تفاصيل الخبر

هل تُشكّل محكمة خاصة للنظر في فضيحة النفايات جمعاً وطمراً وحرقاً... وترحيلاً، لكشف ”المافيا“؟!  

24/03/2016
هل تُشكّل محكمة خاصة للنظر في فضيحة النفايات  جمعاً وطمراً وحرقاً... وترحيلاً، لكشف ”المافيا“؟!   

هل تُشكّل محكمة خاصة للنظر في فضيحة النفايات جمعاً وطمراً وحرقاً... وترحيلاً، لكشف ”المافيا“؟!  

بقلم جورج بشير

Ministerial-Council2

صباح يوم السبت الماضي، كانت الخطوة الأولى في مسيرة الألف ميل لمسيرة خلاص لبنان من النفايات التي غيّرت وجهه وشوّهته وبدّلت صورته أمام العالم. فبعد تسعة أشهر وُلد الحل لمعضلة النفايات، هذه المعضلة التي عاش اللبنانيون فصولها الكريهة طوال هذه المدة. أولاً على صعيد التلوّث البيئي الذي أصاب وقتل مئات اللبنانيين وبدّل صورة لبنان فجعلها أبشع بعد أن كانت هذه الصورة بهيّة نقيّة وساطعة في نظر سكانه ومواطنيه وزواره. وثانياً على صعيد تقصير و<تواطؤ> وعدم خبرة بعض حكامه من القمّة الى القاعدة، ومسايرة بعضهم لـ<المافيا>. نعم، لـ<مافيا> النفايات التي جمعت ثروات مالية بالمليارات دون حسيب ولا رقيب، وفي ظل انعدام المساءلة والمحاسبة، وما تزال <فرزاً وجمعاً وطمراً وحرقاً وترحيلاً>، كي يعود لبنان بالنتيجة بعد معاناة لم يسبق لها تاريخه الى <حليمة>، أي الى <سوكلين> التي <أكل عليها الدهر وشرب>، لا بل أكل سياسيون وحكام ولم يشبعوا من خيراتها وعائداتها، والأسماء يتداولها اللبنانيون في منتدياتهم، كما في الصالونات السياسية وحتى الرسمية ولا من يحرّك ساكناً على صعيد المساءلة والمحاسبة، تماماً كما هو حال الفضائح الأخرى في البلاد وكأن المال العام سائب كالمصلحة العامة والقانون والنظام، فيما الشعب ينزف ويهجر وطنه، والباقون يفتشون عن مواطن جديدة لهم ولأولادهم، ولبنان فاتح أبوابه أمام جحافل اللاجئين والنازحين لا حول له ولا طول.

طبعاً، لا بدّ من الاعتراف بالتحرّك الذي قام به القضاء، وخاصة النيابة العامة المالية ورئيسها القاضي علي ابراهيم على صعيد محاولة الكشف عن <المافيا>، وخصوصاً <مافيا> النفايات وملفاتها الملوّثة بالرشى والارتزاق والثراء غير المشروع. كما لا بدّ من الاعتراف للرئيس تمام سلام وبعض الوزراء بالجهد المضني الذي بذلوه من أجل تحقيق الخطوة الأولى في مسيرة خلاص لبنان ومواطنيه من أزمة النفايات في <الويك اند> الماضي، لكن التقصير الرسمي الحكومي والقضائي والصحي فاضح على صعيد الحؤول دون إغراق لبنان بجبال النفايات بعد التقصير في مجال وضع وتنفيذ الخطط المدروسة الآيلة الى معالجة هذه النفايات من ناحية المبدأ، عبر فرزها وعدم إحراقها أو طمرها كما كان يجري بشكل عشوائي وبدائي، وذلك ببناء محارق عصرية في المناطق، إما بواسطة الدولة وإما بواسطة القطاع اللبناني الخاص النشيط والمتمكّن في هذه المجال، بعدما أثبت بفعل التجربة نجاحه الكبير على هذا الصعيد في الخارج لا بل تفوّقه، وبقيت الدولة وأركانها متكلين على <سوكلين> بكل ما تعنيه وترمز إليه، وبكل ما يشير إليه ملفها <الوارم> لدى مسؤولي الدولة والقضاء.

 

<ليست رمانة بل جيوب مليانة>

 

لا أحد بإمكانه أن يعرف سلفاً النتيجة التي سيؤول إليها التحقيق القضائي الذي تجريه النيابة العامة المالية في ملف النفايات و<سوكلين>، لأن <المافيا> ذكية وخبيرة وقد تمكّنت أصلاً من ترتيب أوضاعها منذ البداية وحتى الوصول الى <التمثيلية المفضوحة>، الى تمثيلية المناقصة <العالمية> التي نظمتها في البداية وزارة البيئة ومن ثم أي بعد تفشيل المناقصة والإلغاء الفاضح انتقلت الى لجنة حكومية أخرى ليواجه لبنان تمثيلية جديدة أبشع من الأولى، ألا وهي مناقصة ترحيل النفايات عن طريق <شينوك> وعرضها المزوّر بأوراقه ومستنداته والتواقيع الرسمية الموجودة عليه لأنه لم يكن هناك لا ترحيل للنفايات ولا من هم على استعداد لاستقبال <زبالة> لبنان، بل حجارة باطون كانت محضرة كما قال المهندس نعمة افرام في مقابلته التلفزيونية عبر قناة <أم تي في> ستُضمّ الى الأكياس المعبئة بنفايات لبنان لتُرمى في قاع البحر الابيض التوسط خارج المياه الاقليمية تهريب-النفاياتاللبنانية، أي داخل المياه الاقليمية الدولية <مقابل تحميل خزينة لبنان والمال العام ما لا يقل عن ثلاثمئة دولار أميركي للطن>....

وبما <أن الدنيا حظ> كما يقول المثل، فإن فضيحة - <شينوك> سرعان ما تمّ كشفها من دون أن يسأل أحد من داخل الحكومة ومجلس الوزراء أو من داخل مجلس النواب وكتلته عن أبطالها والمسؤولين عنها والجهات الداخلية والخارجية التي تخطط لهم وتدعمهم وتغطّي عملهم الدنيء..

إن هذه القضية بملفها وفضيحتها تبقى أمانة بين أيدي المسؤولين الحكوميين والقضائيين الذين أوكل إليهم الشعب اللبناني مصيره وحياته وماله وتنفيذ القوانين وحماية المال العام.

السؤال المطروح اليوم هو: هل يمكن تسجيل خطوة تخليص لبنان من أزمة النفايات الخانقة والقاتلة في خانة منجزات الحكومة إذا كان لها من منجزات كبيرة؟

لا بدّ من القول ان رئيس الحكومة تمام سلام وبعض الوزراء أعضاء الحكومة، حتى بعض أعضاء مجلس النواب، والأكثرية الساحقة من شعب لبنان بزّوا أيوب في صبره وتفوّقوا عليه. لكن أحداً لن يغفر الخطيئة الكبرى المرتكبة من هؤلاء الرؤساء والوزراء والنواب بتقصيرهم أساساً في وضع خطة معالجة للنفايات تمنع وصول البلد الى ما أوصلته إليه أزمة النفايات الأخيرة من تلوّث وخسارة مالية ومرض وموت، خصوصاً إذا ما استمرّت هذه الطبقة الحاكمة في <طمر رأسها بالرمال> وتجاوزت أو غطّت <المافيا> وجريمتها المرتكبة في حق الوطن بكامله، ولم تُشكّل لجنة تحقيق نيابية وأمنية وقضائية تكشف خفايا وخبايا ملف النفايات الذي تصاعدت روائحه الكريهة ولوّثت كل مكان، لا بل لوّثت الوطن وصورته وسمعته، وألحقت الموت والأذى والمرض بشعبه وبأطفاله على وجه التحديد، وأهدرت المليارات من خزينته ومن نتاجه ليتحوّل هذا الهدر الى ثروات كبيرة، استفاد منها حكام وأحزاب وموظفون <على عينك يا تاجر> من دون مساءلة أو محاسبة.

شاحنات-تنقل-الزبالة

القضاء هو الحكم

 

ليس كثيراً على الشعب اللبناني أن تقوم في بلده محكمة خاصة تكشف المستور والمعلوم في ملف النفايات من <سوكلين> الى الطمر والحرق والجمع والتلزيم لكل هذه الأعمال حتى الوصول الى مرحلة إلغاء المناقصة العامة الى فضيحة الترحيل والتزوير، على الأقل كي <لا يُلدغ الشعب اللبناني من الجحر مرتين> ولا يقع مسؤولون وإداريون وسياسيون ضحايا مع الشعب نتيجة الإهمال والعجز والتواطؤ والفساد و<هريان> الدولة.

المهم أن قوافل الشاحنات دأبت منذ فجر يوم السبت الماضي على نقل تلال النفايات من أحياء القرى والمدن ولكن ليس الى معامل الفرز والمعالجة وإنتاج الطاقة كما يجري في البلدان المتقدمة التي باتت تعتمد التكنولوجيا المتطورة في هذه المجالات لأن فيها مخططين وحكاماً يعرفون سلفاً أن الشعب سيحاسبهم ويسائلهم بالنتيجة.

 وإن خطوة جمع ونقل وطمر النفايات التي تمّت على حساب مناطق لبنانية معينة وخلال فترة ثلاث سنوات كما قيل وأُعلن، هي مدة كافية لإنجاز خطة عصرية وتنفيذها في مجال معالجة نفايات لبنان وأطنانها، ولإنتاج الطاقة من هذه المعالجة وخصوصاً الكهرباء، وتحقيق إفادة مادية لخزينة الدولة، وإفادة بيئية، بدلاً من إغراق البلاد كما جرى لفترة تسعة أشهر متواصلة بـ<غيمات الموت السوداء>، والخزينة بالعجز، والشعب بحال الخيبة والقهر التي عاشها طيلة الشهور التسعة المنصرمة....

وكان الله مع الصابرين، لأن الشعب هو صاحب السلطة، وهو المسؤول بالنتيجة رغم أنه الضحية.