تفاصيل الخبر

هل يبعد لقاح "كورونا" الحرب أم يقربها؟

12/11/2020
هل يبعد لقاح "كورونا" الحرب أم يقربها؟

هل يبعد لقاح "كورونا" الحرب أم يقربها؟

بقلم خالد عوض  

[caption id="attachment_83017" align="alignleft" width="376"] الرئيس الأميركي المنتخب "جو بايدن": البيت الأبيض والجو الأسود[/caption]

عندما قرر العالم التركي "أوغور ساهين" الزواج من مواطنته الباحثة "اوزليم توريسي"، لم يكن يعرف أن شركة "بايونتيك" (BioNTech) التي أسساها معاً في مدينة "ماينز" الألمانية عام ٢٠٠٨ ستتخطى قيمتها السوقية ٢٥ مليار دولار بعد ١٢ سنة. الزوجان كرسا حياتهما للأبحاث حتى إنهما أمضيا أول يوم لهما بعد الزواج في المختبر. كما أنهما حققا انجازات كبيرة في علم المناعة ونجحا في تطوير أدوية وعقاقير مختلفة وخاصة في مجال محاربة السرطان عن طريق تقوية الجهاز المناعي ومن دون علاج كيميائي أو إشعاعي، ولكن شراكتهما مع شركة "بفايزر" الأميركية منذ ثمانية شهور وتمكنهما معها من تطوير لقاح ناجع جداً ضد فيروس "كوفيد ١٩" جعلتهما بطلين إنسانيين على مستوى العالم. لن يكون لقاح "Pfizer-BioNtech" الوحيد في الأسواق فشركات عديدة أخرى أصبحت في آخر مراحل التجارب وهي على وشك إطلاق نسختها من اللقاح. ولكن وصوله أولاً في سباق اللقاحات وإمكانية توفر أكثر من مليار وثلاثمئة مليون منه قبل نهاية عام ٢٠٢١ سيغير بسرعة إستراتيجية تعاطي العالم مع الوباء، من سياسة الإختباء منه إلى ملاحقته ومحاصرته.

لا إغلاقات بعد الآن أو بعد...سنة؟

[caption id="attachment_83018" align="alignleft" width="383"] العالم الألماني التركي الأصل "أوغور ساهين" وزوجته "أوزليم توريسي": قاهرا "الكوفيد 19".[/caption]

لا شك أن الإعلان عن نجاح اللقاح بنسبة ٩٠ بالمئة وبآثار جانبية خفيفة وغير مقلقة حسب التجارب الأولية، كان مفاجأة إيجابية جداً تلقفتها الأسواق المالية حول العالم بالإرتفاع القياسي. فأكثر المتفائلين في المجتمع الطبي لم يكونوا يتوقعون فعالية تزيد عن ٦٠ بالمئة.  اللقاح يفتح الآفاق الإقتصادية من جديد ويطمئن البشرية أن كابوس "كورونا" أوشك على الإنتهاء. ولكن اللقاح لن يتوفر بالكميات المطلوبة عالمياً قبل حوالي سنة من اليوم ،ولذلك ستضطر معظم الدول خلال الفترة التي تفصلنا عن توفر اللقاح بالكميات الكافية أن تستمر في إتباع الإجراءات الوقائية بما فيها الحجر والإغلاق عندما تستدعي الظروف الصحية ذلك. هذا يعني أن تداعيات الإغلاقات المتكررة السابقة والحالية وربما اللاحقة ستظل تلقي بظلها على اقتصادات العالم حتى منتصف ٢٠٢١ على الأقل كما أن حجم الديون التي تكبدتها الحكومات لدعم مجتمعاتها سيستمر بالإنتفاخ ولن يختفي مع إنتشار اللقاح. 

الولايات الأميركية.. غير المتحدة

لا يحسد الرئيس الأميركي المنتخب "جو بايدن" على التركة المالية الثقيلة التي خلفتها الجائحة. فقد زاد دين الولايات المتحدة العام أكثر من ٤ آلاف مليار دولار عام ٢٠٢٠ بزيادة حوالي ٢٠ بالمئة. كما تخطى عجز الموازنة ٣ آلاف مليار دولار أي حوالي ١٥ بالمئة من الناتج المحلي وهذه أكبر نسبة عجز منذ عام ١٩٤٥. وإذا قرر "بايدن" الوفاء بوعوده الإنتخابية في الإنفاق فمن المتوقع أن يتخطى الدين العام الأميركي عام ٢٠٢١ ما قيمته ٣٠ ألف مليار دولار مما سيزيد الضغوط على العملة الخضراء، كما يمكن أن يخفف الإقبال على شراء سندات الخزينة الأميركية. ولكن الأزمة الحقيقية في الولايات المتحدة والتي يزيد في تعميقها الرئيس "دونالد ترامب" هي الإنقسام الحاد داخل المجتمع ليس فقط بين "ترامب" و"بايدن" بل بين خيارات إجتماعية وثقافية وإقتصادية متناقضة وحتى بين القيم الأخلاقية.  هذا الإنقسام الذي يعززه رفض "ترامب" الإقرار بالهزيمة وإصراره على تجييش المحامين لقلب النتائج وإعادة عد الأصوات والتشكيك في معظم التصويت البريدي ومنع إنتقال سلس للسلطة. 

"ترامب" واللقاح و...الحرب 

[caption id="attachment_83019" align="alignleft" width="375"] هل ينسف الرئيس المنتهية ولايته "دونالد ترامب" خلال شهرين أربع سنوات من ولاية "بايدن"؟[/caption]

حالة التوتر التي يعاني منها الرئيس الأميركي الحالي وصلت به إلى إقالة وزير الدفاع "مارك إسبر" ومسؤولين آخرين في البنتاغون ودوائر أخرى وتعيين بدلاء لهم من المحسوبين عليه في خطوات تهدد إستقرار المؤسسات الأميركية. ومن المتوقع أن يستمر تخبط "ترامب" خاصة في حالة تيقنه من استحالة قلب النتيجة ولذلك ليس من المستبعد، كما توقع أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله مؤخراً، أن يعطي الضوء الأخضر لإسرائيل للقيام بمغامرات عسكرية في سوريا ولبنان وحتى في إيران. كذلك تركيا وروسيا وحتى الصين يمكنها إستغلال الفوضى الأميركية لتحقيق مكاسب على الأرض. ولن تمانع إدارة "بايدن" كثيراً في أن تحسب هذه الحروب على "ترامب" خاصة إذا كانت ستحسن الموقع التفاوضي للولايات المتحدة مع كل هذه الدول.

إلى جانب التخبط "الترامبي" تفرض الأوضاع الإقتصادية والمالية لبعض الدول أن تحاول التمدد عسكرياً لتوسيع نفوذها. فمن جهة ستحاول إستمالة الإدارة الأميركية الجديدة واختبار طريقة عملها ومن جهة أخرى ستسعى للهروب من مشاكلها الداخلية وتحويل غضب سكانها من تأفف إجتماعي إلى وعي وطني. ومع توفر اللقاح أصبح ممكنا إتاحته للجيوش وتوسيع هامش التحرك العسكري لديها بعدما قلصه إلى حد كبير إنتشار الوباء في الفترة الماضية.