ملف الرئاسة اللبناني رافق أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد في زيارته لطهران
المعركة الرئاسية هي الآن في إجازة. عبثاً نحاول تكرار الأسماء الموعودة بكرسي الرئاسة في بعبدا، لأننا بذلك نكون في حالة رسم على الماء. والحكمة تقتضي بالسؤال عما يدور حولنا، لأن اسم الرئيس اللبناني العتيد سيولد من رحم أحداث المنطقة. أي قل لي ماذا يجري في انتخابات سوريا الرئاسية، وما يجري في إيران، وأي تداعيات تحكم الآن العراق، وأي ظلال سيتركها الرئيس المصري الجديد المشير عبد الفتاح السيسي على العلاقات المصرية ــ الأميركية، أقل لك من هو رجل قصر بعبدا.
ومن حق البطريرك بشارة الراعي أن يقول وهو يستقبل الرئيس السابق ميشال سليمان انه يشعر بجرح في الكرامة وهو يرى كرسي رئاسة الجمهورية شاغراً!
ولنبدأ من سوريا التي ذهب فيها من تيسر من الناخبين الى أقلام الاقتراع يوم الثلاثاء الماضي ليقترعوا لواحد من ثلاثة: الرئيس بشار الأسد، وحسان النوري، وماهر حجار. وحسان النوري (54 سنة) شغل منصب وزير التنمية الادارية بين عامي 2000 و2002، ويرئس الآن <المبادرة الوطنية للارادة والتغيير> ويحمل شهادة الدكتوراه في التنمية البشرية من جامعة <كينيدي> الأميركية، وبرنامجه الانتخابي يقوم على محاربة الارهاب والفساد واعادة الاعمار وتحسين العلاقات بين سوريا والغرب. أما المرشح الثالث ماهر حجار فهو عضو في مجلس الشعب، وانضم الى الحزب الشيوعي السوري (مؤسسه خالد بكداش) عام 1984 وانشق عنه عام 2000، وهو حاصل على دبلوم في الدراسات اللغوية من كلية الآداب التابعة لجامعة حلب، وشعاره الانتخابي <سوريا بلا دماء ولا دمار ولا خراب> مع الدعوة الى العفو العام.
وطبيعي أن يكون بشار الأسد هو الفائز بين الثلاثة، إلا ان مشاركة النوري وحجار في المعركة الرئاسية يعطيها في عيون الخارج الصفة التعددية، مشفوعة بوفد مراقبة للانتخابات من إيران، ووفد مراقبة من روسيا، وكوريا الشمالية، والجزائر والعراق.
فكيف ستتعامل دول المنطقة مع الأسد الآتي من جديد الى سدة الرئاسة وقصر المهاجرين؟
البداية ستكون من برقيات التهنئة بالولاية الرئاسية الجديدة، فهل تأتي هذه التهنئة من مصر، بعدما يتربع المشير عبد الفتاح السيسي على كرسي الرئاسة، إثر حلفه اليمين الدستورية أمام الرئيس المصري المؤقت عدلي منصور؟! وهل ستأتي تهنئة من بعض الدول الخليجية؟! بل ماذا سيكون عليه موقف الرئاسة الأميركية، وأمامها رئيس يحكم سوريا من جديد لست سنوات؟! وهل ستتحفظ الحكومة الرئاسية في لبنان على ارسال مثل هذه البرقية، برغم المطالبة بها من قبل وزراء 8 آذار؟! الموقف صعب، ولكن الرئيس تمام سلام قادر على تدوير الزوايا، وإبعاد شبح الأزمات عن مجلس الوزراء.
أمير الكويت والانفتاح على إيران
وفي سبر أحداث المنطقة، لا بد من التوقف عند الزيارة التاريخية التي قام بها أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد لطهران، ولقائه تباعاً رئيس الجمهورية الإيرانية الشيخ <حسن روحاني> والمرشد الأعلى للثورة الاسلامية السيد <علي خامنئي>. لقد جاءت زيارة أمير الكويت لإيران بضوء أخضر من دول مجلس التعاون الخليجي التي تريد الخليج منطقة آمنة بعيدة عن الأزمات والمصادمات. وكانت هذه الزيارة لأمير الكويت ستتكامل مع تلبية وزير الخارجية الإيراني <محمد جواد ظريف> دعوة الأمير سعود الفيصل لزيارة السعودية وحضور اجتماع منظمة التعاون الاسلامي المقرر في مدينة جدة يوم 18 حزيران (يونيو) الجاري، لو لم يعتذر ظريف عن تلبية الدعوة الكريمة لأن موعدها يتزامن مع جولة مفاوضات نووية بين إيران والدول الست المعنية بالملف الإيراني النووي في فيينا بين 16 و20 حزيران (يونيو) الجاري.
وأمير الكويت بالذات حالة توافقية بين دول مجلس التعاون الخليجي، وكما انتزع عوامل التوتر من العلاقات الخليجية ــ العراقية وعقد المصالحة بين الرياض وأمير قطر الشيخ تميم، حاول في زيارته لطهران أن يخفف من الاحتقان في علاقات بعض الدول الخليجية بإيران بسبب تدخلها في كل من مملكة البحرين واليمن، والتصدي بالمال والسلاح للمعارضة السورية.
ومن محادثات أمير الكويت في طهران كان هناك بيان مشترك شدد على وجوب تعزيز نهج الاعتدال والعقلانية في المنطقة والسعي الى تسوية مشكلاتها وإزالة المخاوف من خلال احلال الأمن والاستقرار..
وتبقى محادثات الكواليس بين أمير الكويت والقادة الإيرانيين هي الأهم في الاعتبار. ولا بد أن يكون أمير الكويت قد حدث كلاً من المرشد الأعلى للثورة الإسلامية السيد <علي خامنئي>، ورئيس الجمهورية الشيخ <حسن روحاني> عن ضرورة تغليب الحل السياسي في سوريا على الحل العسكري، وضرورة أن يكون لإيران دور ومسعى في هذا المجال، كما لا بد أن يكون قد دعا الى إزالة المخاوف الخليجية من التدخل الإيراني في مملكة البحرين، وكذلك التدخل الإيراني في العراق، وهذا يتطلب لقاء إيرانياً سعودياً.
وطبيعي ألا يكون الملف اللبناني قد غاب عن محادثات أمير الكويت في طهران، وضرورة الاتفاق الإيراني ــ السعودي على اسم الشخصية اللبنانية الأكثر ملاءمة للبنان في هذه الظروف. وفي الحسبان الكويتي ان ما تتفق عليه دول مجلس التعاون الخليجي وإيران بشأن لبنان هو الحل الذي يأخذ بركة الأوساط الدولية، ولاسيما الولايات المتحدة التي ضاقت مسافة الخلاف بينها وبين إيران في موضوع الملف النووي ولا بد أن يصدر عن اجتماع الدول الست مع وزير الخارجية الإيراني <محمد جواد ظريف> في فيينا يوم 16 حزيران (يونيو) الجاري، ما يسمح للولايات المتحدة العضو في الدول الست أن تتعامل مع إيران بسياسة انفتاح، ومن شأن سياسة الانفتاح أن تحول الأزمات في المنطقة الى برد وسلام.
الأسد قبل وبعد!
وفي العودة الى الملف السوري لا بد من السؤال: هل تكون سياسة الرئيس السوري بشار الأسد في ولايته الرئاسية الجديدة مختلفة عما كانت عليه قبل الانتخابات الرئاسية؟! أي هل سيفرج عن المساجين السياسيين؟! وهل سيعقد مع المعارضة المسلحة اتفاقات كالتي عقدها معها في حمص؟! وهل سيزيل من أذهان اللبنانيين كوابيس عهد الوصاية، ويتعامل مع الرئاسة الممثلة بحكومة الرئيس تمام سلام بعقلية مختلفة عن ذي قبل؟!
أسئلة تبقى في باب التمنيات، ولا تنتهي أحداث سوريا بهزيمة للنظام أو هزيمة للمعارضة، وانما بسلطة انتقالية كالتي نص عليها اتفاق <جنيف واحد>.
وهنا يعود دور مصر العربي الى عمق الساحة العربية بعدما انكفأ في أواخر عهد الرئيس حسني مبارك، وفترة حكم الاخوان المسلمين وواجهتِهم الرئيس محمد مرسي، بعدما تأتي إليه وفود التهنئة من دول عربية بالجملة، وأولها السعودية والكويت ولبنان، ولا بد أن يعطى الرئيس السيسي فترة من الترقب قبل أن يطلب زيارة هذا البلد العربي أو ذاك، وإن كانت الزيارة الأولى للرئيس المشير خارج مصر هي للمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات ودولة الكويت التي ساندت الاقتصاد المصري في أحلك الأزمات، وأصعب المواقف، لأن ديبلوماسية الوفاء ستكون هي الغالبة عند الرئيس السيسي.
وبالمقابل سيكون لرئيس وزراء لبنان تمام سلام زيارات بالجملة على رأس وفد وزاري لدول الخليج، وكذلك للجزائر والمغرب، جناحي اتفاق الطائف عام 1989، وسيكون محور هذه الزيارات طلب مساعدة لبنان في احتواء هذا الفيضان في عدد النازحين السوريين، وهو فيضان خطر على سلامة الدولة والشعب والاقتصاد. وهذا الهاجس نفسه كان أصل المباحثات بين وزير الخارجية الأميركي <جون كيري> والرئيس تمام سلام، وربما كان في كمه اسم الرئيس الآتي، ولو بشكل مكتوم، وليس كما فعل <ريتشارد مورفي> حين قال: <مخايل الضاهر أو الفوضى>.
ترياق وزير التربية!
وفيضان النزوج السوري، مع ما يتخذه وزير الداخلية نهاد المشنوق لضبط ملف هذا النزوح، الى طوفان تظاهرات هيئة التنسيق النقابية ومحاولة تعطيلها للامتحانات الرسمية، جسر العبور الى الجامعات في لبنان والخارج، وأمل التخصص العلمي. وقد استخدم وزير التربية والتعليم العالي الياس بوصعب يداً من قطن، ويداً من حديد. يد القطن حاولت أن تحل المشكلة بالحوار وبتنبيه أساتذة الثانوية وموظفي القطاع العام بأن الزيادة الملحوظة لسلسلة الرتب والرواتب صاعق تفجيري قد يجعل الدولة في حالة عجز عن دفع مرتبات موظفي القطاع العام، ويتعين التنبه الى هذا الصاعق التفجيري. أما يد الحديد، أو قبضة الحديد، فبتصعيد موقف وزارة التربية من تأجيل الامتحانات الرسمية أسبوعاً، الى حتمية اجرائها برقابة وزارة الدفاع ومديرية الأمن الداخلي ويكون الطلاب بذلك قد ربحوا مستقبلهم، وتكون هيئة التنسيق قد حطبت في.. ليل، واصطادت الفراغ!
فهل تتنبه هيئة التنسيق النقابية الى هذه المخاطر، فتخفف من غلوائها، وخطبة <ميرابو> في الشارع المحتقن أصلاً، بسبب البطالة وضمور السيولة، وتراجع المداخيل، وتتنبه الى ساعة الحقيقة، قبل أن يحل بهم المثل القائل: لات ساعة مندم؟
ولأن الاثنين يملكان موهبة تدوير الزوايا، أي الرئيسان نبيه بري وتمام سلام، فلا بد أن يفضي اجتماعهما الاستثنائي الى حل لا يموت فيه الذئب ولا يفنى الغنم.
أي لا يجوز أن يتحول الفراغ الرئاسي الى فراغ في استنباط.. الحلول!