تفاصيل الخبر

هـل تــم رســم الخريطــة الميدانيــة لمعركــة الرقــة؟ ومـا هـو الــدور الـمــرتـقـب لــدول اجـتمـــاع انطـالـيـــا؟

07/04/2017
هـل تــم رســم الخريطــة الميدانيــة لمعركــة الرقــة؟  ومـا هـو الــدور الـمــرتـقـب لــدول اجـتمـــاع انطـالـيـــا؟

هـل تــم رســم الخريطــة الميدانيــة لمعركــة الرقــة؟ ومـا هـو الــدور الـمــرتـقـب لــدول اجـتمـــاع انطـالـيـــا؟

 

بقلم الدكتور هشام جابر

اجتماع-انطاليا----2

عندمــــا دخلت القــوات التركيــة في العـــام الماضـــي الأراضــــي السوريـــة تحت اســم <درع الفــرات>، بدءاً بتحرير جرابلس من تنظيم الدولة، توقف المراقبون أمام نقطتين. الأولى، أن التنظيم انسحب من جرابلس جنوباً دون قتال يذكر حتى أنه لم يلاحق بأية ضربة جوية من أية جهة سواء من سلاح الجو التركي، أو الروسي، أو حتى طائرات التحالف الدولي.

وعندما قامت <قوات سوريا الديموقراطية>، ونواتها <قوات حماية الشعب الكردي>، بتحرير مدينة <منبج> من تنظيم <داعش>، وأعلنت أنها ستتابع باتجاه جرابلس، اعتبر الكثيرون من المراقبين أن هذا الإعلان هو خطأ جسيم، يضاف إلى خطأ سبقه بأسابيع، وهو التحرش من قبل <قوات حماية الشعب الكردي>، والشرطة الكردية <الأسايش>، بالحامية العسكرية السورية في مدينة الحسكة.

استغلت تركيا كلا الحدثين واتهمت الكرد بنوايا انفصالية، وأعلن رئيس الحكومة التركية <بن علي يلدرم> بأن هذه النوايا، وهذا التصرف، يهددان وحدة سوريا وأن انفصال الشريط الكردي يهدد وحدة تركيا أيضاً.

دخلت تركيا بـ<درع الفرات> بضوء أخضر من موسكو، وأعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن الهدف من دخول <درع الفرات> هو تأمين منطقة <عازلة> أو <آمنة> بمساحة 4000 كلم2. وقدر المراقبون ونحن منهم، أن هذه المنطقة ستكون بمنزلة مربع، ضلعه الشمالي الحدود التركية بين جرابلس وأعزاز، والجنوبي مدينة <الباب> ثم منبج.

وصلت القوات المدعومة من تركيا على مشارف مدينة <الباب>، شمالاً وغرباً، بعد أن انسحب تنظيم <داعش> من المدينة بقتال تأخيري، وكانت موسكو حتى ديسمبر (كانون الأول) الماضــــي تؤكد بأن تحرير مدينة <الباب> سيتم على أيدي الجيش السوري النظامي.

تقدم الجيش السوري شمالاً باتجاه <الباب> وسيطر على عشرات القرى بعد قتال <غير ضارٍ> مع التنظيم، وقد قلنا حينئذٍ أن ما يهدف إليه الجيش السوري، حتى في حال أعطت موسكو الضوء الأخضر لأنقره بدخول <الباب> كجائزة ترضية لقاء استدارتها في حلب، هو في أقل الاحتمالات، منع <داعش> المرتقب انسحابه من المدينة من الاتجاه جنوباً، ثم كبح الطموح التركي بالتوجه إلى ريف حلب الشمالي الشرقي، وهذا ما حصل قبل نهاية العام الماضي.

أعلنت تركيا التي بدأت القوات المدعومة منها الاتجاه شرقاً باتجاه مدينة منبج، أن هدفها الثاني هو تحرير المدينة من القوات الكردية، ومن ثم، الاستعداد لعبور نهر الفرات، للمشاركة في تحرير الرقة.

وقد حمل الأسبوع الأول من شهر آذار (مارس) الحالي الكثير من التغييرات السياسية والميدانية حيث تقدم الجيش السوري في ريف منبج الجنوبي والشرقي بعد أن انسحبت القوات الكردية لمصلحته، وفاجأ رئيس الحكومة التركية المراقبين، بتصريحٍ يوم الأحد 5 آذار (مارس)، بأن دخول الجيش السوري إلى مدينة منبج هو <خيار غير سيئ> شرط انسحــــاب كافــــة القـــوى الكرديـــة إلى شرق الفرات.

ودخلت لأول مرة، وحدة عسكرية أميركية مدينة منبج معلنة أنها أتت لقتال <داعش>، وانها دخلت لمنع التقاتل بين الأطراف الموجودة على الارض، وتقصد بها <الجيش الحر> المدعوم من تركيا، والجيش السوري، كما <قوات سوريا الديموقراطية>، نواة المجلس العسكري لمدينة منبج.

واشنطن وجدت نفسها أمام خيارين، أحلاهما مر، فمن جهة تحرص على صداقتها وحلفها مع أنقره حيث أن هذه العلاقة قد شابها التوتر في نهاية عهد الرئيس أوباما، ومن جهة أخرى تؤكد التزامها بدعم الأكراد في شمال سوريا حيث يمثل هؤلاء الورقة الأقوى لدى واشنطن في الميدان السوري، إذا لم نقل الوحيدة.

وهي بالتالي، لا يمكنها أن تسمح للجيش التركي وحلفائه بعبور نهر الفرات شرقاً، والمشاركة في تحرير الرقة، لأن ذلك ربما، سيخلط الأوراق، وسيجعل الشريط الكردي بين فكي الكماشة التركية.

والآن ماذا في الخريطة الميدانية؟ الواقع، أنه لا يمكن الفصل المطلق، بين ما يجري في غرب الفرات وتحديداً في <منبج> وريفها، وبين ما سيجري في شرقي الفرات، وتحديداً معركة تحرير الرقة المرتقبة، عاجلاً أم معركة-الباب----1آجلاً.

من هنا، جاء اجتماع <انطاليا> ليرسم ما يمكن تسميته <بمسودة> <Draft> خريطة ميدانية، تنتظر موافقة الأطراف المعنية، وبالتالي إقرارها.

واجتماع <انطاليا> الذي جمع رؤساء أركان الدول الثلاث، روسيا، وتركيا، والولايات المتحدة، له الطابع العسكري، أكثر منه السياسي، وقد نتج عنه فوراً تصريح تركي، بأن أنقره مستعدة للقتال جنباً إلى جنب مع من تعتبرهم <ارهابيين>، وتقصد بذلك القوى الكردية، مهما اختلفت تسمياتها، ويعني ذلك أن مسألة عدم مشاركة تركيا في تحرير الرقة قد حسمت، أما من جهة الغرب، فإن القوات المدعومة من تركيا تقترب من مدينة منبج، ولن تدخلها في أغلب الظن.

أما عن دلالات سيطرة قوات الجيش السوري على طريق <الباب> ــ الرقة، وعلى مساحات واسعة شرقي وشمالي مدينة حلب وتوسعها، فهي في الواقع هدف عسكري استراتيجي، أو رسالة ميدانية لتركيا مفادها بأن تتوقف حيث وصلت، وأن هذه المنطقة هي أرض سورية، وأن مدينة منبج هي خط احمر، كذلك الضفة الغربية لنهر الفرات، التي يسعى الجيش السوري للسيطرة عليها، لملء الفراغ الذي سيحدثه انسحاب القوات الكردية المرتقب من مدينة منبج وكامل منطقة غرب الفرات، كما تطالب تركيا.

وتزامن ذلك مع تصريح الرئيس السوري لقناة <Sky News> المفاجئ ولو بعد أشهر، معتبراً الدخول التركي للأراضي السورية بمنزلة غزو، مطالباً إياها بالانسحاب.

والسؤال الذي يُطرح الآن، من سيقوم بتحرير الرقة؟ وهل تكفي القوات الكردية التي تدعهما أميركا لتنفيذ هكذا مهمة؟

والجواب هو لا حتماً، وذلك لاعتبارات عدة، عسكرية، وجغرافية، وسياسية. فهذه القوات هي غير مؤهلة حتى هذه الساعة لدحر تنظيمٍ بهذه القوة، لا من ناحية العديد الذي يقال بأنه بلغ أكثر من 20 ألف مقاتل، ولا العتاد، ولا الكفاءة القتالية. ويخطئ من يعتقد بان معركة الرقة ستكون أقل جهداً وصعوبة من معركة الموصل، ففي معركة الموصل أكثر من مئة ألف مقاتل من القوات العراقية وحلفائها، وهنالك أكثر من أربعة آلاف جندي أميركي يشاركون بها من ضمن ثمانية آلاف جندي أميركي في العراق.

والرقة هي <عاصمة الخلافة> والملجأ الأخير لتنظيم <داعش>، ولا يكفي لتحريرها دراسة مواقع التنظيم وقوته الحالية، بل المرتقبة. فبعد تحرير الموصل، ينتظر أن يصل إلى البادية السورية المئات من عناصر التنظيم، إذا لم نقـل الآلاف. وتحرير الرقة يقتضي أن يسبقه عسكريا، تحرير دير الزور شرقاً، و<مطار الطبقة العسكري> و<سد تشرين> غرباً، أو أن تفتح هذه الجبهات الثلاث بصورة متزامنة.

لذا، وبناءً لما تقدم، يعتقد بعض المراقبين، ونحن منهم، بأن الجيش السوري الذي توقف العام الماضي عند تخوم تدمر الشرقية بعد تحريرها، ولم يلاحق تنظيم <داعش> في البادية السورية، كما تقتضي العلوم العسكرية بما يسمى <استغلال الانتصار>، مما أدى إلى إعادة احتلال المدينة من قبل التنظيم، لن يتوقف هذه المرة خاصة بعد التفاهم بين موسكو وواشنطن، بل سيتابع باتجاه <دير الزور> لتأمين الاتصال سراً مع الحامية السورية المحاصرة منذ حوالى عامين، والعمل على طرد التنظيم منها.

وللجيش السوري مهمة أخرى كما ذكرنا، بعد دخوله إلى منبج والسيطرة على الضفة الغربية لنهر الفرات، وهي عبور النهر شرقاً للسيطرة على <سد تشرين>، ثم الاعداد للانطلاق من ريف حماه الشرقي باتجاه <مطار الطبقة العسكري>، الذي كان قد وصل في بداية العام الماضي على مسافة 30 كلم منه، ثم انسحب تحت ضغط هجوم معاكس للتنظيم، ولاعتبارات اقليمية ودولية.

فإذا ما تم ذلك ميدانياً، تنحصر مهمة القوات الكردية بمدينة الرقة، بدعم أميركي، جوي وبري معاً، ويمكن القول ساعتئذٍ، بأن الخطة العسكرية لتحرير الرقة قد أصبحت جاهزة، والمهمة باتت أقل صعوبة.

إن ما ذكر أعلاه، ما هو إلا استقراء للمستقبل القريب، وللخريطة العسكرية في الأسابيع المقبلة، تفرضه المعطيات الميدانية والسياسية، وأبرزها العلاقات الأكثر من جيدة وغير المسبوقة بين موسكو وواشنطن، والعلاقات الأكثر من جيدة جدا بين موسكو وأنقره والتي ظهرت في اجتماع القمة الأخير في 10 آذار (مارس) الحالي، مما أعطى موسكو مركز <المايسترو> أو ضابط الإيقاع للتحريات العسكرية لكافة الأطراف. إلا أنه يبقى هناك دائماً احتمال تطور دراماتيكي أو حدث بارز يمكن أن يعيد خلط الأوراق، وأن يرجع العملية السياسية، وبالتالي العسكرية، ربما إلى نقطة الانطلاق من جديد.

وأخيراً، وليس آخراً، يبقى سؤالان لا بد وأن يطرحا لاحقاً. الأول: ما هو الثمن الذي ستطلبه تركيا لقاء منعها من ضم منبج واستكمال مربع درع الفرات الذي سيمسي مثلثاً؟ ولقاء منعها من عبور الفرات شرقاً؟

والسؤال الثاني: إلى أين سينسحب تنظيم <داعش> بعد طرده من مدينة الرقة؟

الجواب عن السؤالين يسلتزم مقالاً آخر مستنداً إلى المستجدات السياسية والميدانية... وإن غداً لناظره قريب.