بقلم خالد عوض
الحدث الاقتصادي والمالي في هذه المرحلة هو مصر. ليس فقط لنجاح مؤتمر شرم الشيخ وتمكن الرئيس عبد الفتاح السيسي من حشد دعم إقليمي ودولي قل مثيله بل لشكل الحزمة المالية التي تم الإعلان عنها وأبعادها الاقتصادية والإدارية والقانونية داخل مصر وربما خارجها أيضاً.
هناك أولاً 12 مليار دولار، 4 مليار لكل من السعودية والإمارات والكويت، منها ٥ مليار دولار ودائع في المصرف المركزي المصري و7 مليار دولار عبارة عن استثمارات مباشرة لتحفيز الاقتصاد. كما ساهمت عمان بـ500 مليون دولار نصفها وديعة والنصف الآخر استثماري. هذه الأرقام تضاف الى 7 مليار دولار كانت السعودية والإمارات قد ارسلتها إلى مصر إبان تسلم السيسي السلطة.
ثم هناك عقود للتنقيب وإنتاج ما يعادل 3 ملايين برميل نفط يومياً ستستثمر من خلالها شركة <بريتش بتروليوم> 12 مليار دولار وعقود أولية أخرى ومذكرات تفاهم مع شركات أوروبية وخليجية لمحطات توليد الطاقة على أنواعها وتخزين وتوزيع القمح تزيد قيمتها عن 40 مليار دولار. وأخيراً هناك الإعلان عن عاصمة إدارية جديدة تكفلت ببنائها شركة <اعمار> الإماراتية وتمتد على مساحة 700 كيلومتر مربع أي بحجم سنغافورة وستكلف حوالى 42 مليار دولار وهذا رقم تقريبي جداً.
ما يلفت في هذه الأرقام هو حجم الاستثمارات والعقود التي ستكون مع القطاع الخاص. أكثر من 80 مليار دولار متوقع أن تكون استثمارات خاصة. هذا الحجم شجع الرئيس المصري على أن يعزز قانون الاستثمار بضمانات تكفل للقطاع الخاص حقوقه بعدما تعثرت عدة مشاريع كبيرة في المرحلة السابقة ووصل حجم دعاوى التحكيم التي رفعها القطاع الخاص ضد الحكومة المصرية إلى حوالى 20 مليار دولار.
هناك انتقادات كثيرة لحجم الخصخصة الآتية مع مؤتمر شرم الشيخ وكلام عن غزو اقتصادي من الخليج لمصر. ولكن مصر بحاجة إلى نوع من الثورة الاقتصادية والأكفأ والأكثر ثقة للقيام بذلك هو القطاع الخاص الخليجي. من سيشرف عليها وكيف ستتعامل مع <البيروقراطية> المتجذرة في الإدارات المصرية ومن سيحفظ حقوق العمال المصريين من دون وضع العقبات أمام المشاريع وكيف يمكن للبنية التحتية التشريعية أن تواكب هذا الحجم من الاستثمارات؟ هذه الأسئلة وغيرها برسم السيسي وحكومته. فنجاح الرئيس المصري لن يتوقف على حجم الأموال التي أعلن عنها بل على قدرته على مواكبتها إدارياً وقانونياً وإجتماعياً. العبرة في التنفيذ.
الأمر الثاني الجدير بالمتابعة هو بناء العاصمة الإدارية الجديدة التي ستتسع لأكثر من 5 ملايين نسمة وتضم مطاراً أكبر من حجم مطار <هيثرو> اللندني وأكثر من 660 مستشفى ومستوصفاً و1250 مسجداً وكنيسة وأكثر من مليون ومئة ألف شقة. وقد باشرت شركة <سكيدمور أوينجس ميريل> الأميركية التصميم التفصيلي لهذه المدينة الواعدة بإشراف شركة <اعمار> ورئيسها محمد العبار. المدة الزمنية لتنفيذ العاصمة الجديدة كانت عشر سنوات ولكن الرئيس المصري تمنى على العبار أن تصبح 5 سنوات.
ليس المهم الوقت الذي سيستغرقه بناء المدينة بل النموذج الذي يمثله إنشاء عاصمة جديدة لأول مرة في العالم العربي. فمثل نيجيريا التي نقلت عاصمتها من <لاغوس> إلى <ابوجا> عام 1991 والبرازيل التي انتقلت إدارياً من <ريو دي جانيرو> إلى <برازيليا> عام 1960 وباكستان التي نقلت حكومتها عام 1974 من <كراتشي> إلى <إسلام أباد> تخطو مصر الخطوة الإدارية والعمرانية نفسها مع الفرق أن العاصمة المصرية الجديدة تصمم لأن تتسع لعدد سكان يناهز سكان كل من <برازيليا> و<ابوجا> و<إسلام أباد> مجتمعة.
العمل بدأ جدياً مع مصر السيسي لحظة الإعلان عن كل هذه المشاريع والاستثمارات. وكما يقال بالإنكليزية أمام مصر كل شيء لتخسره إن لم تعرف إدارة أكبر مبادرة استثمارية في التاريخ للقطاع الخاص الأجنبي في دولة واحدة وفي زمن قياسي.