مع صدور هذا العدد من <الأفكار>، يفترض أن تكون قضية التعيينات الأمنية قد سلكت طريقاً يؤدي الى تأجيل <المواجهة> بين رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون من جهة والحكومة من جهة أخرى، لاسيما وان موعد الخامس من حزيران/ يونيو الجاري هو تاريخ إحالة المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء إبراهيم بصبوص الى التقاعد، لبلوغه السن القانونية. وقد شهدت الأيام التي سبقت هذا التاريخ تصعيداً لافتاً من العماد عون بعدما تأكد فصل ملف التعيينات الامنية عن ملف بلدة عرسال وجرودها، وصارت لمسألة بتّ ملف التعيينات الأولوية في المعالجة. وعلى الرغم من ان الأيام التي سبقت تاريخ الاستحقاق شهدت مشاورات على نطاق واسع قادها رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط لـ<إقناع> معارضي مطلب العماد عون تعيين العميد شامل روكز قائداً للجيش خلفاً للعماد جان قهوجي بهدف نزع فتيل تفجير المشهد الحكومي - أو تعطيله على الأقل - فإن المعطيات التي توافرت رجحت إبقاء مسألة تعيين قائد الجيش معلقة ريثما يحين موعد انتهاء فترة تأجيل تسريح العماد قهوجي يوم 23 أيلول/ سبتمبر المقبل، على ان يحمل الحل المقترح لموقع المدير العام لقوى الأمن الداخلي عوامل التأجيل في حد ذاته، خصوصاً بعدما تيقن فريق تيار <المستقبل> ان حزب الله <متضامن> مع حليفه العماد عون حفاظاً على التحالف القائم بين الجانبين الذي يشمل جوانب عدة ليس أقلها أهمية الموقف العوني من التطورات الإقليمية التي دخل حزب الله طرفاً مباشراً فيها.
من بيروت والرابية... الى الرياض
وفي الوقت الذي انتقل فيه <همّ> التعيينات الأمنية الى الرياض حيث أمضى الرئيس تمام سلام يومين في زيارة رسمية للمملكة العربية السعودية هي الأولى لمسؤول لبناني منذ تولي الملك سلمان بن عبد العزيز العرش، وهو كان ايضاً موضع نقاش بين الرئيس سلام والرئيس سعد الحريري في السعودية، بدا ان مشاورات الربع ساعة الأخير ركّزت على الفصل بين تعيينات قوى الأمن الداخلي والجيش، على أساس ان يصار الى إلغاء مذكرة المدير العام الأسبق لقوى الأمن اللواء أشرف ريفي التي تقضي بتسليم مهام المديرية العامة لقوى الأمن بالوكالة الى الضابط الأعلى رتبة من بين قادة الوحدات، ما سيؤدي حكماً للعودة الى تنظيم قوى الأمن الداخلي الذي ينص على ان أي موقع يحصل فيه شغور لأي سبب كان، فإن الامرة تؤول الى الضابط الأعلى في المديرية. وفي هذه الحالة، يتسلم العميد اميل كيوان المديرية العامة لقوى الأمن بالوكالة، كونه الضابط الأعلى رتبة، في انتظار تعيين مدير عام جديد لهذه القوى.
وتقول مصادر متابعة لهذا الملف ان تسلّم العميد كيوان قيادة قوى الأمن بالوكالة يحَقق النتائح الآتية:
أولاً: نزع الفتيل من لغم تعيينات قوى الأمن الذي كان سينفجر حكومياً في ما لو تم التمديد للواء بصبوص، لأن العماد عون أكد على تهديداته في هذا الاتجاه من خلال سلسلة لقاءات شعبية <عفوية> شهدتها دارته في الرابية.
ثانياً: تتمدد تلقائياً الفرصة أمام العاملين على إيجاد حل لأزمة قيادة الجيش التي سيفتح ملفها قبل شهر آب/ أغسطس المقبل موعد انتهاء فترة تأجيل تسريح رئيس الاركان في الجيش اللواء وليد سلمان لأن أي حل لوضع اللواء سلمان سينسحب على وضع قائد الجيش الذي تنتهي فترة تأجيل تسريحه يوم 23 أيلول/ سبتمبر المقبل، ما يعني انه إذا تم الاتفاق على تعيين العميد روكز قائداً للجيش، فلا بد ان يشمل تعيين رئيس جديد للأركان، وإذا تعذر الاتفاق، فيصار في حينه الى اعتماد الحل البديل للعماد قهوجي واللواء سلمان معاً. ويمكن إذ ذاك ان يكون الحل من ضمن سلة متكاملة تشمل قيادة الجيش ورئاسة الأركان فيها والمديرية العامة لقوى الأمن الداخلي.
ثالثاً: في حال تعذر الاتفاق على الحل البديل، يبقى قرار تمديد تأجيل تسريح قهوجي وسلمان لفترة إضافية خياراً ممكناً، لأنه من غير الوارد إبقاء الجيش من دون قائد مهما كانت الظروف وتحت أي مبرر.
رابعاً: يعطي الحل المقترح العماد عون <نصف انتصار> يتمثل بعدم التمديد للواء بصبوص، ويوفّر مهلة إضافية لمعالجة وضع قيادة الجيش ورئاسة الأركان، لأنه من غير الوارد لدى الرئيس سلام وعدد كبير من الوزراء إفراغ الجيش من قيادته من دون تأمين البديل، خصوصاً في هذا الظرف الحساس الذي تمر به الأوضاع الأمنية في لبنان.
خيار التمديد لبصبوص لم يستبعد نهائياً
وفيما تؤكد المصادر المتابعة ان الحل الخاص بوضع المدير العام لقوى الأمن الداخلي لن يبصر النور إلا عشية انتهاء ولايته، تؤكد ان إحلال العميد كيوان مكان اللواء بصبوص يبقى احتمالاً قوياً، وإن لم يكن نهائياً وثابتاً في انتظار بلورة الصورة بعد عودة الرئيس سلام من السعودية والتشاور في هذه المسألة مع قادة المملكة والرئيس الحريري الذي وجّه رسالة الى العماد عون دعاه فيها الى إعطاء <فرصة> إضافية أمام المساعي المبذولة من أجل إيجاد حل متكامل وشامل لاستحقاقي قوى الأمن والجيش معاً، وإن لم يحصل ذلك بتوقيت واحد. إلا ان <قوة> احتمال تسليم العميد كيوان امرة قوى الأمن بالوكالة لا يعني ان خيار تأجيل تسريح اللواء بصبوص سقط نهائياً، لأنه يبقى البديل الوحيد أمام وزير الداخلية إذا تعذر السير بالحلول المقترحة أو إذا برزت معارضة من هنا أو من هناك للحل المتكامل، لاسيما وان حلفاء العماد عون يتحدثون عن عدم تجاوبهم مع فكرة إبقاء المواقع الأمنية القيادية شاغرة إذا لم يتوافر الاتفاق السياسي على الحلول المقترحة ضمن تسوية متوازنة لا مجتزأة.
وتعتقد المصادر المتابعة ان عملية تسليم الوحدات في قوى الأمن الى الضابط الأعلى رتبة فيها لتسييرها بالوكالة بعد تقاعد قادتها الأصيلين، وعدم اعتراض الموارنة على تولي شيعي امرة الدرك بعد تقاعد العميد الياس سعادة، وتولي سني المفتشية العامة بالوكالة، خلفاً لضابط مسيحي كان يرئسها قبل تقاعده، شجعت على اعتماد الخيار نفسه بالنسبة الى المديرية العامة لقوى الامن الداخلي التي ستؤول الى ماروني بالوكالة، كما حصل بعد تقاعد اللواء ريفي حيث آلت الامرة الى العميد الكاثوليكي روجيه سالم الى حين تقاعده، فتسلم الراية اللواء بصبوص كونه الأعلى رتبة بين قادة الوحدات الى حين تعيينه مديراً عاماً لقوى الأمن بالأصالة.
عون يحرّك الشارع
ولعلّ من استمع الى العماد عون خلال الأسبوع يخطب بالوفود الشعبية التي أمت دارته في الرابية، أيقن ان لا عودة الى الوراء عند <الجنرال> في طروحاته الأخيرة التي تجاوزت مسألة هذا الشخص أو ذاك لموقع أمني أو غير أمني، الى اعتبار ما يحصل <قضية وجود> للمسيحيين واعترافاً بدورهم في إدارة شؤون البلاد من خلال <شراكة وطنية> مضمونة وضامنة في آنٍ واحد، بحيث لا تفرض عليهم أي خيارات خارجية لا رأي لهم فيها أو موقف. وأتت دعوة عون مناصريه للاستعداد للنزول الى الشارع، إذا ما اقتضت الحاجة، لتزيد الأمور احتقاناً، في وقت يرى متابعون ان مقولة <اشتدي أزمة تنفرجي> تصلح اليوم أكثر من أي وقت مضى. فأي من الخيارات سيبصر النور؟ سؤال ليس من السهل الإجابة عنه في الوقت الراهن على الأقل، إلا أن الاحتمالات كافة تبقى واردة ومنها تعطيل العمل الحكومي حتى الاتفاق على حل يرضي الرابية ولا <يغضب> <بيت الوسط>... والرياض!