تفاصيل الخبر

هل تلهم الحكومة اللبنانية دول العالم... على الأقل إجتماعيا؟ 

16/04/2020
هل تلهم الحكومة اللبنانية دول العالم... على الأقل إجتماعيا؟ 

هل تلهم الحكومة اللبنانية دول العالم... على الأقل إجتماعيا؟ 

بقلم خالد عوض

[caption id="attachment_76978" align="alignleft" width="280"] رئيس شركة "موديز" "ريمون ماك دانيال جونيور": لم يعد مقبولا تصنيف الدول من دون الإعتبارات الإجتماعية والصحية. [/caption]

فجأة تمكنت معظم دول العالم من إخراج أموال من خزائنها، المفترض أنها كانت خالية، لمساعدة المحتاجين والذين فقدوا مداخيلهم. لم يعد يهم مستوى العجز في الموازنة ولا حتى نسبة الدين العام من الناتج المحلي ولا أي اعتبارات مالية أخرى. المهم عدم توقف الدورة الإقتصادية ووقف زحف الماريشال فقر والجنرال جوع مع كل ما يمكن أن يخلف هجومهما إقتصاديا وإجتماعيا. إذا نجحت دول العالم في تخفيف التراجع الإقتصادي عن طريق إعطاء المال مباشرة للناس تكون قد اختبرت دواء إقتصاديا من الصعب أن تمنعه عن الشعب بعد اليوم.  

أين "فيتش" و"ستاندرد أند بورز" و"موديز"؟

شركات التصنيف العالمية محتارة اليوم، وصامتة تماما، أمام الواقع الجديد. كيف تصنف، مثلا، الدين السيادي للولايات المتحدة الذي سيتخطى ١٢٠ بالمئة من الناتج المحلي على اقل تقدير؟ ألا يستأهل الوضع المالي لدول غربية عديدة من هذه الشركات نظرة مستقبلية سلبية (Negative Outlook) على الأقل؟ ماذا عن إيطاليا التي سيصل دينها العام إلى أكثر من ١٥٠ بالمئة من مداخيلها السنوية؟ بالمناسبة فإن حجم دين إيطاليا اليوم تخطى ٣ آلاف مليار دولار، أي ستة أضعاف دين اليونان، وهو يزيد حوالى ٢١٠ آلاف دولار في كل دقيقة أي ما يناهز ٣٠٠ مليون دولار يوميا. ومع تخطي إيطاليا، حتى قبل أن تدركها المصيبة الصحية، كل الحواجز الموضوعة من الإتحاد الأوروبي، فإن دينها السيادي اليوم ليس أفضل أبدا من دول تخلفت عن سداد مستحقاتها للدائنين، مثل اليونان وحتى... لبنان.

لا بد أن مستويات التصنيف التي كانت الشركات الثلاث تعتمدها وتؤثر من خلالها على الوضع المالي وحتى الإقتصادي لأي بلد ستتأثر كليا بالأرقام الجديدة وستضطر إلى إعادة النظر في كل نظراتها المستقبلية وربما أيضا في المعايير التي كانت تبني عليها تحاليلها. فعندما تكون الدول والحكومات تستدين لدعم شعوبها مباشرة وتحسين نظامها الصحي وتأمين الحد الأقل من الإستقرار الإجتماعي ومحاولة ضبط تفشي الفقر، فمن غير المقبول أن تصنف كدول فاشلة ماليا ولا تستحق أن تحصل على الدين إلا بعلاوات إضافية. لا شك أن العنصر الإجتماعي والصحي لا يمكن أن يغيب بعد اليوم عن تصنيفات الدول ماليا.

[caption id="attachment_76979" align="alignleft" width="446"] قائد الجيش العماد جوزیف عون:أمر الیوم... إجتماعي[/caption]

لبنان في مواجهة الوباء و... الفقر!

قررت الحكومة اللبنانية رصد حوالى ٧٥ مليار ليرة لبنانية من موازنتها لمساعدة الأشخاص والعائلات المحتاجة بمعدل ٤٠٠ ألف ليرة لكل عائلة، أي أن حوالى ٢٠٠ ألف عائلة يمكن أن تستفيد من هذا الدعم. وحسنا فعلت الحكومة بتسليم الجيش مهمة التوزيع وتأخيره، بعدما تبين أن اللوائح الموجودة "ملغومة" وأن بعض الأسماء إما غير موجودة أساسا أو لا تستحق المساعدة، فإحصاء المستحقين الحقيقيين يمهد لخلق قاعدة بيانية موثوقة ويمكن أن تغني الناس عن التزلم للزعماء والأحزاب. ماذا لو قررت الدولة تخصيص المبلغ نفسه شهريا للمستحقين بشكل مستدام وبغض النظر عن الوباء ومفاعيله؟ أي ماذا لو خصصت الدولة ٩٠٠ مليار ليرة سنويا أو حتى ألف مليار ليرة من موازنتها لدعم الناس مباشرة؟ هذا المبلغ هو أقل من ٥ بالمئة من مجموع إنفاق الدولة اللبنانية أي أقل بكثير من حجم الهدر وكلفة البيروقراطية ناهيك عن الفساد. الأهم في كل ذلك مفاعيل هذه المبالغ إجتماعيا وحتى إقتصاديا. أولا هي تقضي إلى حد كبير على نسبة الفقر المدقع في لبنان. تقديرات وزارة الشؤون الإجتماعية أن نسبة عدد الذين يرزحون تحت الفقر المدقع أي يعيشون بأقل من أربعة دولارات يوميا ستبلغ ٢٠ بالمئة هذا العام. هذه قنبلة إجتماعية موقوتة لا يمكن أن نتعايش مع مفاعيلها الإقتصادية والأمنية وكأنها غير موجودة. ثانيا ستدخل هذه الإعانات المالية في الإقتصاد مباشرة، فالذين سيحصلون عليها سينفقوها على شراء حاجياتهم الأساسية من غذاء وما شابه أي أن المبلغ سيدور في الإقتصاد ويساهم في خلق مداخيل للدولة من خلال الضرائب والحركة المالية في السوق. ثالثا سيخلق هذا الإستثمار الإجتماعي المباشر علاقة جديدة بين المواطن والدولة، بعيدة كل البعد عن التبعية الطائفية والحزبية والإستتباعات الإنتخابية لأن الدولة ستكون أكبر منفق قبل وخلال وبعد أي إنتخابات. وأخيرا سيخفف الدعم المالي المستدام من التفاوت الإجتماعي والطبقي ويعيد ولو بشكل نسبي إعادة توزيع الثروات في البلد، فالمقتدر والغني سيساهمان بنسبة أكبر في مداخيل الدولة وجزء من تلك المداخيل سيذهب إلى الفقير. 

النموذج اللبناني يعولم؟

معظم دول العالم اقرت مساعدات مباشرة لمواطنيها. تريليونات من الدولارات واليوروهات تسابقت الحكومات في إقرارها. ولكن الأساس في ذلك كان تخفيف وقع البطالة الناتجة عن الوباء ودعم الشركات الصغيرة والمتوسطة وحتى الكبيرة المتعثرة. كما أن الإجراءات المعلنة هي إقتصادية ومالية بحتة وبالتالي مؤقتة ولا يمكن لأي حكومة أن تتحملها نظرا لضخامتها. في حالة لبنان، الوباء كشف الواقع الإجتماعي ولكنه لم يكن في الحقيقة هو السبب. التراكمات الإجتماعية كثيرة وحلها لن يكون بحزمة مؤقتة مهما بلغ حجمها. المطلوب إجراءات إجتماعية مستدامة، وأول الغيث يمكن أن يكون قطرة الأربعمئة ألف ليرة لبنانية لإنها إذا بقيت يمكن أن تخلق قاعدة إقتصادية جديدة. الإستمرار بها بشكل منتظم هو نموذج حري بالتجربة. إذا نجح يمكن أن تتبعه كل دول العالم... هذا إذا كانت قد أخذت بعض الدروس من زلزال الوباء.