تفاصيل الخبر

هل يخرج ”كارلوس غصن“ منتصراً في تحدي الساموراي؟!

30/11/2018
هل يخرج ”كارلوس غصن“ منتصراً في تحدي الساموراي؟!

هل يخرج ”كارلوس غصن“ منتصراً في تحدي الساموراي؟!

 

بقلم خالد عوض

في علم الأعمال إذا أردت أن تطيح بمشروع كبير عليك أولا الإطاحة بقائده. هذا ينطبق أيضا على السياسة وعلى قطاعات أخرى ولكن قضية رجل الأعمال اللبناني البرازيلي الفرنسي <كارلوس غصن> (٦٤ عاما) هي مثل صارخ للإنقلاب الياباني على مشروع إتحاد <رينو - نيسان> ومعهما <ميتسوبيشي>، رغم أن الأخيرة ملحقة وليست في مركز القرار.

 

اليابان تحت الضغط الكوري والصيني و... التواصل الإجتماعي

 

منذ التسعينات واليابان تضج بقضايا الفساد، فخلال الخمس سنوات الأخيرة فقط هناك قضايا فساد بالعشرات طالت شركات <توشيبا> و<أوليمبوس> و<توري> للحديد، حتى شركة <نيسان> لم تسلم منذ سنتين عندما تبين أن أكثر من مليوني سيارة بيعت من دون أن تكون حققت المواصفات المطلوبة. التفسيرات لأسباب الفساد المتنامي في عالم الأعمال الياباني كثيرة، منها ما يقول أن الضغط المتواصل على الشركات لكي تحسن ارباحها يؤدي إلى محاولات تهرب من الأنظمة الإدارية والقيود الداخلية وإلى إدخال مواد أولية بأسعار أقل للتمكن من المنافسة. هناك من يعزو ذلك أيضا إلى مستوى الجودة المرتفع جدا للصناعة اليابانية مقابل منافسة شديدة من كوريا الجنوبية ومؤخرا الصين اللتين تتبعان معايير أقل من تلك المعتمدة في اليابان. هذا يجبر بعض المصنعين في اليابان على محاولة التفلت من المواصفات أو الإلتفاف على الحوكمة لتمرير صفقات شراء توفر الكلفة وتضمن إستمرار هامش الربحية. لا شك أن صعود شركات كورية مثل <دايوو> و<هيونداي> و<ال.ج.> و<سامسونج> أكل من حصة الشركات اليابانية في الأسواق العالمية، ولكن هناك عمل آخر ساعد في تكشف قضايا الفساد في الشركات اليابانية وهو ما يسمى بالمخبر المجهول (Whistleblower)  فالثقافة الإجتماعية اليابانية معروفة بالكتمان الشديد والتستر، وأي ناقل لفضيحة يعتبر خارجاً عن اللياقة اليابانية مهما كانت أهمية الحادث المفضوح، ولكن انتشار وسائل التواصل الإجتماعي سهل عملية التبليغ عن الأخطاء أو الفضائح لمجموعة كبيرة من الموظفين والعمال كان لا يمكن لها أن تفصح عما تراه أو تكتشفه من مخالفات في العلن، ويبدو أن <كارلوس غصن> وقع ضحية أحد هؤلاء.

 

الإخراج يدل على النوايا!

لم يسبق للسلطات اليابانية أن تعاملت مع قضية فساد بهذه الطريقة المسرحية التي تعرض لها رئيس <نيسان>. الرجل كان لا يزال في الجو عندما اخطرت السلطات اليابانية كل الوسائل الإعلامية المحلية والدولية أنها على وشك أن توقف <كارلوس غصن>، حتى أن بعض الوكالات الصحفية علم بالخبر قبل أن تُبلغ به إدارتا <رينو> و<ميتسوبيشي>. هذا الإخراج ليس من أساليب الثقافة اليابانية، وإن دل على شيء فهو يدل أن هدف الإحراج العلني وتشويه السمعة سبق مسألة التحقق من الفساد. الموضوع هو إخراج <رينو> من خلال الإنقلاب على رأس مشروعها مع <نيسان> خاصة أن مساهمة الشركة الفرنسية المالية أقل من مساهمة حليفتها اليابانية وهذا يزعج الكثيرين من اداريي <نيسان>، ولولا <غصن> الذي كان يعرف إظهار نقاط القوة عند <رينو> - هو الذي تدرج فيها لعدة سنوات - وطريقته الحاسمة في الدفاع عن أسباب بقاء الإتحاد، لكان اليابانيون استقلوا عن الفرنسيين منذ أكثر من ثلاث سنوات.

هل أخطأ <كارلوس غصن>؟!

من السهل الكلام اليوم عن أخطاء عملاق صناعة السيارات في العالم، علماً انه لولا ظهور مخترع سيارة <تسلا> الكهربائية <أيلون ماسك>  لكان <غصن> هو الرجل الأول في العالم في هذا القطاع الضخم. مجموعة <رينو - نيسان> كانت أول مصنع للسيارات عام ٢٠١٧ متفوقة على <تويوتا> و<فولسفاغن>. الرجل الملقب بقاتل التكاليف أنقذ <نيسان> من الإفلاس وجعلها تنافس <تويوتا> بقوة في اليابان وفي العالم كله. وما فعله خلال مسيرته الصناعية سجله التاريخ وصدرت كتب عديدة حوله. اليوم هو سقط ضحية لعبة صناعية كبيرة ولن تتمكن الفضيحة الأخيرة من أن تحجب انجازاته. المشكلة أنه اعتقد أن مواصلة النجاح المالي تضمن له مركزه وأصر على التمسك بالحلف بين <رينو> و<نيسان> من دون أن يعطي الخيارات الأخرى نصيبها من الدراسة. لا شك أن لدى اليابانيين ملفا متكاملا حول مخالفات <غصن> والأرجح أنه ليس جديدا، بل كانوا على علم به منذ مدة طويلة لأن الرجل لم يخف ما كان يقوم به، ولكنهم كانوا يغضون النظر عن كل ذلك. وعندما يصبح أي إنسان في مركز <كارلوس غصن> ويتمتع بسجل نجاحات غير طبيعي، فمن المؤكد أنه سيتصرف مرات خارج قيود الحوكمة المثلى، خاصة إذا كانت على نسق الإجراءات اليابانية التي لا تنقصها البيروقراطية. هذا ليس خطأ <غصن> الحقيقي خاصة أن أحدا لم ينتقد أيا من تصرفاته على مدى كل هذه السنوات. زلة <كارلوس غصن> هي في أنه لم يصغ لإداريين يابانيين كثيرين لديه كانوا يتذمرون من التحالف مع <رينو> لمدة غير بسيطة، وأولهم الرئيس التنفيذي لـ<نيسان> <هيروتو سيكاوا> الملقب اليوم بمهندس الإنقلاب.  <غصن> إعتبر أن استمراره على رأس <نيسان> يعني إستمرار التحالف الياباني الفرنسي والعكس صحيح. اما بالنسبة لليابانيين، فعالم صناعة السيارات يتحول والتحالف الياباني مع <رينو> ليس أفضل طريقة لمواجهة التحديات الآتية. الطلاق بين <رينو> و<نيسان> مسألة وقت، و<كارلوس غصن> راح ضحية محاولة إطالة هذا الوقت.

لن يزيل مشهد إغلاق نوافذ طائرة <كارلوس غصن> لحظة إلقاء القبض عليه في مطار <هانيدا> جنوبي طوكيو انجازات الرجل العملاقة. لا شك أن الضرر وقع، ولن يعود <غصن> على رأس أي شركة في اليابان بعد أن أقاله مجلسا إدارتي <نيسان> و<ميتسوبيشي>، ولكن إذا عرف كيف يتفادى السقطة القضائية الكبرى فلن تتردد <رينو> في أن تعيد له الإعتبار لأنه ما زالت في حوزته مفاتيح النجاح في عالم صناعة السيارات، والتي تحتاجها الشركة الفرنسية أكثر من أي وقت مضى.

المستقبل وحده سيؤكد إذا كان الكبرياء الياباني قد أخطأ في حق <غصن>، أو في حق <نيسان> نفسها.