تفاصيل الخبر

هل يختار العرب والخليجيون الصين بدل الولايات المتحدة لشراكة استراتيجية جديدة؟

20/01/2017
هل يختار العرب والخليجيون الصين بدل  الولايات المتحدة لشراكة استراتيجية جديدة؟

هل يختار العرب والخليجيون الصين بدل الولايات المتحدة لشراكة استراتيجية جديدة؟

 

بقلم خالد عوض

donald-trump

منذ انتخاب <دونالد ترامب> في ٨ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٦ حصل تغيير كبير في السياسة الخارجية للصين. التغيير يبدو بالشكل تكتيكيا، ولكنه بالعمق استراتيجي بامتياز.

وفي حين اتجهت كل الأنظار إلى الرئيس الأميركي الجديد وكيفية تعاطيه مع الملفات الدولية الشائكة التي ورثها من سلفه <باراك اوباما>، خطف الرئيس الصيني <شي جين بينغ> الأضواء العالمية من خلال حضوره القوي لأول مرة وعلى رأس وفد صيني كبير إلى المنتدى الاقتصادي العالمي في مدينة <دافوس> السويسرية. ظهر الرئيس الصيني بمظهر رجل الدولة الأول في العالم وجعل نده الجديد <ترامب> الغارق في تغريدات محيرة إلى حد السخف أحيانا، يبدو في صورة كاريكاتورية لا تليق بزعيم أقوى دولة في العالم.

 

صحوة الديبلوماسية الصينية

 

ولكن ظهور الرئيس الصيني ليس هو المفاجأة الوحيدة. فمنذ انتخاب <ترامب> أصبحت الخارجية الصينية خلية نحل. المبعوثون الصينيون حطوا في كل بلد في العالم تقريبا، في باكستان حيث يريدون إحياء <الكوريدور الاقتصادي> بين باكستان والصين، وفي جيبوتي حيث اعلنوا عن تمويل منطقة حرة إلى جانب إنشاء أكبر قاعدة عسكرية صينية في أفريقيا، إلى الفيليبين لدعم عضويتها في منظمة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، إلى بريطانيا حيث اعلنوا منذ أيام عن القطار الذي سيجتاز إثني عشر ألف كيلومتر بين <بيجين> و <لندن> في يومين فقط إحياء لطرق الحرير التي كانت قائمة مئتي سنة قبل الميلاد. حتى أن أحد المبعوثين الصينيين جاء إلى لبنان في كانون الأول (ديسمبر) الماضي ليستطلع من رئيس الوزراء سعد الحريري توجهات الحكومة الجديدة وحاجاتها.

معظم المشاريع الصينية المذكورة قامت قبل <ترامب> ولكن الفارق الذي حصل بعد انتخاب الرئيس الأميركي هو في طريقة الحضور الخارجي الصيني الذي أصبح مباشراً ومتواصلاً ومكثفاً عن طريق مبعوثين شباب قريبين من الحكومة المركزية ومصنع القرار الصيني، بعدما كان متقطعاً وعن طريق السفارات أو البعثات التجارية. لماذا هذا التغيير الكبير في شكل الحركة الديبلوماسية الصينية؟ من جهة هو أمر كان سيحصل عاجلاً أو آجلاً لأن حجم الصين الاقتصادي والمالي بدأ يحتم عليها سياسة خارجية أكثر نفوذاً، ولكن تسريع ذلك بعد انتخاب <ترامب> مرده أن الصين مقتنعة أن الرئيس الأميركي الجديد سيزيد من الفراغ الأميركي الدولي وأنه سيبقى محتاراً بين وفائه بالتزاماته الانتخابية ومواقفه المتطرفة من أمور عديدة وبين <البراغماتية> السياسية والتجارية التي تفرضها الظروف الدولية. هذه الحيرة، المتجلية كل يوم إما من خلال تغريداته أو من خلال تصاريح فريقه الجديد المناقضة لها، من شأنها أن تفقد الثقة الدولية بحضور وزعامة الولايات المتحدة، وتقرب القوى الاقتصادية الكبيرة في العالم من الصين.

الديبلوماسية الصينية ستكون إذاً نجمة المحافل الدولية في فترة <ترامب> لأن الأخير سيكون مشغولاً إما بالدفاع عن تراجعه عن الوعود التي قطعها خلال حملته، أو بإقناع الأميركيين وممثليهم في الكونغرس ببرامجه الإنفاقية الخيالية التي يمكن أن تجعل العجز في الموازنة وبالتالي الدين الأميركي خارج السيطرة.

 

مدرسة العولمة ضد مدرسة الانعزال الاقتصادي

 

الاقتصاد العالمي منقسم اليوم بين مدرستين: الأولى، بزعامة <ترامب> ومعه رئيسة الوزراء البريطانية <تيريزا ماي>، تحبذ الإنغلاق على الانفتاح التجاري والحدودي الذي برأيها يزيد البطالة في الداخل ويعرض المجتمع إلى خطر الذوبان الثقافي. أما المدرسة الثانية فهي تحت لواء الصين ومعها ألمانيا وما تبقى من أوروبا، وهي لا زالت تدافع عن العولمة وكسر الحواجز التجارية والحدودية، وترى في ذلك حافزاً كبيراً xi-jinpingللتنافسية الاقتصادية والإنتاجية. الخلاف كبير وسيكون له بلا أدنى شك انعكاسات سياسية ومالية تسخن المواجهة الأميركية - الصينية.

ويبدو أن هذه المواجهة لن تنتهي على خير في معظم الأحوال، فإما أن يدفع العالم ثمنها من خلال أزمة مالية قاسية أو تتصاعد المواجهة الاقتصادية إلى حماوة عسكرية بين المعسكرين الأميركي والصيني.

 

العرب، ولبنان، مع من؟

وفي وسط هذا الإنقسام الاقتصادي الحاد، أين سيقف العرب؟ مع الصين التي أصبحت شريكاً تجارياً وإقتصادياً استراتيجياً للعالم العربي ودول الخليج أم مع الولايات المتحدة التي لا زالت معظم دول العالم وخاصة العربية تربط اقتصادها بعملتها؟ الخيار سيكون صعباً خاصة أن <الأمن العربي> اليوم وكل ملحقاته العسكرية هو في العهدة الأميركية.

لا زالت المصلحة الاقتصادية والسياسية والأمنية العربية العليا تفرض السعي للمحافظة على أفضل العلاقات مع الأميركيين، ولكن في الوقت نفسه تقتضي <البراغماتية> السياسية والاقتصادية توسيع شباك التعامل مع الصين إلى أكبر الحدود. هذا ينطبق علينا في لبنان، إذ من السهل مثلاً أن نستقطب نصف مليون سائح صيني سنوياً إلى لبنان بينما من المستحيل جذب عشرة بالمئة من هذا العدد من الأميركيين، كذلك فإن الأسهل اليوم استقطاب استثمارات صينية في البنية التحتية اللبنانية من إقناع الأميركيين والأوروبيين في جدوى الاستثمار في البلد في هذه المرحلة.

الحوار التجاري مع الصين يجب أن يأخذ بُعداً مختلفاً من الآن فصاعداً، وإذا كان لدى أي أحد شك بهذا المنطق، فما عليه إلا أن يستمع إلى خطاب القسم للرئيس <ترامب> يوم الجمعة ٢٠ كانون الثاني (يناير) وخطاب الرئيس الصيني في <دافوس> قبله بيومين ليتأكد أن مركز القرار العالمي يتجه إلى الشرق.... وبسرعة.