تفاصيل الخبر

هل يمكن أن تصبح محاربة الفساد فرصة اقتصادية؟  

11/09/2015
هل يمكن أن تصبح محاربة الفساد فرصة اقتصادية؟   

هل يمكن أن تصبح محاربة الفساد فرصة اقتصادية؟  

بقلم خالد عوض

immigrants هناك بوادر وعي عربي ضد الفساد. من العراق الى مصر مروراً بلبنان. الشعب يريد إسقاط الفساد.. وإذا كان هذا مستحيلاً، فالهروب منه مستحيل أيضاً. عشرات آلاف اللاجئين الذين يتدفقون إلى أوروبا يهربون إلى المستقبل. هم بالتأكيد خائفون من وحشية <داعش> في بلاد الرافدين، أو من العمى الكامل في بطش النظام السوري. ولكنهم في الوقت ذاته لا يرون في مستقبل سوريا والعراق أي أمل برخاء أبنائهم. أحد أهم أسباب يأس الهاربين من بلادهم هو استشراء الفساد. عندما يضطر المدرّس العراقي <صالح علي> إلى دفع مبلغ ٤٣٠٠ دولار لوزير التربية حتى يحصل على وظيفة في مدرسة حكومية وتحصل <مريم ملك> التلميذة المصرية المتفوقة على صفر في سبع مواد في الامتحانات الرسمية يصبح اليأس مبرراً. الفساد أصبح هو النظام في معظم الدول العربية.

لم يكتفِ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي باستقالة وزير الزراعة صلاح الدين هلال بل أوعز بتوقيفه على خلفية تورطه في منح رخص استثمار لأراضٍ تملكها الدولة لرجال أعمال تحت عنوان تشجيع زراعة القطن. وكان الوزير قد مهّد لذلك بإصدار قرار يمنع استيراد القطن لتشجيع الزراعة المحلية المتراجعة كثيراً، ولكن مجلس الوزراء المصري عاد وألغى القرار بعد عدة أيام. ثم ظهرت قضية الأراضي، فاقتضت الاستقالة ثم التوقيف. هذا الأمر كان يحصل في مصر كل يوم تقريباً في العقود السابقة وتحت شعار دعم الاقتصاد الوطني أو دعم قطاع الزراعة وإلى ما هناك من عناوين إصلاحية رنانة تخفي في باطنها صفقات عقارية وتجارية ومالية. ولكن الرئيس المصري أراد أن يؤكد جديته في التصدي للفساد عبر محاسبة أحد الوزراء والذهاب إلى النهاية في ملفه. فهو يعرف أن هذا عنصر استراتيجي في حربه على الإرهاب لا يقل أهمية عن العامل العسكري والأمني نظرا لأهميته الشعبية.

قبل السيسي، كان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي يعلن <حربه> ضد الفساد. أقال أربعة وزراء، و<حرّر> حوالى عشرين ألف موظف أمن كانوا مولجين بحماية المسؤولين الحكوميين، وقام ببعض الخطوات التنفيسية الشكلية مثل إلغاء ستة مناصب، ثلاثة لنيابة رئاسة مجلس الوزراء وثلاثة لنيابة رئاسة الجمهورية. هذا كان الرد على تظاهرات شعبية طالبت بوقف الفساد وحظيت بدعم مطلق من المرجعية الدينية الشيعية آية الله علي السيستاني. ولكن الشك لا زال يحوم حول جدية رئيس الوزراء العراقي في محاربة الفساد طالما أن لا وزيراً أو نائباً وراء القضبان، خاصة أن التقديرات الصادرة عن مصادر حكومية عراقية تشير الى أن المبالغ التي ذهبت إلى جيوب <البوطة> الحكومية منذ الغزو الأميركي عام ٢٠٠٣ تساوي أكثر من ٣٠٠ مليار دولار. وهذا ما يفسر وجود العراق في المرتبة المئة وسبعين في اللائحة السنوية التي تصدرها منظمة الشفافية الدولية متقدماً على خمس دول فقط هي جنوب السودان وأفغانستان والسودان وكوريا الشمالية والصومال التي تتذيل اللائحة منذ سنوات. مصر في المرتبة ٩٤ في هذا اللائحة ولبنان في المرتبة ١٣٦ نبيه-بريمباشرة بعد قرغيستان وإيران وقبل نيجيريا وروسيا.

ليس غريباً ألا تتضمن بنود الحوار المستجد بند محاربة الفساد، فـ<حاميها حراميها>. السؤال المهم لأهل الحوار: هل انتخاب رئيس الجمهورية سيوقف الفساد؟ أو إقرار قانون الانتخابات على أساس النسبية في ظل وجود زعماء الطوائف على رأس الكتل النيابية هو الحل أمام ما تخسره خزينة الدولة سنوياً بسبب الفساد؟ من سيفكك <مافيا> النفط والمولدات؟ من سيعيد الكهرباء إلى البلد ٢٤ ساعة على ٢٤؟ اقتلاع <سوكلين> كلف البلد ولا يزال أزمة بيئية وصحية سندفع ثمنها لسنوات. لا متهم ولا مسؤول عن كل ذلك. تجهيل الفاعل هو أفضل صيغة لاستمرار التوافق السياسي.

وطالما أن المحاسبة معطلة تحت ذريعة الحقوق المذهبية والطائفية، فلن نجد وزيراً أو أي مسؤول وراء القضبان. وطالما أن يد السياسيين طليقة في تغطية <المافيات>، فمن الصعب أن يقدر رئيس جمهورية قوي أو توافقي، لا فرق، على التغيير.

الكلام عن لبنان الرسالة أو القدوة أصبح مبتذلاً. الشعب لا يريد التقاتل المذهبي. فقد جربه وعرف عقمه وكلفته الإنسانية والاقتصادية. في الوقت نفسه لا يريد أن يدفع من مستقبله وحقه في الإزدهار <ضريبة> دور البلد النموذج.

قبل أن نعطي الرسالة إلى العالم يجب أن نعطيها إلى الأجيال الآتية عندنا. عن أي رسالة نتحدث في ظل اهتراء المؤسسات وتراكم النفايات وانعدام الكهرباء وتلوث الماء والهواء؟

إذا كان هناك من رسالة يجب أن يحملها لبنان وطن الطوائف، فهي رسالة اجتثاث الفساد وليس تعايش الطوائف في الظلام والروائح الكريهة. فقط من هكذا رسالة يمكن أن يستعيد لبنان دور القدوة والنموذج والمنارة الإقليمية. بل يمكننا حتى خلق الفرص الاقتصادية لأن البلد سيتحول إلى هدف استثماري في بقعة من العالم تتجنبها الاستثمارات بسبب الفساد. وإلا فلنكتفِ بالتفرج على مصر أو العراق.. لربما تأتي الأمثولة من هناك.