بقلم علي الحسيني
تلمع سماء بلدة الزبداني السورية ليلاً من شدة القصف الذي ينهار عليها بشكل مستمر من قبل جيش النظام السوري المدعوم بمقاتلي حزب الله الذين يحاصرونها من الجهات الاربع، فيما يسكنها الرعب نهاراً نظراً لخلوها من اي حركة وهو الوقت الذي يلجأ فيه المقاتلون الى وقت الراحة وتذخير اسلحتهم استعدادا لمعركة الليل.
موقع الزبداني
الزبداني هي مدينة ومصيف سوري من أقدم وأشهر المصايف العربية، تتبع لمحافظة ريف دمشق وتقع على مسافة 45 كم شمال غرب العاصمة وتحديداً على الجهة اليمنى من الطريق الدولي الذي يربط دمشق ببيروت وتمتد على سفوح جبال لبنان. وتحيط بالزبداني مجموعة من البلدات والقرى مثل: بلودان وبقين ومضايا وسرغايا، وينبع من جنوبها نهر بردى. كما تكثر فيها الينابيع وتتنوع فيها الثمار وأشجار الفاكهة من تفاح الزبداني والإجاص والخوخ والدراق والجوز والتين والعنب وغيرها. ويبلغ عدد سكان البلدة خمسين ألف نسمة تقريباً لكن لم يبقَ بداخلها سوى ثلاثة او أربعة آلاف بعدما نزح أهلها الى قرى وبلدات الجوار والبقاع اللبناني بعد تعرضها للحصار وجعلها هدفاً لصواريخ الحزب بعدما لجأ اليها الثوار وتحصنوا بداخلها.
أهمية الزبداني بالنسبة الى حزب الله
لا تقل الزبداني بالنسبة الى النظام السوري وحزب الله اهمية عن بلدة القصير السورية التي سقطت بيد الحزب منذ عامين تقريباً، وهي تعتبر مفتاح الاستقرار لريف دمشق الغربي والحدود اللبنانية ومعها ينتهي ربما الوجود الأخير او آخر تحصينات الجماعات المسلحة التي تصادمت مع مقاتلي حزب الله في أرياف حمص والقلمون، وانطلاقاً من هذه الاهمية لم يكن مفاجئاً لمتابعي الاحداث في سوريا وسير معاركها من توجيه حزب الله منصات صواريخه الى الزبداني بعدما اعتبر بأنه حقق إنجازاً نوعياً في جرود القلمون وعرسال وحصر المسلحين ضمن مناطق محددة يصعب عليهم التحرك بحرية بعدما ضيق الخناق عليهم. وضمن خريطة سيطرته على الحدود اللبنانية السورية يمضي الحزب في سياسة القضم على طول الحدود الشرقية رغم الواجهات الشرسة التي تتصدى على اكثر من محور داخل البلدة وعند حدودها لا سيما منها الغربية التي تعد من اقوى الجبهات وأكثرها صموداً.
تقييم حزب الله لمعركة الزبداني
مصادر عسكرية في حزب الله تؤكد لـ<الافكار> ان مجموعات الحزب التي أوكلت اليها مهمة تحرير الزبداني قد حققت منذ ثلاثة اسابيع ولغاية اليوم نجاحاً مهماً وتقدماً ملحوظاً داخل أحياء البلدة وعلى حدودها الاربعة من دون ان ننسى ان الزبداني تعتبر اليوم احد أبرز معاقل الجماعات المسلحة في مقدمها جبهة <النصرة> وما تبقى من <جيش الفتح>، وكنا قد سيطرنا قبل شهر رمضان على تلال عدة مشرفة على الزبداني كانت الجماعات المسلحة تستخدمها لتهديد مناطق قريبة من العاصمة دمشق.
لكن وبحسب المصادر نفسها فإنه رغم تسجيل كل هذه النجاحات العسكرية، ستبقى هناك خاصرة ما لم يتم اعداد العدّة لها، وستكون المعركة مفصلية قريباً لاقفال آخر المنافذ الحدودية مع سوريا على لبنان من جهة الحدود مع شبعا وقرى وادي التيم التي تعول عليها الجماعات المسلحة وتحديداً <جبهة النصرة> للنفاد الى لبنان، علماً ان المعركة هناك لن تكون على شاكلة المواجهات السابقة نظراً لوجود اسرائيل ضمن تلك المساحات والتي يمكن ان تلعب دوراً رئيسياً في المعركة من خلال دعمها للجماعات المسلحة.
لماذا اسقط حزب الله الاتفاق مع مسلحي الزبداني؟
قبل ان يفتح حزب الله معركة الزبداني كان هناك اتفاق ضمني شفهي بينه وبين النظام السوري من جهة وبين الفصائل السورية المسلحة الموجودة داخل الزبداني ينص على عدم شن اي هجوم على البلدة مقابل إبقاء خط الامداد الذي يصل المسلحين ببقية القرى والبلدات السورية لكن مع تعهد بعدم استهداف خط العاصمة دمشق بصواريخ وعدم قطع المياه عنها خصوصاً انه سبق للمسلحين ان هددوا بتفخيخ مجاري المياه. ولكن في الوقت عينه كان الحزب والنظام يعتمدان على سياسة القضم البطيء للمناطق الخارجة عن سيطرتهما حتى تمكنا من إسقاط بلدات بلودان ودوار الشلاح والوصول الى مشارف قلعتي التل والكوكو بالتزامن مع إقفال منافذ القلمون، وهنا ارتأى الحزب انه لم تعد هناك قيمة للاتفاق وبالتالي اصبح ضروريا بالنسبة اليه التخلص من <الشوكة> الاخيرة المزروعة على حدود مناطقه.
جاموس: الحملة لا تفرق بين المدنيين والعسكريين
عضو الهيئة السياسية في الائتلاف السوري بدر جاموس اكد عبر <الافكار> ان ما تشهده مدينة الزبداني بريف دمشق من حملة عسكرية شرسة تشنها قوات النظام وحزب الله عليها هو حرب إبادة بكل ما للكلمة من معنى، فهي لا تفرق بين منازل المدنيين والمواقع العسكرية وتستخدم فيها الأسلحة العشوائية كالبراميل المتفجرة وقذائف الهاون. وقال ان نظام الأسد قضى على كافة المعالم السياحية في مدينة الزبداني، والتي كان السياح يقصدونها كما أحمّل الحكومة اللبنانية مسؤولية ضبط حدودها مع سوريا>.
وتابع: على الرغم من الاستخدام المكثف للبراميل والألغام المتفجرة وغارات الطيران الحربي وإطلاق الصواريخ، خصوصاً من نوع <زينب> و<فيل> من المنصات التي نصبها الحزب، فلم يتمكن النظام وحزب الله من تحقيق تقدم داخل المدينة، رغم بعض الخروقات البسيطة التي تم التعامل معها بسرعة من جانب مسلحي فصائل المعارضة كافة، وهناك تراجع ملحوظ لقوات حزب الله والنظام في محيط حاجز الشلاح واستراحة الرئيس. وأضاف أن المهاجمين تكبدوا خسائر كبيرة على حواجز الشلاح والقناطر، وتمكن مقاتلو المعارضة من استعادة حي الجمعيات.
لن يدخلوا الا على جثثنا
أضاف: ان مقاتلي المعارضة في المدينة، وهم جميعا من ابناء المنطقة يخوضون معركة وجود ودفاع عن ارضهم واعراضهم ضد ما يعتبرونه محتلاً اجنبياً لذلك يستبسلون في الدفاع عنها وقد اقسموا الا يدخل الجيش او الحزب الا على جثثهم. وفي المقابل لا يملك مقاتلو الحزب مثل هذه الارادة، وتشير المكالمات الملتقطة بينهم عبر اجهزة اللاسلكي الى تراجع روحهم المعنوية وعدم ايمانهم بجدوى هذه المعركة التي كان الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله يريد منها، مجرد التباهي بنصر عسكري او حتى اعلامي قبل حلول يوم القدس في الجمعة الأخيرة من رمضان. وفي الختام شدد جاموس على ان المعركة طويلة ولا افق واضحاً لإنهائها طالما ان حزب الله يمعن بقتل الشعب السوري وهو تحول الى شريك للنظام السوري في ذبح الشعب، اهكذا تكافئ الزبداني التي اوت نازحي حرب لبنان واسرائيل؟ اهكذا يكافأ الاهالي الذين اخلوا بيوتهم وارضهم لاستضافة اهل الجنوب اللبناني؟
سلاح حزب الله في المعركة
كما هو بات معلوماً في حزب الله بأن قيادة الحزب العسكرية اصبحت تتعاطى مع المناطق السورية كل بحسب طبيعتها وجغرافيتها والفصائل المسلحة الموجودة في داخلها، ومن هذا المنطلق وعلى القاعدة نفسها تحضرت لمعركة الزبداني. يسلط حزب الله اكثر من عشرين راجمة صواريخ من عيار 106 و122 ملم باتجاه قرى الزبداني بالاضافة الى اكثر من عشرين منصة صواريخ من أنواع <بركان> و<فيل> و<كورنيت> وقد حشد لها اكثر من ألف عنصر استقدم معظمهم من على جبهات القلمون ومن عناصره الموجودة في جرود نحلة والقاع، وأردف هؤلاء العناصر بمئتين من الاحتياط ينتمون الى التعبئة العامة وسرايا المقاومة التابعة له، والجدير ذكره انه ومنذ اعلانه عن بدء معركة الزبداني سقط للحزب ما لا يقل عن خمسين عنصراً في اقل من ثلاثة اسابيع، وقد بثت على موقع <يوتيوب> منذ يومين أحاديث لعناصر من الحزب بين بعضهم عبر الاجهزة اللاسلكية تظهر حجم المآزق الذي يقعون فيه والخسارة في الارواح بالإضافة الى امتعاض العديد من العناصر من طريقة تصرف بعض المسؤولين معهم.
وسلاح الفصائل المسلحة
يجمع اهالي ريف دمشق على ان معظم سلاح الثوار في مناطقهم وتحديدا الثقيلة هي اسلحة مصنوعة يدوياً كالمدافع التي تطلق قارورات الغاز والعبوات والمقالع التي يستعلمونها لإرسال قنابلهم لمسافات بعيدة، لكن مقابل هذا كله لا بد من الاشارة الى ان لدى بعض الفصائل اسلحة غربية لا تقل شأناً عن تلك التي يستخدمها حزب الله وجيش النظام السوري مثل صاروخ <الكونكورس> الذي استخدم لأول مرة ضد تجمع لعناصر من الحزب في القلمون منذ شهر تقريباً وسقط للحزب يومئذٍ ما يقارب اثني عشر عنصراً. وفي هذا الصدد تقول معلومات من داخل الزبداني ان مجموع العناصر المقاتلة داخل البلدة لا يتجاوز الخمسمئة عنصر موزعون على ثلاثة فصائل هم: <جبهة النصرة> و<جيش الفتح> و<أحرار الزبداني> اضافة الى أعداد قليلة من تنظيم <داعش> لجأوا الى البلدة مؤخراً بعد فرارهم من القلمون.
وتقول المصادر: ان عناصر الثوار لا يفرطون برصاصهم وبقذائف <الار بي جي> التي توجد بكثرة لديهم الا في الحالات الصعبة لكي لا تنفذ ذخيرتهم خصوصاً وانهم باتوا شبه محاصرين من الجهات الاربع، ولذلك هم يعتمدون في حربهم على الكمائن وصد الهجمات من دون ان يعتمدوا سياسة التقدم في ظل غياب الدعم اللازم لهم من بقية المناطق. وعادة ما ينجح الثوار في نصب الكمائن لأسباب عديدة كونهم من ابناء البلدة ويحفظون طرقاتها ومتفرعاتها وأحياءها عن ظهر قلب، كذلك الأمر بالنسبة الى ابناء القصير الذين لجأوا الى الزبداني يوم سقطت بلدتهم، فهم اصبحوا من اهل البلدة بعد مرور اكثر من عامين على وجودهم فيها.
جبنة وبطيخ
أما في ما خص الطعام الذي يعتاشون عليه فهو الآخر يقع ضمن صمودهم خصوصاً في شهر الصيام، فمنذ يومين انتشرت صور لهؤلاء العناصر يظهرون فيها وهم يتحلقون حول وليمة إفطار افترشوها على الارض وكان الطبق الرئيسي والوحيد عليها الجبنة البيضاء والبطيخ الاحمر والاصفر وهو ما ناقض مزاعم البعض الذي يتحدث عن ثراء فاحش في صفوف المعارضين المسلحين. وتؤكد معلومات لـ<الافكار> ان معظم العناصر في الزبداني وبعد مرور شهر تقريباً على المعركة اصبحوا يعانون من الجوع ونقص في المواد الغذائية نتيجة الحصار اذ تحولت معظم وجباتهم الى ثمار خصوصاً وان الزبداني مشهورة بالتفاح واللوز والمشمش والكرز.
انعكاس حرب الزبداني على الداخل اللبناني
تماما وكما في كل مرة يخوض فيها حزب الله معركة جديدة في سوريا تحت عنوان جديد يجري على اساسها الاصطفاف الشعبي في لبنان بين مؤيد لها وبين معارض، لكن معركة الزبداني هذه المرة انتقلت الى الصفوف القيادية الاولى وتحديداً بين السيد حسن نصر الله والرئيس سعد الحريري. فمن على منبر قاعة سيد الشهداء في الضاحية الجنوبية اطل نصر الله في احتفال يوم القدس الاسبوع الماضي ليعلن ان <طريق القدس تمر في القلمــون والحسكة ودرعا وغيرها من المناطق، لأنــها اذا سقطت فإن القدس ستسقط، ودعا من راهــن مؤخراً على سقوط سوريا الى مراجعة حساباته لأن سوريا برأيه صامدة وستصمد وان من معها سيبقى معها>. لكن بعد يومين أطل الحريري من جدة خلال إقامة تيار <المستقبل> افطارات رمضانية في كل لبنان ليرد على كلام نصرالله بالقول <طريق فلسطين لا تمر عبر الزبداني ودمشق. أما الطريق من بيروت إلى طهران. نعم تمر عبر سوريا والعراق>.
ينقسم الشعب السوري الى فئتين: فئة مؤيدة للنظام السوري واخرى تؤازر الثورة وتحركاتها كافة، والغريب ان توجيه سؤال للفئة الأولى عن احوال سوريا يكون جوابه عادة، <ما في شي ابداً>، اما توجيهه للثانية فيكون الرد <سوريا تحترق>.