تفاصيل الخبر

هل يحكم”فلاديمير بوتين“ أوروبا... بالغاز؟!  

15/02/2019
هل يحكم”فلاديمير بوتين“ أوروبا... بالغاز؟!   

هل يحكم”فلاديمير بوتين“ أوروبا... بالغاز؟!  

بقلم خالد عوض

 

أصبح من الواضح أن روسيا تسعى إلى التمدد في العالم ليس فقط عبر ترسانتها العسكرية التي تمكنت من خلالها من إنقاذ نظام الرئيس السوري بشار الأسد بل عبر أنابيب الغاز. <التوسع عبر خطوط الغاز> أصبح عنوان الاستراتيجية الروسية في الشرق الأوسط وأوروبا، وروسيا تضع جيشها في خدمة هذه الاستراتيجية لأنها يمكن أن تصنع منها <زعيمة> على أوروبا والشرق الأوسط.

مجرى الشمال ٢ كاد يقسم أوروبا!

 

لا ينقص أوروبا مشاكل أكثر من التي تعاني منها. أزمة خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي لا زالت تتفاقم خاصة وأنه لم يبق سوى سبعة اسابيع على إنتهاء الموعد المحدد للـ<بركزيت>، ومن دون إتفاق فستعاني بريطانيا من زيادة أسعار حادة في كل ما تستورده من أوروبا نظرا إلى الرسوم الجمركية التي ستضطر إلى فرضها ردا على الرسوم التي ستفرض على صادراتها إلى أوروبا، كما يمكن أن تشهد خروجاً كبيراً لليد العاملة الأوروبية منها بسبب القيود التي ستضطر إلى فرضها لملاقاة الضوابط التي سيخضع لها العاملون البريطانيون في أوروبا. إلى جانب <بركزيت> هناك كلام لحاكم البنك المركزي الأوروبي <ماريو دراغي> أن أوروبا على وشك الدخول في كساد اقتصادي جديد رغم أنها لم تتعاف أساسا من الأزمة المالية العالمية، فالنمو الاقتصادي الأوروبي متجه إلى الصفر. حتى ألمانيا، التي تشكل الرافعة الكبيرة للاقتصاد الأوروبي، بدأت تشهد تراجعا في صادراتها بسبب الحرب التجارية الأميركية - الصينية وانعكاسها على النمو الاقتصادي العالمي.

وما حصل منذ أيام في العاصمة البلجيكية <بروكسيل> داخل أروقة الإتحاد الأوروبي كان سيزيد الطين الأوروبي بلة، فالخلاف بين عدة دول أوروبية على رأسها رومانيا التي ترأس الإتحاد الأوروبي حاليا وألمانيا، على خط غاز مجرى الشمال <NORDSTREAM 2> الذي ينقل الغاز بالبحر مباشرة من مدينة <سانت بطرسبورغ> الروسية إلى مدينة <لوبمين> شمال ألمانيا ويلتف على <أوكرانيا> و<بولندا> كاد أن يتحول خلافا فرنسيا - ألمانيا، ولكن فرنسا التي اعترضت على المشروع في البداية طالبة أن يكون الخط خاضعا للرقابة الأوروبية عادت ورضخت في اللحظة الأخيرة إلى الطلب الألماني بالسير بالمشروع على أن تكون الرقابة خاضعة لكل دولة أوروبية يمر بها الخط، أي لألمانيا! فرنسا حاولت تفادي إعتماد أوروبا أكثر على الغاز الروسي، وكانت تفضل إستيراد الغاز السائل الأميركي حتى يتسنى لها تخفيف قيود <ترامب> الجمركية على البضائع الأوروبية، كما تسعى إلى إبقاء بعض من القوة التفاوضية في يد الحكومة الأوكرانية التي تستعد لجولة مفاوضات صعبة مع الروس حول خط الغاز الذي يمر عبر اراضيها ونسبها من مرور هذا الخط عندها. الكلمة الأخيرة كانت لألمانيا، وخلفها روسيا، لأنها أفهمت الجميع أن بناء الخط ماض على قدم وساق شاء من شاء وأبى من أبى.

 

روسيا حليفة السعودية بالنفط وقطر بالغاز؟!

 

التناغم الروسي - السعودي في مسألة تخفيض الإنتاج للحفاظ على سعر النفط فوق حاجز الخمسين دولاراً ليس سرا، كما أن استراتيجية شركة النفط السعودية <أرامكو> التي كشف عنها منذ أيام وزير الطاقة السعودي خالد الفالح عندما أكد نية الشركة بالاستثمار والتوسع في حقول النفط والغاز خارج المملكة، كانت قد بدأت في روسيا منذ عدة شهور عبر الاستثمار السعودي في خطوط الغاز الروسية ومن المرجح أن تتوسع بشكل واضح خلال الأعوام المقبلة. في الوقت نفسه هناك تنسيق كبير بين روسيا وقطر في مسألة أسعار الغاز خاصة بعد خروج قطر من منظمة <اوبيك>، كما أن القطريين الذي يسعون هم أيضا إلى ضخ غازهم إلى أوروبا يعرفون أنهم إذا أرادوا أية حصة في أوروبا فيجب أن يمروا بالبوابة الروسية رغم كل التشجيعات على منافسة روسيا والضمانات التي يعطيها لهم الرئيس الأميركي <دونالد ترامب>.

 

تركيا أيضا تحت رحمة <بوتين>!

 

منذ أشهر أعلنت تركيا وروسيا عن قرب انتهاء الأعمال في خط <ترك ستريم> الذي ينقل الغاز مباشرة من روسيا إلى تركيا عبر البحر الأسود. تركيا ثاني أكبر مستهلك للغاز في أوروبا بعد ألمانيا وهي تعتمد بشكل أساسي على الغاز الروسي، لذلك هي تحسب خطواتها جيدة في سوريا وأمكنة أخرى لأنها لا يمكن أن تغضب من يمدها بالغاز ويؤمن لها بذلك النمو الاقتصادي، كما أن الخط الروسي إلى تركيا والذي من المفترض أن يبدأ ضخ الغاز قريبا جدا سيكمل إلى جنوب أوروبا وبذلك تستفيد تركيا منه ليس فقط من خلال تزويدها بالغاز بل من مروره في أراضيها.

الإنتاج الأوروبي من الغاز سينخفض إلى النصف قبل حلول سنة ٢٠٤٠ وفي الوقت نفسه سيزداد الطلب الأوروبي على الغاز أكثر من ٣٠ بالمئة قبل ٢٠٣٠. من يملك الطاقة يملك النمو الاقتصادي، ومن يتحكم بالاقتصاد يتحكم بالسياسة، واستطرادا من يتحكم بالطاقة يتحكم بالسياسة. كل المؤشرات تؤكد أن <فلاديمير بوتين> في طريقــــــــــــــه لإحكام قبضته على مصادر الطاقة لأوروبا أي على قرارها السياسي.