تفاصيل الخبر

هل يضيع تشكيل الحكومة الجديدة بين تشكيلة "ملغومة" وادعاءات ملتبسة؟!

16/12/2020
هل يضيع تشكيل الحكومة الجديدة بين تشكيلة "ملغومة" وادعاءات ملتبسة؟!

هل يضيع تشكيل الحكومة الجديدة بين تشكيلة "ملغومة" وادعاءات ملتبسة؟!

 

[caption id="attachment_83933" align="alignleft" width="476"] رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري في آخر لقاء بينهما.[/caption]

 عندما قدم رئيس الحكومة سعد الحريري لائحة مكتملة بحكومته مؤلفة من 18 وزيراً توزعوا على الحقائب الوزارية الــ 22، كان يدرك ان هذه التشكيلة لن تمر مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ومع ذلك فعلها الرئيس الحريري وهو يعرف سلفاً ان "شريكه" في تشكيل الحكومة ليس في وارد القبول لأن التشكيلة لم تراع الملاحظات التي كان قدمها الرئيس عون للرئيس المكلف، كما انها لم تأخذ الاقتراحات التي كان عرضها رئيس الجمهورية مع الرئيس المكلف طوال 10 لقاءات ظل القسم الاكبر منها بعيداً عن الاعلام.... ولعل معرفة الرئيس الحريري المسبقة بعدم موافقة الرئيس عون على تشكيلته كانت متوقعة لأن الرئيس المكلف اكتفى بأخذ ثلاثة اسماء كان اقترحها الرئيس عون عليه لوزراء مسيحيين، واهمل بقية الاسماء، لا بل سمى هو وزراء لحقائب كان يفترض ان تكون من حصة رئيس الجمهورية.

السيناريو الذي حصل في قصر بعبدا الاسبوع الماضي كان ناقصاً. فالرئيس الحريري الذي اتى الى القصر حاملاً لائحة الوزراء المقترحين مع سيرهم الذاتية كان يأمل ان يتجاوب الرئيس عون معه ويتفقان على موعد صدور مراسيم تشكيل الحكومة الجديدة. الا ان رئيس الجمهورية الذي تمعن بالاسماء والحقائب كانت له ملاحظات اولها عدم توجيه المعايير، وثانيها عدم معرفة ما اذا كانت الكتل المتمثلة في الحكومة هي التي اختارت اسماء وزرائها، ام ان الخيار اتى من الحريري، لاسيما وان الرئيس عون ابلغ ان حزب الله لم يسم مرشحين، وكذلك حزب الطاشناق وتيار "المردة". وفي الاسماء المسيحية كانت للرئيس عون ملاحظات على الاسم وعلى الحقيبة في آن.

واكتمل السيناريو بتسيلم عون الرئيس المكلف طرحاً يراعي المعايير التي رأى الرئيس عون انها ضرورية لضمان نجاح الحكومة في عملها من جهة، ولضمان نيلها الثقة من جهة ثانية خصوصاً ان رؤساء الكتل النيابية لم يقولوا كلمتهم. رد الرئيس الحريري بأنه اعتمد قاعدة الوزراء الاختصاصيين غير الحزبيين وان كان بعض من اقترح من الوزراء "اصدقاء" لاحزاب او على مسافة قريبة عن التشكيلة التي حملها الرئيس الحريري الذي غادر القصر ليعلن انه قدم لرئيس الجمهورية تشكيلته وسيبقى على تشاور معه...

الا ان الذي حصل في اليوم التالي لا يمكن ادراجه في خانة التشاور لأن ردود الفعل السياسية من سياسيين واعلاميين قريبين من الرئيس الحريري ركزت على ان موقف الرئيس عون "فرمل" اندفاعة الحريري في تشكيل الحكومة، ومنهم من ذهب الى القول إنه ليس من حق رئيس الجمهورية ان يسلم الرئيس المكلف طرحاً مخالفاً للتركيبة الحكومية لأن تقديم التشكيلة هو من صلاحية رئيس الحكومة، ولرئيس الجمهورية ان يقبلها او يرفضها لا ان يقدم صيغة بديلة، علماً ان ما قدمه الرئيس عون لم يكن صيغة وزارية، بل توزيعاً جديداً للطوائف على الحقائب تأخذ في الاعتبار قاعدة "المعايير الواحدة" في التشكيل حتى لا تقع الحكومة في مستهل ايامها تحت "رقبة" السياسيين سواء في مرحلة التعاون بين مجلس النواب ومجلس الوزراء لاسيما وان المهمة الاولى للحكومة الجديدة اقرار اصلاحيات تتطلب موافقة مجلس النواب عليها، ناهيك عن التوتر الذي يمكن ان ينشأ بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.

صلاحيات الرئيس

وفي هذا السياق ترد مصادر مطلعة على موقف رئيس الجمهورية بأن كل ما قيل في اعقاب اللقاء بين الرئيسين عون والحريري عن تجاوز رئيس الجمهورية لسلطته الدستورية. كان موقفاً سياسياً فحسب، وليس نتيجة تقييم دستوري وموضوعي، وان العودة بالسجال الى الماضي لا يمكن ان يصح طالما ان الرئيس عون لم يخالف الدستور.

وتضيف هذه المصادر ان ردود الفعل السلبية على موقف الرئيس عون انطلقت من التلطي وراء الكتاب لاطلاق مواقف خلفيتها الازمة السياسية الحادة التي يمر بها لبنان، وان الاصل في الدستور هو في المادة 53 منه التي تعدد صلاحيات رئيس الجمهورية ولاسيما منها البند 4 حيث ورد: "صدر (اي رئيس الجمهورية) بالاتفاق مع الرئيس المكلف مرسوم تشكيل الحكومة (...)، ويشرح احد القانونيين ان عبارة بالاتفاق تعني "ان فعل التشكيل هو مشترك بين المرجعيتين" ويتابع : "هنا، رئيس الجمهورية ليس في وضع ما يعرف قانوناً بالصلاحية المقيدة ( competence liee) بمعنى انه غير ملزم بتوقيع المرسوم حكماً، بل هو في موقع الشريك تماماً كما رئيس الحكومة المكلف. ولا يستطيع اي منهما ان يتفرد في التشكيلة الوزارية لأن هذه الاخيرة تتم بالاتفاق بينهما. ومن زاوية رئيس الجمهورية، فان "اصدار" المرسوم، كما ورد في النص، هو في العلم الدستوري فعل سياسي واجرائي جوهري وليس تدبيراً شكلياً، بل ينم عن خيار ويعبر عن صلاحية دستورية محفوظة لرئيس الدولة من دون ان يعني ذلك اي انتقاص من صلاحيات رئيس الحكومة.

ويرى متابعون انه درجت الممارسة في حكومات ما بعد التعديلات الدستورية عام 1990 على ترجمة هذا النص الدستوري كما سبق. ومن المستغرب فعلاً اثارة الموضوع وكأنه مشكلة دستورية، لأن الدستور واضح وكذلك الممارسة، والارجح ان التأزم السياسي ودخول التشكيل في عنق الزجاجة هما اللذان دفعا الى قراءة المواقف من هذه الزاوية.

 وبصورة ادق: لا يستطيع كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ان يفرض احدهما على الاخر تشكيلة جامدة ولكن يتحتم على كل منهما التشاور مع الآخر للخروج بصيغة واحدة "بالاتفاق".

الادعاء على دياب!

وفيما الجدل القانوني على اشده حول صلاحيات رئيس الجمهورية، ترافقه حملات طاولت الرئيس عون ورئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل الذي حمله المعترضون مسؤولية "فركشة " التركيبة الحكومية الى حد نسفها، حصل تطور غير متوقع تمثل بادعاء قاضي التحقيق العدلي القاضي فادي صوان على رئيس الحكومة حسان دياب والوزراء السابقين النائبين علي حسن خليل وغازي زعيتر والوزير السابق يوسف فنيانوس في جريمة التفجير التي وقعت في مرفأ بيروت في 4  آب ( اغسطس) الماضي، الامر الذي حرك رفضاً واسعاً لدى الطائفة السنية التي اعتبر ممثلوها الروحيين والسياسيين، ان الادعاء هو استهداف للرئاسة الثالثة وما تمثل في البلاد ضمن خطة لاضعافها والنيل منها. وصدرت ردود فعل كثيرة نقلت النقاش السياسي حول تأليف الحكومة الى جدل قوي حول حق القاضي باتهام رئيس الحكومة والادعاء عليه ما احدث شرخاً جديداً في الحياة السياسية اللبنانية لاسيما وان الطائفة السنية بمختلف رموزها دانت تصرف القاضي صوان واخذت بالاتهام الى اماكن اخرى بعيداً عن جريمة المرفأ وتداعياتها. وثمة من رسم علامات استفهام كبيرة حول موقف القاضي صوان لاسيما وان الادعاء استثنى رؤساء حكومات كانوا في موقع المسؤولية خلال وجود كميات "نترات الامونيوم" في مرفأ بيروت، اضافة الى وزراء سابقين للاشغال والنقل، والمالية غير  الثلاثي  خليل-زعيتر- فنيانوس، وبالتالي لم يشملهم الادعاء مع رؤساء الحكومات السابقين.

لقد اخذت هذه المسألة المستجدة طابعاً مذهبياً وطائفياً واخرجت من اطارها القضائي الصرف حتى بات من الصعب معالجتها بموضوعية وواقعية، وانعكست ايضاً على مسار تشكيل الحكومة فزادت من تأخيره وادخلته في نفق مجهول، علماً ان ثمة استحقاق يواجه لبنان وهو زيارة الرئيس الفرنسي "ايمانويل ماكرون" الى بيروت في 22و23 من الشهر الجاري، وهو- اي "ماكرون"- الذي كان يأمل في ان تتشكل الحكومة قريباً وبذل جهداً استثنائياً في سبيل ذلك.

من هنا، ثمة من يقول ان الرئيس الحريري قدم تشكيلة حكومية "ملغومة" كي يرفضها الرئيس عون لانه لا يريد ان تبدأ حكومته بمعالجة مسألة الدعم لجهة رفعه او ترشيده او تعديله على المواد الاساسية نظراً للشح الذي بلغته الاعتمادات المخصصة للدعم في مصرف لبنان. ومنهم من يقول ان الرئيس الحريري ينتظر بدء العهد الجديد في الولايات المتحدة الاميركية بعد تسلم الرئيس الجديد "جو بايدن" مسؤولياته الرئاسية ومغادرة الرئيس الحالي "دونالد ترامب" البيت الابيض، فتكون الامور اكثر راحة مع الادارة الجديدة، عما كانت عليه مع الادارة المغادرة، فلا تفرض واشنطن عليه عقوبات اذا ما تمثل حزب الله في الحكومة ولو من بعيد.

في اي حال، تعددت الاسباب والنتيجة واحدة: لا حكومة جديدة في المدى المنظور، ولا قدرة قضائية على تنفيذ الادعاء على رئيس الحكومة، بل ان الضغط المعنوي سوف يرتفع، والمهم الا يتحول ضغطاً امنياً في الشارع!.