تفاصيل الخبر

هل يضطر مصرف لبنان أن يختار بين ”اليوروبوندز“ و... الدواء والطحين؟

20/12/2019
هل يضطر مصرف لبنان أن يختار بين ”اليوروبوندز“ و... الدواء والطحين؟

هل يضطر مصرف لبنان أن يختار بين ”اليوروبوندز“ و... الدواء والطحين؟

بقلم خالد عوض

 

قرار حزب الله بترك البلد في يد حكومة تصريف الأعمال هو انعكاس لمرحلة انتظار التسوية الأميركية - الإيرانية المحتملة، فمن دون إشارات دولية واضحة لا يريد حزب الله أن يظهر أن هناك تنازلا ما في أي شأن في لبنان، حتى في الشكل، ولذلك فتمسكه الأساس برئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري هو لمعرفته الأكيدة أن الرجل لم يعد لديه أي غطاء سعودي أو أميركي. وهذه أول مرة، على الأقل منذ <اتفاق الطائف>، يكون فيها الممثل السياسي الأول للطائفة السنية من دون هكذا غطاء. ولكن لأول مرة أيضا منذ <اتفاق الدوحة> عام ٢٠٠٨ يبدو حزب الله عاجزا عن التحكم باللعبة السياسية الداخلية وغير قادر على تحديد البوصلة السياسية إجرائيا له ولحلفائه.

 

وداعا ٨ آذار؟

عندما قال أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله في أول تصريح له في بداية الإنتفاضة الثورية أن الحزب لا يؤيد إستقالة الحكومة فلأنه كان يعرف جيدا أن تأليف حكومة جديدة في لبنان لن يحصل إلا في ظروف إتفاق أميركي- إيراني وهو أمر غير متاح حاليا. فأي تنازل للحزب، أو مكسب جديد، في الداخل اللبناني يجب أن يعكس حالة خارجية وليست داخلية. حتى الآن لا يعترف الحزب أن ما يحصل في الشارع أقوى زخما هذه المرة من كل الموازين الخارجية التي يعتمد عليها والتي شارك أيضا في تأسيسها. فالإنتفاضة يمكن أن تكون، حتى الآن، عاجزة عن التغيير السياسي في الداخل ولكن في المقابل لم يعد بإستطاعة الحزب أو الخارج إلغاؤها و<ضبها> رغم كل المحاولات السلطوية والفتنوية والإستخباراتية لذلك. وما حصل من خلال عملية التأليف منذ استقالة الحكومة بيّن بشكل واضح أن ليس بحوزة حزب الله <خريطة طريق> للخروج من الأزمة ولا حتى عنده مطالب معينة. هو في حالة دفاع عن المواقع المكتسبة منذ ٢٠٠٨، بغض النظر عن أهميتها العملية، ولذلك تطفو بوضوح التباينات بينه وبين حلفائه. فهؤلاء خسروا الكثير من شعبيتهم وهم يحاولون الدفاع عما تبقى لهم منها أو إستعادة ما يمكن استعادته. أما الحزب فيدافع فقط عن مكاسب سياسية لأن شعبيته لم تتأثر كثيرا بكل ما يحصل، في وقت يدافع حلفاؤه عن قاعدتهم الشعبية إذ لم تعد أولويتهم المكاسب السياسية، في وقت أصبح من الصعب عليهم ضبط قاعدتهم الشعبية. هذا الإختلاف في التموضع يفرغ كل التحالفات الداخلية السابقة من مضمونها. وكما انتهت ١٤ آذار بسبب الإختلافات الداخلية في التكتيك السياسي رغم التوافق على الإستراتيجية، فإن ٨ آذار تلفظ انفاسها اليوم للأسباب الداخلية نفسها.

 

هل يلعب الرئيس بري <جوكر> الإصلاح لإنقاذ <الطائف>؟

وفي إطار محاولة إستعادة الشعبية هناك ورشة تشريعية كبيرة قائمة على قدم وساق يشرف عليها رئيس المجلس النيابي تتعلق بإنشاء مجلس الشيوخ وإحياء هيئة إلغاء الطائفية السياسية وتطوير قانون إنتخابي جامع على أساس النسبية. ويبدو أن رئيس المجلس ينوي القيام قريبا بصدمة إيجابية تغييرية يفاجئ فيها الطاقم السياسي كله ويضعهم تحت الإمتحان الكبير، ويحاول أيضا من خلالها مصالحة الشارع المنتفض. المشكلة أن صفاء النيات من قبل السلطة لم يعد يكفي اليوم لأن الثقة مفقودة بالأشخاص حتى قبل أن يصل الناس إلى المضمون. هذا لا ينتقص من المحتوى المهم للقوانين التي يحضرها الرئيس بري والتي هي أساسا في صلب نص <اتفاق الطائف> وظلت بعيدة عن التطبيق لأسباب كثيرة... ولكن مشكلة الثقة المعدومة مع كل مكونات السلطة لن تساعد رئيس المجلس النيابي في الظهور بصورة المصلح.

الحل قبل آذار؟

كل المعطيات السياسية تؤكد أن الحل في لبنان ليس في المدى المنظور. الكباش الدولي في أشده ولا يبدو من التصاريح الإيرانية والأميركية على حد سواء أن هناك فجوة في الجدار بينهما. زيارة الرئيس روحاني إلى اليابان وهي الأولى لرئيس إيراني منذ العام ٢٠٠٠ لم تغب عنها العلاقة مع الولايات المتحدة وما يمكن أن تقوم به وساطة رئيس الحكومة اليابانية <شينزو آبي>. إيران وافقت على الدخول في مفاوضات مباشرة مع الأميركيين بشرط أن تعلن الولايات المتحدة عن رفعها للعقوبات وهذا غير مطروح اميركياً. ما يقبل به الرئيس الأميركي حاليا هو لقاء من دون شروط مع الرئيس الإيراني في أي دولة محايدة مثل سويسرا، يعلن بعده عن إستعداد الولايات المتحدة للعودة للمفاوضات مع إيران على أسس جديدة. إيران تعتبر ذلك فخا أميركيا لأنه يمكن أن يقلب عليها مجددا الشارع الذي لم يهدأ أساسا. بإختصار لا حل في الأفق القريب وهذا يعني أن الأزمة في لبنان <مكانك راوح>. ولكن المعطيات المالية عند الأميركيين والأوروبيين تشير إلى أن الإنفجار الإجتماعي الكبير في لبنان يمكن أن يحصل قبيل آذار المقبل وخاصة مع استحقاق أول دفعة من سندات <اليوروبوندز>، فمن المتوقع أن يتعرض حينها حاكم مصرف لبنان الدكتور رياض سلامة لضغط شعبي كبير لحثه على تأخير السداد للدائنين وتفضيل تأمين الإعتمادات للدواء والطحين وليس لأصحاب السندات. مع إنه قادر على تلبية الإثنين مرحليا يتحسب الحاكم لأزمة مالية قد تطول جدا، فهو من جهة يعرف أن تخلف لبنان لأي سبب سيؤدي إلى كارثة مالية لن يخرج البلد منها لسنوات طويلة وستكون لها انعكاسات خارجية وداخلية لا تحمد عقباها، كما يحاول في الوقت نفسه <تقطير> الإعتمادات حتى يصمد البلد لأطول فترة ممكنة.

أمام لبنان وسلطته وإنتفاضته اسابيع قليلة ليحسموا الحالة العقيمة في البلد. فانتظار الحل من الخارج كما في كل مرة هو ورقة نعوة للبنان ١٩٢٠ و١٩٤٣.