تفاصيل الخبر

هـل يعيــد مـقـتــل الحجيــري إحيـاء ”عــادة الثــأر“ الجاهليــة الى المجتمــع اللبنانـي فـي ظـل ضعـف السلطــة الامنيـة؟!  

03/06/2016
هـل يعيــد مـقـتــل الحجيــري إحيـاء ”عــادة الثــأر“ الجاهليــة  الى المجتمــع اللبنانـي فـي ظـل ضعـف السلطــة الامنيـة؟!   

هـل يعيــد مـقـتــل الحجيــري إحيـاء ”عــادة الثــأر“ الجاهليــة الى المجتمــع اللبنانـي فـي ظـل ضعـف السلطــة الامنيـة؟!  

بقلم صبحي منذر ياغي

350-anbar_oov_mahmood--3

سلطت قضية مقتل حسين الحجيري (ابن شقيق مصطفى الحجيري الملقب بـ<ابو طاقية>) الضوء على موضوع عادة الثأر لدى العشائر في ظل غياب الدولة والامن، وقد جاء مقتل الحجيري على خلفية الثأر لمقتل الجندي الشهيد محمد حمية الذي كان مخطوفاً لدى <جبهة النصرة> بعدما تبنى والده معروف حمية، قتل حسين الحجيري، لافتاً الى انه <وفى بوعده، ومن يقتل <ابو طاقية> يخلص الشعب اللبناني من جرثومة ارهاب>.

أثارت حادثة مقتل الحجيري الخوف والرعب من عودة تفشي هذه العادة المقيتة في منطقة بعلبك وهي موجودة بالأساس، الا أنها اضمحلت الى حد ما في ظل لجوء شيوخ الصلح ولجان المصالحة الى حل النزاعات والخلافات بالطرق السلمية والأعراف المتبعة ودفع الديات لأهل القتيل مقابل عدم اقامة القاتل في منطقته، وهكذا حصل زمن الرئيس فؤاد شهاب.

وقد أثار مقتل الحجيري ردود فعل واستنكاراً لدى العديد من رجال الدين والشخصيات والفاعليات البقاعية واللبنانية، كون القتيل لا علاقة له لا من قريب ولا من بعيد بمقتل الجندي الشهيد محمد حمية.

 

ردّ <أبو طاقية>

واكد الشيخ مصطفى الحجيري (ابو طاقية) المتهم بانه امير <جبهة النصرة> في البقاع والمسؤول عن تسليم الجنود اللبنانيين المخطوفين الى <داعش> و<النصرة>: <ان آل حمية أرسلوا في السابق رسالة تهديد الى ابني، كما قُتل اخي علي في الهرمل وهو في طريق عودته من طرابلس بالسلاح والحاشية نفسهما حيث أنزل من سيارته وقتل على الطريق من دون مبرر>. واستغرب <ابو طاقية> أنه منذ <أن قتل حمية ووالده يهدد ويعلن أنه يريد الثأر، من دون ان يحرك أحد ساكناً أو يوجه اليه استفساراً او اي سؤال، فهل وصلنا الى مرحلة بات البلد فيها عصابة معروف من يتزعمها ومن يغطي السلاح ومن يمارس الاجرام، ومن لا يتورع عن قتل آلاف الاطفال والشيوخ في المدن، لن يتورع عن قتل شاب ذنبه الوحيد انه قريب لي>.

وعما اذا كان <أبو طاقية> يتخوف من عملية ثأرية من آل الحجيري رداً على مقتل حسين، قال: <نطالب القوى الأمنية بالقيام بدورها في حال وجدت الدولة، أما اذا لم يكن هناك دولة فللأسف نصبح في غابة يقتل القوي فيها الضعيف من دون حسيب أو رقيب>.

أوساط بقاعية اعتبرت انه لو عمدت الدولة اللبنانية الى الاقتصاص من قاتل الشهيد محمد حمية لما لجأ والده الى <الثأر>، والشيخ <ابو طاقية> هو الذي سلم اسرى الجيش للعصابات التكفيرية. فالدولة هي التي تقوم عادة بتحصيل حق المواطن والنيل من المجرمين، وضعف السلطات الامنية المحلية هو الذي يدفع بالمواطنين الى قيامهم بتحصيل حقوقهم بانفسهم، وهذه الحالة من اخطر ما يواجهه المجتمع الذي تسود فيه شريعة الغاب.

الثأر عادة جاهلية

حسين-الحجيري---27-ِ--ِ---6 

الثأر عادة توارثها العرب من أيام الجاهلية منذ أن كان العرب يعتقدون أن طائراً يسمى <الهامة> يخرج من رأس القتيل ويصيح: <اسقوني اسقوني..>، فيثأرون من القاتل ويسقون طائر <الهامة> من دمائه.

وبرأي احد الباحثين انه عندما نتكلم عن الثأر فنحن نتحدث عن مشكلة ذات جذور عميقة، فمعنى الثأر هو الانتقام وردة الفعل المعاكسة، أو الأخذ بالحق المسلوب. فعندما يتعرض أي شخص لظلم ما فهو يقول: <لا بد أن آخذ بثأري أو بحقي>، وهذه الظاهرة تزيد وتنقص من مجتمع إلى آخر، ومن فترة زمنية إلى أخرى بحسب العوامل المؤثرة في ذلك. ومن أهم العوامل المؤدية إلى انتشار ظاهرة الثأر هو الجهل، ومن الجهل أيضاً ردة الفعل والتي غالباً ما تفوق حجم الحق المأخوذ أو المسلوب أو الظلم الواقع ومن الجهل أيضاً الاقتصاص في بعض الأحيان من غير الجاني حيث يقتل غير القاتل. فكل قبيلة تتفاخر وتتباهى بنسبها وحسبها وقوتها وشدتها في ردة الفعل. وهذا ما نجده في معظم أشعار شعراء الجاهلية وحتى شعراء اليوم، وقد قال الشاعر عمرو بن كلثوم في الجاهلية: <ألا لا يجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا>. ونتيجة الجهل يكون الأخذ بالثأر والاقتصاص. ومن العوامل المؤدية لظاهرة الثأر وجود الظلم وضعف العدالة، فكلما ضاعت العدالة في أي مجتمع من المجتمعات كلما تزايدت ظاهرة الثأر، فلو كانت العدالة موجودة لما أقدم الجاني على فعلته، ولما أقدم المنتقم على انتقامه أو على الأخذ بالثأر، ولتُرك الأمر للعدالة بأن تأخذ مجراها وتنصف المظلومين من الظالمين وتقتص من المذنبين، ولكن ضعف الدولة وانتشار الرشوة والتلاعب بقضايا الناس من قبل الحكام والمحاكم، كل ذلك جعل الناس يعتمدون على أنفسهم في أخذ الثأر لأنفسهم، مما ساهم في انتشار ظاهرة الثأر وتفشيها في المجتمع.

ومن العوامل المؤدية إلى انتشار ظاهرة الثأر العصبية العشائرية وعادات وتقاليد المجتمعات ذات التركيبة القبلية، إذ ان هناك قوانين تعتمدها القبائل والعشائر في ما بينها لحل الخلافات والنزاعات، وغالباً ما يكون لهذه القوانين آثار سلبية ينتج عنها تزايد ظاهرة الثأر.

وفي لبنان يسقط ضحايا أبرياء في الغالب بين وقت وآخر و<الأسباب ثأرية>، وهو تعبير يكفي ليفهم الجميع أن المسألة خارج سيطرة العقل والدولة معاً. فعادة الثأر موروثة منذ العصور الجاهلية وتكمن في الغرائز والسلوكيات.

 

<أخد التار منو معيار>

<أخد التار منو معيار>، <ما تخلوا إبنكم يروح رخيص>... وغيرها من العبارات التي تتردد في وسط العشيرة، لحظة سقوط أحد أبنائها برصاص احدهم، فتغلي دماء الثأر في عروق شباب العشيرة، وترمى العباءات والكوفيات والعقالات على <ضريح القتيل> وتعلو الصرخات من أقاربه وأبناء عشيرته معاهدة: <وحياة شرفك مش رح تروح رخيص>...، لا بل في أكثر الاحيان يأتي أهل القتيل، بالقاتل الى ضريح ضحيته، ويعدمونه فوق القبر وسط الزغاريد وإطلاق العيارات النارية ابتهاجاً، كما حصل مع القتيل حسين الحجيري الذي اعدمه قاتلوه فوق ضريح الجندي الشهيد محمد حمية.

هذه العادة المتوارثة عن العهود الجاهلية، وإن تراجعت أو خفتت حدتها، ما زالت متأصلة عند العشائر في مناطق بعلبك ــ الهرمل، وعكار، وزغرتا وبشري... والتي تعتبر في مفاهيمها أن <غسل العار يكون بأخد التار>. وعادة الثأر المتوارثة كرستها ضغوط اجتماعية، تربط اعتبار صاحب الثأر ومكانته وهيبته بإقدامه على أخذ ثأره من القاتل، الذي يسمى وفق المفاهيم العشائرية والعائلية بـ<الغريم>، ومن تخلى عن هذا الدور يصنف في بيئته جباناً متخاذلاً وبعيداً عن الشرف والرجولة. وقد اشتهر نائب بشري الراحل الشيخ قبلان عيسى الخوري بالتوفيق بين العشائر وحمل محمد-حمية---44لقب <شيخ الصلح>.

وغني عن القول إن للسلطات دوراً رئيسياً في الحد من هذا المرض الاجتماعي، لكنها لم تؤده بالشكل المطلوب، إذ تغاضت عن جرائم ولم تنزل أحكاماً عادلة في حق مرتكبيها لأسباب وظروف شتى. في المقابل اندفعت العشائر في تفعيل قوانينها وأحكامها.

والثأر وفق منطق العشائر تكريس للقوة والحضور المشرف، فعندما يسقط قتيل من أبنائها تتداعى العشيرة الى منزل شيخها <للبحث في السبل للثأر من القاتل، ويتم الاتفاق على تحديد الشخص الذي سيكلف بمهمة <الثأر>، في الوقت الذي تنتظر عشيرة القتيل أن تبادر العشيرة التي ينتمي اليها القاتل إلى تسليمه لها أو محاكمته وفق المنطق العشائري، <لأن أبناء العشيرة في لبنان لا اقتناع لديهم بالقضاء، فهو لا يقتص من المجرم كما يجب>. ومن المعيب لدى العشائر الثأر من المرأة أو الطفل أو المسن، ومن عاداتها ايضا اللجوء الى الصلح في هذه الحالات بعد دفع الديات.

ويعتبر الدكتور عثمان دلول أن الدولة لم تتمكن من أداء واجبها دوماً في بعلبك بالاقتصاص من القتلة، لا بل إنها قصرت أحياناً في القيام بهذا الواجب الأساسي، وكانت النتيجة إبقاء واجب الاقتصاص من القاتل على مسؤولية ذوي القتيل.

الثائر المتخفي بلباس محام

وقد شهدت منطقة بعلبك ــ الهرمل حالات <ثأرية> كثيرة، منها ما رواه محمود. ي. لـ<الأفكار> عن الطريقة التي ثأر فيها لمقتل والده من خلال قتل <غريمه> عباس. ط. داخل قاعة محكمة جنايات زحلة عام 1974 حيث عمد محمود الى التنكر بزي محامٍ بعدما اشترى ثوب محاماة من محلات طانيوس خويري في بيروت، وصبغ شعره، واعتمر قبعة، ووضع نظارة سوداء، ودخل بكل وقار إلى قاعة المحكمة، وتوجه نحو قفص الاتهام حاملاً حقيبة جلدية، ليطلق رصاصتين على قاتل أبيه كانتا كافيتين لقتله، ثم سارع الى وضع مسدسه على طاولة أمامه رافعاً يديه حتى لا يتعرض لإطلاق نار من عناصر الأمن الذين كانوا مع هيئة المحكمة وعدد من المواطنين ممن يتابعون المحاكمة في حالة ذهول وذعر مستغربين ومتسائلين: <من هو هذا المحامي الذي أطلق النار؟!>.

<... قتلته كي لا أقتل غيره وأظلمه>، قررت قتل القاتل نفسه، وسلمت نفسي للعدالة. فالقاتل كان من محازبي منظمة <الصاعقة> العسكرية الفلسطينية. وكنت أعلم أنه سيحاكم ويسجن سنتين أو ثلاث، يطلقونه بعدها أو يدبرون عملية ما تمكنه من الفرار من السجن. فطوال الأشهر العشرة التي تلت قتل والدي، عشت حياة الهوان والمذلة بين أهلي وفي المجتمع البعلبكي، مطارداً باللوم والضغوط التي تنهال علي من الناس حيث كان كل شخص يراني منهم، يقول لي لائماً محرضا: <يالله شو ناطر؟!>، أي اقتل أحداً واغسل عارك وتخلص منه. لقد كانت حياتي في الأشهر العشرة تلك جحيماً خالصاً>.

كذلك تحدث حسن.ن. < كيف قضى الليالي متربصاً لـ محمد. س. قاتل شقيقه، والذي كان <طافشاً في الجرود>: <كنت أنتظره كل ليلة عند معبر جردي قيل لي إنه يقصده دائما وهو مسلح، ومعه كلب بوليسي شرس، حتى فوجئت ذات ليلة مقمرة بـ<غريمي> مع كلبه قرب جدول ماء في وادٍ يعرف بـ<وادي الارانب>، صرخت به: <يا محمد لا تقل إني غدرتك...>، وأطلقت رصاصاتي نحوه، فقتل فوراً وقتلت كلبه الذي حاول مهاجمتي، وأتيت بسلاحه حتى يراه أبناء عشيرتي دلالة على أداء مهمتي>.

مجلس-عشائري---5

الثأر من رجال السلطة

والثأر في مجتمعنا اللبناني تمادى حتى صار أبناء العشيرة أو العائلة ينتقمون من رجال الأمن والسلطة في حال كان مقتل أحد أبناء العشيرة على أيدي هؤلاء، وحصلت حالات عدة في هذا المجال، منها إقدام شباب من آل جعفر على إطلاق النار على الملازم الأول في قوى الأمن عزمي الأيوبي، على طريق القلمون في أيلول (سبتمبر) 1980، وقتله انتقاماً لمقتل أحد انسبائهم على يد عناصر دورية من قوى الامن في مدينة بعلبك كان على رأسها الضابط الأيوبي، وفي أيار 2009، أقدم أشخاص من آل جعفر على نصب مكمن لضابط في الجيش على طريق رياق في البقاع، وإطلاق النار عليه لاتهامه بقتل أحد أبنائهم على حاجز للجيش في حي الشراونة، وأصيب الضابط بجروح بالغة، فيما استشهد عدد من العسكريين الذين كانوا برفقته...

وإذا كانت العشائر قد اتصفت بعادات الكــــرم وحب الضيف وإغاثــــة الملهــــوف ونصـــــرة المظلــــــوم، فإن عــــــادة الثــــــأر تبقـــــى مــــن أسوأ العادات التي تترسخ في مفاهيمها.