سعر النفط هوى عن مستوى التسعين دولار وهو يتجه إلى الثمانين لأول مرة منذ العام ٢٠١٠. تراجع الطلب من آسيا وفورة الغاز الصخري في الولايات المتحدة عززت العرض. ورغم كل الأحداث في المنطقة التي أثرت في قدرة العراق وليبيا على إنتاج النفط، فيبدو أن تراجع سعر النفط سيكون سمة المرحلة المقبلة. يضاف الى تراجع الطلب وتنامي العرض ارتفاع سعر الدولار مقابل معظم العملات العالمية وهذا يعجل في هبوط الأسعار.
لسعر النفط في هذه المرحلة أهمية <جيوسياسية> خاصة ليس فقط لأن انخفاضه يساهم في تخفيف كلفة الحرب على <داعش>، بل لأن له مفاعيل اقتصادية مباشرة على الأقطاب الإقليمية والدولية.
الاقتصاد الروسي مبني على النفط. هو كان يعاني حتى قبل العقوبات الغربية عليه بسبب أوكرانيا. ولكن مع هبوط أسعار النفط، تضاعفت مشاكل روسيا وأصبحت على شفير الدخول في حلقة من التضخم الناتج عن العقوبات وفقدان <الروبل> لأكثر من عشرين بالمئة من قيمته خلال الأشهر الماضية. هذا الواقع المستجد يسير بروسيا إلى كساد محتوم أو على الأقل مستوى نمو ملازم للصفر. الموازنة الروسية تناهز ٤٣٠ مليار دولار في عام ٢٠١٤ ومبنية على سعر نفط ٩٤ دولار. المداخيل ستهبط حوالى 3.2 مليار دولار لكل دولار أقل من مستوى ٩٤ دولار للبرميل. وهذا سيرتب تحديات اجتماعية كبيرة وعجزاً في الموازنة سيثقل كاهل <فلاديمير بوتين> بشكل غير مسبوق ويجبره على الانكفاء إلى الداخل.
إيران بنت موازنتها البالغة ٧١ مليار دولار هذه السنة على سعر ١٠٠ دولار للبرميل. وبما أن عائدات النفط تناهز ٢٣ مليار دولار، فإن إيران ستخسر حوالى ٣ مليار دولار سنوياً إذا استمر سعر النفط في مدار ٨٥ دولار للبرميل. وهذا سيؤثر كثيراً في الصدقية الشعبية للرئيس روحاني الذي بدأ أساساً مسيرته الإصلاحية الداخلية بلجم مستويات الإنفاق. ومع استمرار التضخم وهبوط سعر الريال الإيراني، سيستحيل على الرئيس روحاني إجراء إصلاحات بنيوية في الاقتصاد كما كان يشتهي وسيضطر إلى مزيد من التقشف الذي سيصعّب من مهامه الرئاسية.
لا شك أن إصرار دول <أوبيك> على عدم خفض الإنتاج والتعايش مع سعر نفط منخفض فيه الكثير من العض على الأصابع. الكل يخسر ولكن البعض يخسر أقل من البعض الآخر ويفضل استمرار الخسارة لأن الأذى المادي والاقتصادي الذي يصيبه أقل من الأذى الذي يصيب غريمه. ولا شك أيضاً أن هبوط أسعار النفط سيلقي بظلاله على المحادثات النووية مع إيران التي من مصلحتها الإسراع في حسمها حتى يتسنى لها زيادة تصدير النفط والاعتماد أكثر على الطاقة النووية لتلبية الطلب الداخلي.
في لبنان هبوط أسعار النفط يساعد في تخفيف العجز المالي. وإذا استمر السعر في مدار ٨٥ دولار للبرميل، يمكن توفير حوالى ٢٥٠ مليون دولار سنوياً. كما أن انخفاض الأسعار يمكن أن يسرع في التسوية السياسية الإقليمية المنتظرة مما سينعكس على لبنان بطريقة أو بأخرى. فعند مستوى الثمانين دولار أو أقل للبرميل يمكن أن يتواضع الجميع وتينع الاتفاقات. المشكلة اننا ما زلنا في بداية عصر السعر الجديد للنفط ولن تبدأ تباشير التغيير الذي سيحدثه انخفاض الأسعار في الظهور في المدى المنظور. حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود في مدى تأثير أسعار النفط على التسوية في لبنان سنضطر إلى التعايش مع مظاهر انحلال الدولة والحفاظ على ما يمكن حفظه من الأمن والأرض والشعب.