تفاصيل الخبر

هل تؤدي إعادة هيكلة مصرف لبنان الى تجدد المواجهة بين الحاكم والحكومة؟

06/05/2020
هل تؤدي إعادة هيكلة مصرف لبنان الى تجدد المواجهة بين الحاكم والحكومة؟

هل تؤدي إعادة هيكلة مصرف لبنان الى تجدد المواجهة بين الحاكم والحكومة؟

[caption id="attachment_77670" align="alignleft" width="360"] الرئيس حسان دياب... هل تتجدد المواجهة بينه وبين مصرف لبنان[/caption]

إذا كانت المواجهة بين رئيس الحكومة حسان دياب وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة قد تأجلت الى وقت لاحق بعد دخول جهات محلية وأخرى خارجية على الخط، فإن الأوساط المتابعة تتوقع تجدد هذه المواجهة عند وضع بند إعادة هيكلة مصرف لبنان الوارد في خطة الحكومة الاصلاحية نظراً للتباين الحاصل بين فريق رئيس الحكومة وحاكم مصرف لبنان حيال ما هو وارد في الخطة التي تتحدث عن "خسائر" للمصرف متراكمة على مر السنوات، في حين يرى الحاكم ان ما تسميه الحكومة "خسائر" هو فعلياً مصاريف دفعها مصرف لبنان بناء على طلب الحكومات في الأعوام الماضية لتسيير شؤون الدولة وتأمين حاجاتها ورواتب العاملين فيها. وان رفض الحاكم سلامة تسمية هذه المدفوعات بـ"الخسائر" الا ان فريق رئيس الحكومة يعتبرها نتجت عن ادارة كان يفترض أن تكون أكثر حرصاً للشؤون المالية اللبنانية. ويضيف هذا الفريق بأن التقييم الاضافي لصافي رأس مال المصارف المحلية، تقييم مسبق للأصول الضخمة التي تحتفظ بها المصارف اللبنانية لدى مصرف لبنان، لاسيما الودائع وشهادات الايداع بشكل أساسي. ولهذا السبب قررت الحكومة تكليف خبراء معترف بهم دولياً بإجراء تدقيق كامل لحساب مصرف لبنان، ومراجعة كاملة للعمليات المالية للمصرف على مدى السنوات الخمس الماضية، وتقييم عادل لمدى انكشاف المصارف أمام مصرف لبنان. وستنظر عملية التقييم هذه في إعادة الهيكلة الكاملة للميزانية العمومية للمصرف المركزي، بما في ذلك شطب الخسائر غير المحققة المتراكمة في الماضي وإثر إعادة هيكلة الديون الحكومية على حيازات مصرف لبنان من سندات "اليوروبوندز" وسندات الخزينة.

خسائر مصرف لبنان 40 مليار دولار!

ويقدر فريق رئيس الحكومة اجمالي خسائر مصرف لبنان غير المحققة بأكثر من 40 مليار دولار أميركي، وهو جزء لا يستهان به من اجمالي أصول المصرف المُبلّغ عنها، ومبلغ ضخم يتجاوز مئة بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي على أساس سعر الصرف الرسمي لا يمكن مقارنته بأي حالة أخرى في العالم. ويضيف الفريق نفسه ان هذه الخسائر غير المحققة، عن سنوات، تمخضت من العمليات المالية الخاسرة التي أدارها مصرف لبنان بهدف مراكمة احتياطيات العملات الأجنبية للدفاع عن ربط العملات وتغطية فجوة تمويل ميزان المدفوعات، اضافة الى مصادر الخسائر الأخرى، وقد تسارع هذا التراكم في إطار "الهندسة المالية" التي بدأت في العام 2016، علماً ــ حسب الفريق نفسه ــ ان هذه العمليات أثبتت عدم استدامتها وخطورتها الشديدة بامتياز باعتبار انها لم تستطع معالجة الاختلالات الأساسية التي ولدت الهبوط المنتظم في احتياطات العملات الأجنبية ووضعت مصرف لبنان في حالة من التعرض الكبير لمخاطر العملات الأجنبية.

وفيما لا يعتبر مصرف لبنان هذه المبالغ بمثابة خسائر بل هي مبلغ ترحّل مقابل الايرادات المستقبلية، يقول فريق رئيس الحكومة ان هذا المبلغ ارتفع بمقدار ملياري دولار في النصف الأول من شهر آذار (مارس) الماضي. واستناداً الى تقييم اثر فقدان العملة الوطنية قيمتها على حسابات مصرف لبنان من جهة، والى التدقيق من جهة أخرى، ستقوم الحكومة بتقييم خيارات اعادة هيكلة التزامات مصرف لبنان بما يشمل مساهمة من ودائع المصارف وحيازاتها من شهادات الايداع لتغطية الخسائر التي لا يمكن تغطيتها عبر قاعدة رأس المال القائمة في مصرف لبنان. وبهدف تخفيف الكلفة الاجتماعية لهذا التعديل الفوري القوي، ستنظر الحكومة، وفق المصدر نفسه، في تخصيص أرباح الحصص الى مصرف لبنان وايداعها في شركة ادارة الأصول العامة التي سيتم انشاؤها للمساعدة في تعزيز مكانته المالية بعد إعادة الهيكلة، وستوفر الايرادات التي تولدها الشركة الموارد اللازمة لتمكين المصرف من اعادة سداد التزاماته المتبقية للمصارف مع الوقت! أما الخطوة التالية، فهي ابقاء مركز صافي رأس مال مصرف لبنان في حالة سلبية معتدلة وتغطيته مع الوقت من خلال عائدات سك العملة المستقبلية المولدة بعد إعادة الهيكلة الكاملة لميزانية المصرف المركزي.

ما هي شركة ادارة الأصول العامة؟

وعن الشركة المنوي انشاؤها لادارة الأصول العامة بهدف تمكين مصرف لبنان من استعادة قدرته المالية بشكل كامل، تورد خطة الحكومة بأن

[caption id="attachment_77671" align="alignleft" width="363"] حاكم مصرف لبنان رياض سلامة... هل يقبل بخطة الحكومة اعادة هيكلة المصارف[/caption]

الشركة ستودع فيها الأصول الحكومية الرئيسية، باستثناء أصول النفط والغاز، بحيث تضم حصص الأسهم في الشركات الرئيسية المملوكة من الدولة، والأصول العقارية. وستقوم الحكومة بتخصيص أرباح شركة ادارة الأصول العامة لتمويل زيادة رأس مال مصرف لبنان بهدف تمكينه من الوفاء بالتزامته المتبقية تجاه المصارف. وستكلف الشركة بإعادة هيكلة الشركات العامة المدرجة في حافظتها ومستقبلها على مدى 10 سنوات. وستتم ادارة الأصول العقارية على النحو الواجب خلال الفترة الزمنية عينها. وستُدار الشركة في اتساق كامل مع الاستراتيجية العامة الموضوعة من قبل السلطات بهدف تعزيز النمو. وستتبنى شركة ادارة الأصول العامة أفضل نموذج للادارة التي يتولاها مجلس ادارة يتألف من كبار المتخصصين ومجلس رقابي يمثل المساهمين بما فيهم مصرف لبنان والمجتمع المدني والمؤسسات المالية الدولية والخبراء المستقلون. وستعوّل الحكومة على الخبرة الدولية لإنشاء الشركة وادارتها، كما ستستفيد من الدروس المستقاة من السوابق الدولية. ومن المفهوم أن الشركات المملوكة من الدولة ستحافظ على استقلاليتها خلال المسار.

ولن يكون تحويل جميع الالتزامات المتصلة بالمصارف الى الدولة لتحسين وضع ميزانية مصرف لبنان خياراً قابلاً للتطبيق، إذ سيؤدي ذلك الى زيادة خسائر المصارف والمودعين، بما ان الدولة بحاجة ماسة الى تخفيض ديونها الى مستوى مستدام.

واضافة الى ما تقدم، سيتعين على مصرف لبنان اعادة بناء الربحية بعد إعادة هيكلته، ذلك انه في حالة تقليص حجم الميزانية العمومية للمصرف، فانها ستبقى كبيرة بعد اعادة الهيكلة المتوخاة وأكبر بكثير من الحجم القياسي للميزانيات العمومية للمصارف المركزية التي تركز حصراً على أنشطة السياسة النقدية وسياسة سعر الصرف الأساسية. وسوف يتعرض المصرف لمخاطر العملات الأجنبية في سياق نظام أسعار صرف متحركة أو عائمة موجهة. واعتماداً على ربحية الشركة والتقييم التفصيلي للمستوى المناسب الخاص بمركز صافي الاحتياطي الدولي وفي غياب اعادة الهيكلة الاضافية، قد تدعو الحاجة الى دعم خارجي اضافي لتجديد صافي احتياطيات مصرف لبنان وصولاً الى المستوى المناسب. وفي سياق اصلاح الأحكام القانونية المتعلقة بمسؤولياته وادارته، سيقوم مصرف لبنان بوضع خطة مالية لادارة المخاطر تهدف الى مواءمة ممارساته المحاسبية مع الممارسات الدولية، وتعزيز الشفافية، وتقليص دوره في تمويل الدولة، واستعادة ربحيته على المدى الطويل.

ويبقى السؤال: هل سيرضى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بهذه الخطة؟ مصادر مطلعة على موقف الحاكم تقول ان لديه مجموعة من الملاحظات حول الشق المتعلق بمصرف لبنان، سينقلها الى المعنيين، على أن يحدد بعد ذلك موقفه في ضوء ردود الفعل على هذه الملاحظات التي تشكل ــ في رأي الحاكم ــ نقطة أساسية لا يمكن تجاهلها لئلا يؤدي أي تغيير في عمل المصرف المركزي ودوره الى افقاده الاستقلالية التي يتمتع بها وفقاً لقانون النقد والتسليف من جهة، ولابعاد السياسة عن هذا المرفق المالي المهم من جهة أخرى!