لأول مرة منذ عقود، تجد الولايات المتحدة نفسها في حلف، ولو بدا خجولاً ومستتراً حتى الآن، مع الصين وروسيا ضد <داعش>. للصين مصالح مباشرة واستثمارات في العراق بعشرات مليارات الدولارات وتريد سلامة أكثر من عشرة آلاف عامل صيني يعملون في شمال العراق وجنوبه. ورغم أنها تتمسك ظاهرياً بسياستها الخارجية الجامدة والمبنية على عدم التدخل في سيادة الدول الأخرى فقد لمحت بأنها لن تعارض التدخل العسكري الأميركي وستكتفي بمراقبته للتأكد من أنه لن يؤدي إلى تهديد سيادة العراق.. أما روسيا فهي معنية مباشرة بإمكانية تمدد <داعش> إلى حدودها الشيشانية وعودة التهديدات الأمنية إلى الداخل الروسي من هذه البوابة. ولذلك فهي من محبذي الضربة العسكرية الأميركية رغم إحتدام الخلافات حول أوكرانيا.
في محاولة تسويقه للتدخل العسكري العتيد في الشرق الأوسط ضد <داعش> من خلال خطابه إلى الأمة عشية ذكرى أحداث ١١ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠١، لم يذكر الرئيس الأميركي <باراك اوباما> أن روسيا والصين وحتى إيران تؤيد حرب الولايات المتحدة على <داعش> تماماً كما تؤيدها فرنسا وبريطانيا وألمانيا واليابان. بل فضل الاكتفاء باستثمار غضب الرأي العام الأميركي من مشهد ذبح الصحافيين <جيمس فولي> و<ستيفن سوتلوف> ليبرر تراجعه عن سياسة <النأي بالنفس> عسكرياً عن حروب مكلفة ما فتئ يعتبرها من دون جدوى. مع العلم أن هذه السياسة هي التي منحته ولايته الثانية منذ سنتين ونيف بعدما كان الأميركيون قد سئموا من أن تلعب حكومتهم دور شرطي العالم ثم لا تحصد إلا مزيد من الديون والكره و<نكران الجميل> من قبل الشعوب ذاتها التي حاولوا أن يساعدوها.
<داعش> وحدت الكون ضدها. كل دول العالم تعتبرها وباء إرهابياً يجب استئصاله. هي عدو مشترك لإيران وإسرائيل وسوريا وحزب الله. وبالتالي أصبح هؤلاء حلفاء في الحرب ضد هذه <الدولة> المارقة التي تفرد سيادتها على ٣٢,٠٠٠ كيلومتر مربع حسب آخر المعطيات الميدانية. لا سلاح جوياً لديها ولا اعتراف بها من أي دولة ولا هيكلية سياسية تمكنها من ضبط مناطق نفوذها. رغم كل ذلك، العالم كله يتحد ضدها وكأنها الخطر الأعظم على الإنسانية. كيف يمكن أن نصدق أن دولة بهذا الضعف الهيكلي تخيف أعظم دول العالم وتستدعي تدخلاً أممياً لاستئصالها؟
يمكن تبسيط توصيف <داعش> انطلاقاً من كلام النائب محمد رعد منذ أيام الذي شدد على أن هذا التنظيم ضعيف وليس لديه العتاد وسلاحه الأساسي هو الوحشية لإحداث الخوف عند من يحاربه. يعطف على هذا الكلام تصريح للأزهر ينهي عن إطلاق اسم دولة الإسلام على هذا التنظيم الإرهابي. ماذا تكون <داعش> إذا كانت هي بهذا الضعف حسب توصيف رئيس كتلة نواب حزب الله وإن هي ليست دولة إسلامية كما يصر الأزهر؟
المخيف في <داعش> أنها حالة وليست دولة. ومع الأسف انها حالة شعبية ويمكن أن تتوالد وتستنسخ في كل بقاع الأرض بأشكال مختلفة. في الشرق الأوسط وبعض دول شمال أفريقيا ارتدت هذه الحالة الثوب الديني المذهبي الدموي. ولكنها يمكن أن تنشأ في أميركا اللاتينية بثوب مختلف وفي أوروبا بزي غربي وحتى في الولايات المتحدة تحت مسميات متعددة. انها حالة لا تزال حتى الآن محصورة جغرافياً تماماً كما هو وباء <ايبولا> في غرب أفريقيا. ولكن جذورها الاجتماعية والاقتصادية والطبقية هي نفسها في معظم دول العالم. وكما تخسر <ليبيريا> الحرب تدريجياً ضد <ايبولا> بسبب تقاعس العالم فتصبح مهددة بوجودها كدولة حسب ما أعلن رئيسها منذ أيام، فإن كيانات العالم العربي يمكن أن تتساقط أمام <داعش> بالطريقة نفسها.
ظن الجميع أن قتل أسامة بن لادن كان نهاية الحرب على الإرهاب ثم جاءت <داعش> بإرهاب أقوى وأوحش. لذلك ربما نفرح قريباً بنهاية دولة الإسلام في العراق والشام على يد الحلف الأممي، ولكن لن نلبث أن نكتشف شكلاً آخر من هذه الحالة بصورة أشمل وأكثر إيلاماً. ربما يكون هناك شبه بين <أسامة بن لادن> و<كارل ماركس> أبي الاشتراكية. فلسفة الأخير جاءت بالشيوعية فحكمت نصف العالم لثلاثة أرباع القرن العشرين. و<قاعدة> الأول جاءت بفكر إرهابي يتفشى يوماً بعد يوم وينذر بأن يصبح نهجاً شعبياً دولياً.
المنطق يقول انه عندما تتركز المعالجات على النتائج وليس على الأسباب لا يمكن توقع الحلول المستدامة.
لذلك لا حل عسكرياً مع <داعش> من دون معالجة أصل وفصل المئة وعشرين ألف منتمٍ إليها والذين يتكاثرون كل يوم. هناك سبب مهم يجمعهم غير الدين أو المذهب وهذا سلاح <داعش> الأفتك، وهناك أيضاً مسؤولية تاريخية وحضارية وإنسانية على العالم أن يبحث في إزالته وليس فقط في محاربة نتائجه.