تفاصيل الخبر

هل تخرج الولايات المتحدة من مشاكلها الداخلية أقوى أو أضعف أو...لا تخرج أبداً؟

10/06/2020
هل تخرج الولايات المتحدة من مشاكلها الداخلية أقوى أو أضعف أو...لا تخرج أبداً؟

هل تخرج الولايات المتحدة من مشاكلها الداخلية أقوى أو أضعف أو...لا تخرج أبداً؟

بقلم خالد عوض

[caption id="attachment_78680" align="alignleft" width="379"] التظاهرات المستمرة في مدن الولايات المتحدة: خطر أكبر من الصين وروسيا على السيادة الأميركية[/caption]

هناك ثلاثة أسباب رئيسة لإنهيار القوى العظمى أو الإمبراطوريات. السبب الأول هو الضعف الإقتصادي والمالي الذي يؤدي إلى تراكم الديون وإستحالة السيطرة على مناطق نفوذ وجغرافيا واسعة. هذا كان السبب المباشر لإنهيار الإتحاد السوفياتي الذي تفكك عام ١٩٩٠. السبب الثاني هو الحروب الكبيرة مثل الحرب العالمية الأولى التي أنهت السلطنة العثمانية والحرب العالمية الثانية التي انهكت الإمبراطورية البريطانية. والسبب الثالث هو التحلل الداخلي والتململ الإجتماعي والإنقسامات العرقية والطائفية التي تؤدي إلى الإنقسام وضعف الدولة المركزية. الولايات المتحدة تعاني اليوم من الأسباب الثلاثة مجتمعة. دينها العام تجاوز هذا الأسبوع ٢٦ ألف مليار دولار واقتصادها يعاني من ركود غير مسبوق. كما أن حروب العراق وأفغانستان أنهكتها واستنزفتها من دون طائل خلال العقدين الأخيرين. وها هي اليوم تشهد تظاهرات ضد العنصرية لم تعرف مثلها منذ ستينات القرن الماضي وتعبر عن أزمة هوية حقيقية للشعب الأميركي.

المنافسة مع من؟

 من المبكر جداً إعتبار ما يحصل في أميركا اليوم بداية النهاية. فبالإضافة إلى الأسباب الثلاثة السابقة، هناك عامل مساعد مهم يساهم في إنهيار أي قوة كبيرة وهو وجود المنافس الجدي على زعامة العالم. الولايات المتحدة والإتحاد السوفياتي أخذا مكان بريطانيا بعد عام ١٩٤٥. أوروبا (بريطانيا وفرنسا) أزاحت العثمانيين. والولايات المتحدة هي أيضاً التي "ورثت" معظم نفوذ الإتحاد السوفياتي. اليوم تشخص العيون إلى الصين على أنها البديل القوي لقيادة العالم، وأن قوتها الإقتصادية المتعاظمة والتطور الصناعي والتكنولوجي الذي تشهده وانفلاشها من خلال حزام الحرير وحلفها الثابت مع روسيا، القوية عسكرياً ونووياً، كلها عناصر تؤهلها لقيادة العالم. ولكن الصورة الحقيقية للتنافس الأميركي الصيني ليست بالضرورة لصالح الصين، رغم كل المؤشرات التي تؤكد أن الولايات المتحدة في أزمة وجود حقيقية. فالأرقام الآتية من الصين لا تبشر بقدرة الدولة الأسيوية الكبيرة على تبوء العالم.

الصين وروسيا من دون...مؤهلات

[caption id="attachment_78681" align="alignleft" width="375"] الرئيس الأميركي "دونالد ترامب": كانت أميركا عظيمة قبله وستظل...بعده[/caption]

بسبب سياسة منع التكاثر أو ما سمي "سياسة الولد الواحد" (One Child Policy)  ستفقد الصين خلال الثلاثين سنة المقبلة حوالي ٢٠٠ مليون عامل وتضيف ٣٠٠ مليون مسن. العامل الصيني ينتج في الساعة قيمة مالية أقل بستة أضعاف من العامل في الولايات المتحدة. أكثر من ثلثي العمال في الصين لم يكملوا دراستهم الثانوية، وثلث العمال الصينيين لا يحصلون على التغطية الصحية اللازمة والاكتفاء الغذائي، بل يعانون من مشاكل صحية ومن تلوث البيئة التي يعملون فيها. جغرافياً، تعاني الصين من مشاكل حدودية مع أكثر من عشر دول، كما أن أكثر من تسع دول حولها تعاني من إضطرابات داخلية. كما أن منافذها البحرية من الشرق مليئة بالمشاكل مع اليابان. هذا المحيط الجغرافي مختلف تماماً عن محيط الولايات المتحدة الذي يسمح لها بالتحرك بحراً من دون أي قيود، كما أن كندا والمكسيك، رغم المشاكل الحدودية مع الأخيرة، هما أكثر إستقراراً من دول كثيرة محيطة بالصين. وبين المشاكل مع تايوان وهونغ كونغ ومع أكثر من عشرة ملايين مسلم من "الأويغور" في شمال غربها وفساد متأصل في دوائرها الحكومية، تبدو الصين بنظامها الحديدي غير قادرة على تحقيق الاستقرار الداخلي الضروري لتمكينها من قيادة العالم. كما أن وباء "كورونا" وما خلفه من أضرار أثر على مكانة الصين العالمية وخلق مشاعر مناهضة لها ولاستثماراتها حول العالم.

 أما الحلف مع روسيا ورغم أهميته الاستراتيجية فهو أكثر هشاشة مما يبدو. روسيا والصين تتشاركان أكثر من ٤٠٠٠ كيلومتر من الحدود وتتنافسان على النفوذ في مناطق كثيرة من الدول الممتدة بين أوروبا وآسيا أو "أوراسيا"، بل تبيع كل واحدة منهما السلاح لأعداء الأخرى في هذه المنطقة! وحتى روسيا التي تحاول فرض نفسها على بعض الساحات العالمية هنا أو هناك، فإن موازنتها الدفاعية هي أقل من عشرة أضعاف من موازنة البنتاجون واقتصادها هو أقل من الناتج المحلي لولاية نيويورك وحدها. كما أن عدد سكانها سيتضاءل أكثر من ٢٥ بالمئة خلال الثلاثين سنة المقبلة. ورغم بعض الأحلاف مع إيران وفنزويلا وسوريا تبقى روسيا شبه وحيدة مقابل أكثر من ستين حليفاً رسمياً للولايات المتحدة و٥٨٧ قاعدة عسكرية موزعة على ٤٢ بلداً حول العالم بالإضافة إلى التماهي العسكري مع حلف الناتو.

مئة عام أخرى

 للأسباب السابقة من الصعب الكلام عن عالم جديد بقيادة الصين أو حلف صيني- روسي يسيطر على العالم أو حتى مجموعة "البريكس" (البرازيل، روسيا، الهند، الصين، جنوب أفريقيا) التي يتناحر أعضاؤها فيما بينهم. لا تزال الولايات المتحدة تمثل ربع إقتصاد العالم ولم يتغير هذا منذ سنة ١٩٨٠، وأكثر من ٣٥ بالمئة من حجم الابتكار العالمي مع أن عدد سكانها لا يزيد عن ٥ بالمئة من سكان المعمورة . هي مركز لستمائة من أصل أغنى ألفي شركة في العالم ولخمسين من أصل أفضل مئة جامعة، وهي الدولة الوحيدة في العالم التي من المتوقع أن تنمو قوتها العمالية على مدار القرن الواحد والعشرين.

 لا شك أن ما يحصل في الولايات المتحدة اليوم من تململ إجتماعي تحت عناوين كثيرة والإنقسام الداخلي الذي سببه الرئيس الأميركي "دونالد ترامب" ويزيده كل يوم بتغريداته ومواقفه المتخبطة هي أخطار حقيقية تهدد "الإمبراطورية" الأميركية جدياً. ولكن بالنظر إلى حالة الصين ونظامها الدكتاتوري غير المستدام وتراجع فائضها التجاري بحدة مؤخراً وزيادة ديونها الداخلية إلى حدود قياسية، وفي حالة روسيا المتقهقرة وأوروبا العجوز سيبقى العالم، حتى إشعار آخر، تحت "الرعاية الأميركية" حتى لو تغير... شكلها.