تفاصيل الخبر

هل تسرّع مواجهة «المندسين » للحراك الشعبي عملية انتخاب رئيس جمهورية «الأمر الواقع »؟!  

04/09/2015
هل تسرّع مواجهة «المندسين » للحراك الشعبي  عملية انتخاب رئيس جمهورية «الأمر الواقع »؟!   

هل تسرّع مواجهة «المندسين » للحراك الشعبي عملية انتخاب رئيس جمهورية «الأمر الواقع »؟!  

بري-اكسوم لم ينتظر السفير الأميركي في بيروت <ديفيد هيل> النتائج التي يمكن أن يسفر عنها الحراك الشعبي والشبابي الذي شهدته بيروت طوال الأسبوعين الماضيين، وتُوّج بالمسيرة الحاشدة التي جالت شوارع العاصمة عصر السبت 29 آب/ أغسطس الماضي، فاستفاد من زيارة نائب مساعد وزير الدفاع الأميركي لشؤون الشرق الأوسط <أندرو أكسوم> لكبار المسؤولين اللبنانيين، ليطلق مواقف تدعم التحرك الشعبي من خلال إقامة مقارنة بين الدستورين اللبناني والأميركي تقوم على ان هذين الدستورين يضمنان الحق في حرية التعبير والتجمع والاحتجاج السلبي، وليميّز بين حراك هيئات المجتمع الأهلي وبين حصول انتهاكات لهذا الحق <بحيث تكون مساءلة للمنتهكين>.

والذين قرأوا بإمعان تصريح السفير <هيل> المقتضب نسبياً، توقفوا عند إشارته الى <الإحباط> الذي يعاني منه المجتمع المدني اللبناني <إزاء الشلل السياسي الذي أبقى لبنان أسيراً لفترة طويلة جداً>، ووجدوا في تعابير السفير <هيل> ما يؤكد المعلومات التي تداولتها مرجعيات رسمية وسياسية عن أن السفير الأميركي في بيروت <يرعى> تحرك منظمات المجتمع الأهلي وسفارته تدعم نشاطات هذه الهيئات من خلال مؤسسة الدعم الأميركي <US AID> التي تنشط في لبنان تحت عناوين اجتماعية وإنسانية وتربوية. وفي هذا السياق، سجلت مصادر متابعة <تراجع> نسبة زيارات السفير <هيل> للسياسيين في لبنان باستثناء الرسميين منهم وإن بنسبة أقل، في وقت تؤكد هذه المصادر أن أبواب السفارة الأميركية في عوكر ومكاتب المنظمات التابعة لها مفتوحة أمام القيمين على الهيئات الاجتماعية والتواصل معها لم ينقطع يوماً من الشمال الى الجنوب مروراً ببيروت والجبل والبقاع.

 

لا ثقة بالسياسيين!

وفي رأي المصادر نفسها أن الاهتمام بالهيئات الأهلية اللبنانية هو نسخة طبق الأصل لرعاية الولايات المتحدة الأميركية للكثير من الجمعيات الاهلية في عدد من الدول العربية والتي شكلت نواة <الربيع العربي> في عدد من الدول ولاسيما منها مصر وتونس قبل أن يتحول هذا <الربيع> الى <خريف> دامٍ في دول أخرى مثل سوريا والعراق واليمن مع <ولادة> تنظيم <داعش> في ظروف لا تزال غامضة. إلا أن المشهد في لبنان - تضيف المصادر نفسها - يختلف بعض الشيء عن الدول العربية الأخرى، إذ ان كل من يلتقي السفير <هيل> سواء في مكتبه داخل السفارة الأميركية في عوكر، أو خلال المآدب التي تقام تكريماً له لمناسبة قرب مغادرته لبنان، باتوا يسمعون منه عبارات وتعليقات تدل على انعدام ثقة الإدارة الأميركية - أو سفيرها في لبنان على الأقل - بالسياسيين اللبنانيين الذين يتخاصمون على مسائل كثيرة تبدأ من المشاركة في إدارة السلطة وصولاً الى تعيين موظف فئة خامسة في الدولة، ناهيك عن <ممارسات أخرى> يعرفها السفير الاميركي جيداً لأنها تجري بشكل علني ولا خجل ولا وجل.

صحيح أن السفير <هيل> يميّز  بين سياسي وآخر، لكن تراجع منسوب الثقة بهؤلاء السياسيين لم يعد مخفياً لدى السفير <هيل> الذي يتعاطى مع الحراك الشعبي على أساس أنه نواة التغيير في لبنان، بعدما انهارت قدرة <الاستبلشمانت> (المؤسسات) السياسي على التأثير في مسار الأحداث نتيجة التجاذبات السياسية الحادة التي حالت حتى الآن دون انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وأقفلت أبواب مجلس النواب، وعطلت جلسات مجلس الوزراء، ما انعكس شللاً كبيراً في الحياة التنفيذية والتشريعية في البلاد، تركت تداعياتها السلبية على عمل الإدارات الرسمية والمؤسسات العامة التي من المفترض أن تكون في خدمة المواطنين.

وما يسمعه من يلتقي السفير <هيل> هذه الأيام، بات هو أيضاً لسان حال غالبية رؤساء البعثات الديبلوماسية الأجنبية في لبنان الذين رأوا في الحراك الشعبي بداية إخراج لبنان من عنق الزجاجة بعيداً عن تأثير الأحزاب والسياسيين على أساس أن المجتمع الغربي تحكمه إرادة الشارع التي تستجيب لها الحكومات كما حصل مؤخراً في اليونان وقبل ذلك في اسبانيا والبرتغال وفرنسا وغيرها من الدول التي شهدت تحركات شعبية اعتراضية لافتة. وثمة من يورد أمثلة كثيرة عن نتائج اسفرت عنها التحركات الميدانية في الشوارع والساحات ليخلص الى التساؤل: “ولمَ لا في لبنان؟>.

 

هل من قدرة حقيقية على التغيير؟

ونجاح الحراك الشعبي والشبابي خلال الأسبوعين الماضيين، ولاسيما في تظاهرة السبت الماضي، في تحريك ملفات حياتية مثل أزمة النفايات من دون ضمان الوصول الى حلول عملية في المدى المنظور لأسباب مختلفة، لا يعني بالضرورة القدرة على مواجهة الفساد والطبقة السياسية الحاكمة التي أبقت كوادرها خارج الحراك الشعبي والشبابي، ما أفسح في المجال أمام انضمام ناشطين يساريين وأحزاب علمانية وهيئات نقابية طرحت مطالب تختلف عن تلك التي انطلق التحرك من أجلها، مثل دعوات الى <إسقاط النظام> و<محاكمة المسؤولين> واستقالة الحكومة ومجلس النواب وغيرها من الشعارات غير القابلة للتحقيق في المدى القريب، في وقت تبدو فيه الحكومة عاجزة عن التجاوب مع أي من المطالب التي رُفعت في أعقاب تظاهرة السبت لاستحالة تنفيذ بعضها (مثل استقالة الحكومة في ظل الفراغ الرئاسي) وإجراء انتخابات نيابية (لأسباب معروفة) أو تعديل الدستور لتغيير طابع لبنان ونظامه الديموقراطي. إلا أن ذلك لا يلغي أن مسيرات الأسبوعين الماضيين عبّرت بشكل أو بآخر عن وجع الناس وسخطهم على المسؤولين والمحاصصة الطائفية التي لم تنجح في انتشال اللبنانيين من تراجع الخدمات والرعاية الاجتماعية وسط الشلل الذي اصاب المؤسسات الدستورية واستمرار الشغور في رئاسة الجمهورية منذ أكثر من سنة وثلاثة أشهر.

ويُسجل للهيئات التي رعت التحركات الشعبية الأسبوع الماضي مثل <طلعت ريحتكم> و<بدنا نحاسب> و<عالشارع> و<فلّو عنا>  وغيرها، أنها استطاعت ضبط المشاركين وتجنب المواجهات مع القوى الأمنية ومنعت - الى حين - تسلل العناصر المندسة التي دأبت طوال الأسبوع الماضي على افتعال صدامات مع القوى الامنية التي تولّت حفظ الأمن حول السرايا الحكومي ومجلس النواب. إلا أن هؤلاء <الغوغائيين> - كما سماهم وزير الداخلية نهاد المشنوق - ظهروا بعد انتهاء المسيرة الشعبية الحاشدة قياساً الى مسيرات الايام الماضية، وعادوا الى ممارسة عادتهم اليومية وهي الاعتداء على القوى الأمنية وإشعال الحرائق ومحاولة سحب الأسلاك الشائكة التي وُضعت لمنع الاقتراب من مبنى السرايا الحكومي، ما اضطر هذه القوى الى تفريقهم بالقوة كما حصل في كل ليلة من ليالي الأسبوع الماضي.

 

تعددت التفسيرات والنتيجة واحدة!

حملة-طلعت-ريتكم 

وبعيداً عن الخوض في الخلاف حول تحديد <هوية> من وصفوا بـ<الغوغائيين> والجهة التي تحركهم ويقدمون الخدمات بناء على طلبها، فإن الواضح، وفق مصادر متابعة، أن ثمة من <يجهد> لتفشيل الشق العفوي والمطلبي من تحرك جمعيات المجتمع الأهلي، لاسيما بعد النجاح الذي حققه في طرح مطالب شعبية وإنسانية نامت لسنوات في أدراج المسؤولين، وذلك من خلال <تسييس> هذا الحراك الشعبي والشبابي أو الإساءة إليه من خلال ممارسات <المندسين>. وثمة من يقرأ في تحركات <المندسين> واعتداءاتهم على القوى الأمنية حيناً، وعلى متاجر الوسط التجاري وإشعال النار فيها أحياناً، <رسائل> من جهات حزبية آلمها تحرك المنظمات الأهلية وخروجها من تحت <عباءة> هذه الجهات، فعمدت الى <تلويث> تحركها المطلبي الصافي ببصمات دامية أو ممارسات تخرج هذا الحراك عن أهدافه وتسقطه في <التجربة> التي ترتد سلباً على هذه المنظمات والقيمين عليها ما يبقي للأحزاب والتيارات السياسية موقع الريادة في <قيادة> الرأي العام اللبناني... أما التفسير الثالث والأكثر خطورة فتورده المصادر نفسها بتحفظ وإن كانت ثمة مؤشرات تؤكد صحته، وهو أن ثمة من يسعى الى استعمال الحراك الشعبي والشبابي وما يرافقه من ممارسات عدائية ومواجهات تحدث اضطراباً أمنياً يتطور تباعاً، في الاستحقاق الرئاسي المجمّد منذ أشهر، وذلك بهدف جعل انتخاب رئيس الجمهورية أولوية لإنهاء هذا الحراك أو للحد منه تحت تأثير ظروف أمنية مضطربة نتيجة الاعتصامات الشعبية من جهة، وممارسات <المندسين> من جهة أخرى، وتحت ذريعة الخوف من اتساع رقعة الفلتان الأمني. وفي اعتقاد أصحاب هذا الرأي أن ثمة جهات <تشجع> على استمرار الحراك الشعبي واتساعه ليشمل المحافظات اللبنانية كافة وتغضّ الطرف عن <تسلل المندسين> الى صفوف المعترضين لخلق أمر واقع معين يسهل من خلاله - ونتيجته - إنجاز الاستحقاق الرئاسي في ظروف تتعطل فيها القدرة على <الخيارات الرئاسية> المتعددة بحيث تنحصر كلها في خيار واحد يفرضه تدهور الأوضاع الامنية واتساع رقعة الفوضى والفلتان في بيروت وفي غيرها من المحافظات.

وقد برزت خلال مرحلة التحضير لمسيرة السبت 29 آب/ أغسطس الماضي مواقف تشجع على الاخذ بصحة المعلومات عن وجود <مستغلين> للحراك الشعبي والشبابي ليصار الى انتخاب الرئيس العتيد من خلال إزاحة الحراك الذي بدأ من أجل النفايات الى مسار آخر، ولو كان دموياً يقود الى وصول شخصية معينة الى قصر بعبدا، بصرف النظر عن ضوابط الدستور أو خيارات السياسيين وطموحاتهم. وفي اعتقاد أصحاب هذا الرأي أن ملف النفايات المليء بالمنافع والمحاصصة والرشاوى وغيرها من السلبيات، كان يمكن التعاطي معه بأسلوب مختلف <واستيعاب> المطالب المحقة التي رفعها المتظاهرون من أنصار المجتمع المدني، إلا أن المقاربة التي اعتُمدت ودخول <المندسين> الى صفوف المتظاهرين وعدم اتخاذ إجراءات تضمن إبقاء العنف بعيداً عن هذا التحرك الشبابي والمطلبي، أدت الى طرح علامات استفهام كثيرة حول الزمان والمكان ومدى ارتباطهما بالاستحقاق الرئاسي واقعاً وأسماء.

والى أن تتضح صورة الحراك الشعبي والشبابي وأهدافه الحقيقية وهل بات عامل استغلال وجسر عبور من النفايات الى قصر بعبدا، ستبقى منطقة الأسواق التجارية في بيروت مسرحاً لممارسات ليلية معروفة الاهداف... ولكن غير مضمونة النتائج!