تفاصيل الخبر

هل تطلق دماء شهداء برج البراجنة نقاشاً سياسياً يحقق ”تسوية شاملة“ دعا إليها نصر الله واعتبرها الحريري ”ايجابية“؟

20/11/2015
هل تطلق دماء شهداء برج البراجنة نقاشاً سياسياً  يحقق ”تسوية شاملة“ دعا إليها نصر الله واعتبرها الحريري ”ايجابية“؟

هل تطلق دماء شهداء برج البراجنة نقاشاً سياسياً يحقق ”تسوية شاملة“ دعا إليها نصر الله واعتبرها الحريري ”ايجابية“؟

 

انفجار-الضاحية-الجنوبية-شارع-الحسينية-برج-البراجنة-عين-السكّة-لبنان-بيروت-اخبار-jpgالمخاوف التي أشارت إليها <الأفكار> في عددها السابق عن وجود مخططات <انتقامية> ينوي تنظيم <داعش> تنفيذها في لبنان رداً على تراجعه العسكري الميداني المتسارع في سوريا بعد التدخل الروسي المباشر في الحرب هناك، تحولت الى حقيقة قاسية بعد النكبة التي حلت بأحد أحياء برج البراجنة عند الضاحية الجنوبية من بيروت نتيجة تفجير ارهابي مزدوج وقع في وقت الذروة في شارع الحسينية الذي يكتظ عادة بالمواطنين لاسيما لحظة خروجهم من الصلاة. وقد نفذ المجزرة المزدوجة التي أوقعت أكثر من 43 شهيداً ونحو 200 جريح، انتحاريان من تنظيم <داعش> تسللا الى سوق الحسينية في منطقة عين السكة وفجرا أحزمة ناسفة كانا يلفان بها جسديهما وذلك بفارق زمني لم يتجاوز الخمس دقائق بهدف ايقاع أكبر عدد ممكن من الشهداء والجرحى لاسيما وان المكان المستهدف هو شارع سكني وتجاري فيه حسينية وفرن ومقهى، إضافة الى عدد من المتاجر.

 

هدف الارهابيين مستشفى الرسول الأعظم

 

   وفيما أسفر الانفجاران عن مآس عائلية مؤلمة وعن أضرار مادية جسيمة، فإنهما أحدثا موجة تضامن شعبي عارمة تزامنت مع سلسلة أسئلة طُرحت حول ما إذا هناك عودة متجددة لأعمال التفجير الانتحارية التي ينفذها ارهابيو <داعش> والتنظيمات المماثلة الأخرى، خصوصاً ان القوى الأمنية نجحت خلال الأسابيع الماضية في اعتقال عدد من أعضاء خلايا ارهابية توزعوا في عدد من المناطق اللبنانية، وكان آخرها شاب من طرابلس عُثر معه على حزام ناسف مشابه للأحزمة التي وضعها الانتحاريان في برج البراجنة وهي تحوي مئات الكرات الحديدية.

   وقد أدت التحقيقات التي أجريت في التفجير المزدوج والأدلة التي عُثر عليها في مكان الجريمة الى معرفة هوية الانتحاريين وذلك نتيجة التعاون الذي قام بين الأجهزة الأمنية المختلفة ولاسيما منها فرع المعلومات الذي نال تهنئة وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق وشكر الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الذي خص الفرع بتحية لافتة في معرض إشادته بجهود الأجهزة الأمنية كافة ومنها الأمن العام والجيش في كشف هوية الانتحاريين ما حال دون حصول ردود فعل سلبية ضد الفلسطينيين في مخيم برج البراجنة القريب من مكان التفجير، خصوصاً ان جهات معينة سرّبت أسماء غير صحيحة للانتحاريين، وروّجت مواقع التواصل الاجتماعي عن وجود انتحاري ثالث تبين ان لا وجود له!

   إلا ان المعلومات التي كشف عنها الوزير المشنوق وهو يعلن عن <انجاز> حققه فرع المعلومات بالقبض على أفراد الشبكة ومعاونيهم خلال 28 ساعة من وقوع الجريمة، بيّنت ان هدف الانتحاريين كان الوصول الى مستشفى الرسول الأعظم على طريق المطار وتفجير الأحزمة الناسفة بالموجودين في المستشفى، إلا ان الاجراءات الأمنية المتخذة في المستشفى جعلتهم يبدلون وجهة عمليتهم الاجرامية الى حي الحسينية في برج البراجنة. وحرص المشنوق على القول بأن لا فلسطينيين ضمن أفراد الشبكة وهم 7 سوريين ولبنانيان اثنان أحدهما اعتقل في طرابلس، والثاني تولى تهريب الارهابيين من الأراضي السورية الى البقاع الشمالي ومنطقة الهرمل. ومع استبعاد أي دور للفلسطينيين في الجريمة اتضح ان الانتحاريين توزعوا على شقة في مخيم برج البراجنة كانوا يلتقون فيها بعد رصد المنطقة المستهدفة، وشقة ثانية في الأشرفية حيث أعدت الأحزمة الناسفة بصناعة محلية. ودلت التحقيقات ــ استناداً الى الوزير المشنوق ــ على ان الارهابيين كانوا ينوون تنفيذ خمس تفجيرات دفعة واحدة، إلا ان ثلاثة من أصل الارهابيين الخمسة لم يصلوا الى مسرح الجريمة واعتقل أحدهم في طرابلس والاثنان الآخران فقدا. ولم يكشف الوزير المشنوق عن أسماء الانتحاريين القتيلين في انتظار مزيد من جمع المعلومات حول هوية أحدهما. وفيما أكد وزير الداخلية جهوزية القوى الأمنية وعملها <على قاعدة وطنية> لا تؤثر فيها الخلافات السياسية، تخوّف من ألا تكون جريمة برج البراجنة الأخيرة داعياً الى التعاون والتنسيق بين الجميع لإفشال أي اعتداء جديد.

مبادرة السيد نصر الله لتسوية شاملة

   وفيما تحقق الانجاز الأمني المميز بكشف هوية الانتحاريين وظروف وصولهما الى برج البراجنة، برزت من خلال ردود الفعل السياسية والشعبية على المجزرة المزدوجة امكانية <الاستثمار الايجابي> كي لا تذهب دماء الشهداء الذين سقطوا هدراً وكي تتوافر من جديد <خيمة> تحصن الداخل اللبناني في وجه المؤامرات التي تتوقع الأجهزة الأمنية أن تتكرر كلما حصلت تطورات أمنية تسجل تراجعاً للقوى الارهابية وتمددها في سوريا والعراق بفعل مشاركة حزب الله في الحرب ضد هذه القوى. وبدا ان التضامن الشعبي الواسع مع أبناء الضاحية في نكبتهم الجديدة والمواقف التي صدرت عن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، يمكن التأسيس عليها وتهيئة الأجواء المناسبة ليكون الحوار الموسع في ساحة النجمة أكثر فعالية، ويحقق الحوار الثنائي في عين التينة بين حزب الله وتيار <المستقبل> نتائج عملية تخرجه من <الروتين> الذي أصابه على مرّ الجولات السابقة، وقد دفع السيد نصر الله، من خلال موقفين متتاليين: الأول قبل وقوع المجزرة في ذكرى <يوم الشهيد>، والثاني بعد وقوعها، الى الأمام ما كان يشير إليه في مختلف الخطب التي يلقيها الى ضرورة إبرام <تسوية شاملة> على كل النقاط العالقة من رئاسة الجمهورية الى القانون الانتخابي العتيد الى الحكومة التي ستشكل بعد انتخاب رئيس الجمهورية، بحيث تشكل السلة الواحدة مدخلاً أساسياً يمكن لبنان من مواجهة الظروف الدقيقة التي تمر بها دول المنطقة وتعود الحياة الى مؤسسات الدولة وتزداد مناعة اللبنانيين لئلا ينزلقوا الى النار التي تحيط بهم في انتظار أن تتوقف الحروب والخلافات المتعددة الوجوه والمواضيع والأسباب... وبدا واضحاً ان السيد نصر الله يحضّ من خلال دعوته الى تسوية شاملة، القيادات السياسية الى عدم المراهنة على تطورات خارجية <تساعد> لبنان في حل أزماته المترابطة <لأن الخارج ما بالو فينا>، وهو سيغرق من جديد في عملية محاربة الارهاب لاسيما بعد الاعتداءات الدموية التي شهدتها باريس الأسبوع الماضي والتي اعتبرها الرئيس الفرنسي <فرانسوا هولاند> <حرباً> مفتوحة لها امتدادات خارجية وداخلية.

الحريري: الأولوية لانتخاب الرئيس

نهاد-المشنوق-1

   وفي الوقت الذي راهنت الأوساط السياسية على ردود فعل ايجابية على دعوة السيد نصر الله، بدا التعليق الأول الذي صدر عن رئيس تيار <المستقبل> الرئيس سعد الحريري خطوة أولى في مسار قد يكون متوسط الطول إذا ما تمت مقاربته بموضوعية ومسؤولية في آن. ذلك ان الرئيس الحريري أعلن انه ينظر بـ<ايجابية> الى كل توجه يلتقي مع ارادة معظم اللبنانيين في ايجاد حل للفراغ الرئاسي، مذكراً بدعواته المتكررة الى خريطة طريق <بدايتها التوافق حول رئاسة الجمهورية>، مشدداً في هذا المجال على ان البت بمصير الرئاسة هو المدخل السليم لتسوية تعيد انتاج السلطة التنفيذية وقانون الانتخاب. لكن الرئيس الحريري لفت الانتباه الى ان <درء الفتنة عن لبنان يحتاج لقرارات مصيرية تجنب البلاد الذهاب الى الحروب المحيطة>، مكرراً ان التضامن مع <أهلنا في برج البراجنة في مواجهة ما تعرضوا له واجب أخلاقي ومسؤولية وطنية> وسط تأكيده على ان وحدة اللبنانيين يجب أن تعلو فوق أي اعتبار وخلاف.

   وأشارت الأوساط نفسها الى ان تعليق الرئيس الحريري لا يعتبر كافياً للتفاؤل بامكانية التجاوب مع مبادرة السيد نصر الله الذي حرص على نفي أي نية من وراء دعوته لعقد <مؤتمر تأسيسي> لأنها تنطلق من الدستور الحالي والنظام واتفاق الطائف والآليات الدستورية المعتمدة، وذلك لأن السيد نصر الله لم يحدد أولويات في المواضيع المطلوب الاتفاق عليها بل تحدث عن تسوية شاملة تطاول رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء بعد انتخاب الرئيس وتشكيل الحكومة المقبلة وعمل المجلس النيابي وقانون الانتخاب الذي هو الخطوة الحقيقية على طريق إعادة تكوين السلطة، في حين ان الرئيس الحريري اعتبر ان انتخاب رئيس الجمهورية لإنهاء الفارغ الرئاسي يشكل البداية والمدخل السليم للتسوية، من دون الإشارة الى المواضيع الأخرى التي أوردها السيد نصر الله في كلمته بل أشار الى <تسوية> تعيد انتاج السلطة التنفيذية وقانون الانتخاب. إلا ان الأوساط السياسية اعتبرت ان ثمة مؤشرات توحي بامكانية العمل على الجمع بين مبادرة السيد نصر الله التي أتت أولوياتها مبعثرة وغير متسلسلة، وبين موقف الرئيس الحريري الذي حدد أولوية انتخاب الرئيس. وفي رأي الأوساط نفسها ان المناخات السياسية التي سادت بعد جلستي مجلس النواب يمكن أن تساهم في تحضير الأجواء المناسبة لفتح نقاش واقعي وعملي من خلال طاولة الحوار الموسع في ساحة النجمة وفي عين التينة، لافتة الى ان الأجواء التي سادت خلال الأسبوع الجاري كانت <مشجعة> لاسيما وان المجزرة التي وقعت في برج البراجنة أعادت الإضاءة على ان خطط الارهابيين لم تتبدل بدليل ان <بنك الأهداف> لا يزال إياه في الضاحية الجنوبية وفي أي مكان آخر يتمكن الارهابيون من الوصول إليه، وذلك وفقاً للافادات التي أدلى بها عدد من الموقوفين من أفراد الخلايا الارهابية الذين وقعوا في قبضة الأجهزة الأمنية المتنوعة. كذلك كانت للمواقف الرافضة لاندلاع الفتنة والمحذّرة منها الصدى المناسب لاسيما ما أعلنه السيد نصر الله من عدم جواز تحميل الطائفة السنية وزر ما حدث في برج البراجنة إذا ما تبين ان الارهابيين ينتميان الى الطائفة السنية، أو إذا كانا من الفلسطينيين أو السوريين، والتركيز فقط على ضرورة مواجهة الارهاب والتنظيمات التي تعمل لنشره وتعميمه. و<السيد> كان أكد في خطاب <يوم الشهيد> ان هناك أناساً ينتظرون 7 أيار جديداً أو شيئاً مشابهاً <وهذا التفكير خطأ لأن 7 أيار كان رد فعل على 5 أيار ودفاعاً عن سلاح المقاومة>.

   في أي حال، ثمة مراجع رسمية وسياسية تعتبر ان مبادرة السيد نصر الله تحظى بدعم داخلي وهي فرصة جديدة لا يجوز تفويتها وإطارها جاهز من خلال لقاءات ساحة النجمة وعين التينة، ولن يكون تيار <المستقبل> في النهاية بعيداً عن القناعة التي تتكون تدريجاً بضرورة الاسراع في الدخول في تسوية جديدة للأزمات اللبنانية العالقة قبل فوات الأوان... خصوصاً ان ثمة من يعتقد بأن الملف السوري سيطغى على كل الاهتمامات بشقيه أي الحل السياسي ومحاربة <داعش> وأخواتها... وما يعزز التوجه الايجابي في التعاطي مع مبادرة السيد نصر الله وردة فعل الرئيس الحريري، ان طريقة التعاطي مع جريمة برج البراجنة، سياسياً وأمنياً، ساهمت في الحد من آثارها على غير مستوى، لاسيما بعد شعور الجميع ان الظرف خطير ولا يحتمل الاجتهادات، ما يجعل <السلة> التي أشار إليها السيد نصر الله قابلة للنقاش حتى في أولوياتها، لاسيما وان الرئيس بري اعتبر ما صدر من مواقف وردود فعل يتقاطع مع مضمون جدول الأعمال على طاولة الحوار الموسع في مجلس النواب، في وقت بدا فيه الرئيس فؤاد السنيورة <متناغماً> مع موقف الرئيس الحريري حين وصف بـ<الجيد> كلام السيد نصر الله <ويشكل خطوة في الاتجاه الصحيح ويعبر عن الرغبة المستجدة في ايجاد تسوية، داعياً الى مناقشة ما قيل وبلورته من خلال الحوار بين الحزب وتيار <المستقبل> المستمر رغم كل شيء... وإذا كان الرئيس السنيورة كرر مقولة ان بداية الحل تنطلق من الاتفاق حول رئاسة الجمهورية <التي تشكل مفتاح الأبواب المقفلة الأخرى>، إلا انه دعا الى <اجراءات بناء ثقة على الأرض حتى لا تبقى الايجابيات نظرية>. أما النائب وليد جنبلاط فبدا حذراً بعض الشيء في مقاربة طرح السيد نصر الله وردود الفعل عليه إذ <تمنى> حصول التسوية بأسرع وقت ممكن، لكنه اعتبر ان الأولوية هي لانتخاب الرئيس <في حين اننا علقنا الآن بقانون الانتخابات>.