اقتصادي موبوء بالفساد.

ولبنان ليس وحده في هذه الدوامة النفطية. فعندما تتراجع أسعار النفط تطفو إلى السطح كل صور الفساد من أفريقيا إلى أميركا اللاتينية وصولاً إلى الصين. والدول التي تعرف استغلال انخفاض الأسعار والتخلص من سطوة الفساد هي التي تحقق النمو اليوم.

لنأخذ المثل الإيرلندي. أيرلندا كانت على شفير الإفلاس واحتاجت إلى قروض من الإتحاد الأوروبي تفوق ٦٠ مليار يورو لدعم قطاعها المصرفي الذي اغرقته الأزمة المالية العالمية في الديون. وصلت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإيرلندي إلى ١٢٣ بالمئة عام ٢٠١٣ مع وصول أسعار النفط إلى ١٢٠ دولار للبرميل. لكن منذ انخفاض أسعار النفط تمكنت ايرلندا من تحقيق نمو يزيد عن ٧ بالمئة سنويا، وخفض مستوى البطالة من ١٥ بالمئة إلى أقل من ٥ بالمئة، وتراجعت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي إلى أقل من ١٠٠ بالمئـة. صحيح أن أيرلندا استفادت من هروب الشركات الأميركية الكبيرة مثل <غوغل> و<بفايزر> من الولايات المتحدة لتوفير نسبة مهمة من الضرائب، إلا أن الوفر الاقتصادي الذي تحقق بسبب انخفاض أسعار النفط والذي يُقدر بأكثر من ٥ مليار دولار سنوياً، كان هو المحرك الاقتصادي الأفعل لإعادة النمو. ولولا آلان-حكيموجود التنافسية الاقتصادية والشفافية في القوانين والمناقصات لما استطاعت إيرلندا العودة باقتصـــــــــــــادها من بعيد.

المثل الإيرلندي يعني الكثير بالنسبة للبنان. فرصة انخفاض أسعار النفط هي أفضل مدخل إلى بداية التفكير في إطفاء الدين العام. ولم يعد من داعٍ لانتظار استخراج النفط والغاز من بحارنا طالما أن كلفة الغاز الوطني لن تكون أقل مما ندفعه اليوم في ظل أسعار النفط الحالية التي يبدو أنها مستمرة على هذا المستوى، هذا إذا لم تهبط أكثر. ولكن ذلك برسم الطاقم السياسي الذي لم يقرر بعد الطلاق من الفساد.

من المفيد أن تكون إحدى الخطوات الأولى لرئيس الجمهورية العتيد أن ينشئ هيئة رقابة على انخفاض أسعار النفط ويدمجها بلجنة إدارة الدين العام التي لا نسمع عنها شيئا. فأمام البلد فرصة نمو اقتصادي كبير إذا عرف كيف يستفيد من الانخفاض الحاصل في أسعار النفط. أما إذا كان الرئيس <صورة منقحة> للفساد، فسلام على ايرلندا وعلى أي نمو اقتصادي حقيقي في لبنان.