تفاصيل الخبر

هل تقف الولايات المتحدة الى جانب لبنان في جعل الترسيم بحراً وبراً معاً؟

07/10/2020
هل تقف الولايات المتحدة الى جانب لبنان في جعل الترسيم بحراً وبراً معاً؟

هل تقف الولايات المتحدة الى جانب لبنان في جعل الترسيم بحراً وبراً معاً؟

[caption id="attachment_81729" align="alignleft" width="349"] الرئيس نبيه بري يعلن اتفاق الاطار للبدء بمفاوضات بين لبنان واسرائيل لترسيم الحدود البحرية في الاسبوع الماضي.[/caption]

 يعتقد المراقبون في بيروت، انه باعلان رئيس مجلس النواب نبيه بري الاسبوع الماضي اتفاق الاطار للبدء بمفاوضات بين لبنان واسرائيل لترسيم الحدود البحرية برعاية الامم المتحدة وبوساطة مسهّلة من واشنطن والتي من المفترض ان تحصل خلال الاسبوع المقبل، تعود الولايات المتحدة الاميركية الى الساحة اللبنانية من الباب الواسع، فيما اصيبت المبادرة الفرنسية التي رعاها الرئيس "ايمانويل ماكرون" بالترنح بعد تعثر تشكيل الحكومة العتيدة وتأجيل ذلك الى ما بعد الانتخابات الرئاسية الاميركية.... الا اذا اعيدت الروح الى هذه المبادرة بسحر ساحر وهي مسألة غير مضمونة بفعل الغموض الذي يكتنف مواقف الكتل النيابية الكبرى.

 واذا كان لا بد من مقارنة ما فهي تلك القائمة على الربط بين بدء المفاوضات لترسيم الحدود وبين تعثر المبادرة الفرنسية علماً ان ثمة من يرى ان "الثنائي الشيعي" هو الذي اسقط مبادرة "ماكرون" حين رفض التجاوب مع بنودها لاسيما تلك المتعلقة بالحكومة الجديدة وطريقة تشكيلها. وثمة من يرى ان "الثنائي" الذي عرقل مهمة "ماكرون" حكومياً، سهّل في المقابل عملية الترسيم مطلقاً بذلك يد الولايات المتحدة للتوسط بين لبنان واسرائيل لفض النزاع حول ترسيم الحدود وعلى امل الوصول بعد ذلك الى بدء التنقيب عن النفط والغاز في البلوك 9 من المنطقة الاقتصادية الخاصة المجاورة للحدود مع المياه الاقليمية للاراضي المحتلة. وكان الاتفاق داخل الثنائي على ان يعلن الرئيس بري الاتفاق للتدليل على ان التفاهم مع حزب الله قائم من دون اي لبس، على رغم ان الامين العام للحزب السيد حسن نصر الله تجنب الحديث عن هذا الموضوع في معرض "نعيه" للمبادرة الفرنسية حين اعلن عن ملاحظات حيالها.

 واللافت ان الاعلان عن اتفاق الاطار تأخر من شهر تموز (يوليو) الماضي تاريخ التوصل اليه، حتى أواخر شهر ايلول (سبتمبر) الماضي بناء على رغبة اميركية يقول البعض انها مرتبطة بتوقيت الحملة الانتخابية الرئاسية الاميركية التي يخوضها الرئيس "دونالد ترامب" ضد خصمه "جو بايدن" وان الحاجة ملحة الى تسجيل "انجازات" للرئيس "ترامب" يستثمرها في الانتخابات الرئاسية تماماً كما فعل بالنسبة الى الاتفاق بين اسرائيل ودولة الامارات العربية المتحدة، وبين الدولة العبرية ومملكة البحرين. صحيح ان "ترامب" لا يستطيع ان يحقق التطبيع بين لبنان واسرائيل، الا ان ثمة من "نصحه" بتسهيل امر التفاوض بين لبنان واسرائيل على ترسيم الحدود البحرية وهو ملف عالق منذ سنوات ويعود بالفائدة على لبنان واسرائيل معاً. ولتكرس الولايات المتحدة دورها في هذه المفاوضات فإن مساعد وزير الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الاوسط السفير "ديفيد شنكر" سيشارك في اول اجتماع يعقده الفريقان اللبناني والاسرائيلي برعاية الامم المتحدة ممثلة بالمنسق العام للامم المتحدة السيد "يان كوبيتش".

 واذا كان البعض لاحظ في "صمت" حزب الله حول كل ما يتصل بالمفاوضات حتى من خلال وسائل الاعلام التابعة للحزب او نوابه، فإن من يتتبع مسار التحضير للتفاوض يؤكد ان ثمة موافقة ضمنية حول الموضوع على ان يبقى الرئيس بري في الواجهة، علماً انه من الصعب على الحزب ان يعطل هذه المفاوضات في الظروف الراهنة وقد مارست قيادته سياسة "النأي بالنفس" او "الممانعة الايجابية" لئلا تتهم بأنها تعيق بدء المفاوضات للتنقيب عن النفط والغاز وبالتالي يخسر لبنان هذا المورد المهم الذي يفترض ان ينعش اقتصاده....ويلاحظ المراقبون تراجع لهجة الحزب حيال مسألة المفاوضات وهو يؤثر عدم التطرق اليها مع انه بات على قناعة منذ العام الماضي مع بدء تدحرج الوضع الاقتصادي والمالي نحو الهاوية بضرورة البحث عن المخرج الذي يتيح للبنان الافادة من ثرواته لعل "تفرمل" هذا الانهيار.

مفاوضات غير مباشرة

 وفي حين لوحظ ان الرئيس بري تحدث عن الترسيم البحري والبري للحدود، تحدث الاسرائيليون عن الترسيم البحري فقط وكذلك فعل الاميركيون، وإن كان وزير الخارجية "مايك بومبيو" ختم بيانه عن اعلان المفاوضات بحملة توحي بأن الترسيم البري سيكون ايضاً مطروحاً اذ قال بومبيو إنه "ادراكاً للتجربة الايجابية للآلية الثلاثية، تتطلع الولايات المتحدة ايضاً الى محادثات منفصلة على مستوى الخبراء لتحديد القضايا العالقة بالخط الازرق والتي تعد خطوة ايجابية اخرى لتحقيق الاستقرار الاقليمي".

 لقد بدا واضحاً ان وجهة نظر لبنان في موضوع الترسيم تختلف عن وجهة النظر الاسرائيلية لكن ذلك لا يمنع ان مفاوضات الترسيم ستتم وهي ستكون تقنية لأنه بحسب مصادر متابعة لمسألة الترسيم، فإن الموقف سيكون واضحاً في شأن المفاوضات غير المباشرة، والتي لا تعني البتة انها اعتراف باسرائيل او تمهد للتطبيع معها. فلبنان سيكون آخر بلد عربي يمكن ان يطبع مع العدو، ولن يفيد رهان البعض في الداخل او الخارج على تلك المفاوضات والترويج لها بخلاف الهدف المحدد والمرجو منها.

 وفي سياق متصل، تشير تلك المصادر الى ان لا ربط اطلاقاً بين المفاوضات غير المباشرة والمعادلات التي تكرسها المقاومة، وبمعنى اوضح ان تلك المفاوضات لن تمنع المقاومة من تنفيذ عملية الرد على استهداف احد عناصرها في غارة قرب دمشق في تموز (يوليو) الماضي، وان الرد كما اعلن وكرر نصر الله آت ولا  شيء سيمنعه، والدليل ان تل ابيب تأخذ ذلك على محمل الجد، ولا يزال جيشها في حال تأهب على الحدود مع لبنان وسط استمرار غياب الدوريات المؤللة والراجلة على طول الحدود الشمالية، في اشارة الى استمرار معادلة "على إجر ونص" التي اطلقها نصر الله قبل رد المقاومة على استهداف حي معوض في الضاحية الجنوبية لبيروت بمسيّرتين اسرائيليتين في 25 آب (اغسطس) من العام الماضي، ومن ثم رد المقاومة في الاول من ايلول (سبتمبر) من العام نفسه. اما عن توقيت الرد، فتجزم مصادر المقاومة بأنه رهن الميدان وقرار القيادة، وان لا اعتبارات اخرى تحكم هذا المسار.

اللجنة اللبنانية والعقبات

 في اي حال فإن تركيبة الوفد اللبناني الى المفاوضات تؤشر الى انها مفاوضات تقنية لترسيم الحدود، وهو سيضم العميد بسام ياسين، والعميد مازن بصبوص عن قيادة الجيش اللبناني، ورئيس الهيئة الناظمة لقطاع البترول وسام شباط والخبير نجيب مسيحي، اضافة الى عضوين آخرين يجري العمل على اختيارهما للمهمة الجديدة التي يشرف عليها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مباشرة من خلال حقه في التفاوض المكرس في متن المادة 52 من الدستور التي تنص على ان يتولى رئيس الجمهورية المفاوضة في عقد المعاهدات الدولية وابرامها بالاتفاق مع رئيس الحكومة ولا تصبح مبرمة الا بعد موافقة مجلس الوزراء وتطلع الحكومة مجلس النواب عليها حيثما تمكنها من ذلك مصلحة البلاد وسلامة الدولة، اما المعاهدات التي تنطوي على شروط تتعلق بمالية الدولة والمعاهدات التجارية وسائر المعاهدات التي لا يجوز فسخها سنة فسنة فلا يمكن ابرامها الا بعد موافقة مجلس النواب.

 ويستدل من هذه المادة ان كل من رئيس الجمهورية ومجلس النواب ومجلس الوزراء له دور في مسألة التفاوض ولو كان من خلال "الرقابة" المؤخرة، وبذلك نحفظ "خصوصية" التركيبة اللبنانية الفريدة التي لكل من مكوناتها الاساسيين دور، لأن كل مرحلة من مراحل التفاوض هي التي تفرض في عهدة من سيكون الملف. ويؤكد مطلعون ان غياب الحكومة، او وجودها في مرحلة تصريف الاعمال، لن يؤثر على انطلاق المحادثات التي يمكن ان تستمر لفترة طويلة، لاسيما وان "رحلة" ترسيم الحدود لن تكون نزهة لأنها مليئة بالافخاخ والمطبات ويفترض ان تركز على مروحة من النقاط الخلافية ابرزها ثلاثة :

أولاً: تحديد وتثبيت نقطة B1 على رأس الناقورة كأخر نقطة حدودية جنوبية للبنان على البحر.

ثانياً: النقطة الثلاثية للمياه الاقليمية التي تربط كل من لبنان وقبرص واسرائيل.

ثالثاً: تلاعب اسرائيل في خطها القاعدي عند صخرة "تيخالات 22" الاولى هي نقطة ما يعرف بــ B1 والنقطة الفاصلة للحدود البرية في الناقورة حيث كان يوجد الجيش الاسرائيلي قبل ان تصبح بعهدة الامم المتحدة. هذه النقطة يرتكز لبنان عليها لتحديد مياهه من المنطقة المتنازع عليها من البلوكات 8و9و10، اذ منها ينطلق عامودياً صوب البحر ويشكل حدود مياه لبنان الاقتصادية الخالصة في المنطقة المتنازع عليها وتحديد حصة لبنان المائية. ولذلك فإن اي تبديل في موقع الـــ B1 ولو بامتار قليلة يؤدي الى تعديل بكيلومترات مربعة في البحر، وبالتالي خسارة لبنان لمساحة كبيرة من المنطقة المتنازع عليها. والمسألة الثانية تحديد نقطة الحدود الثلاثية في عمق البحر بين كل من لبنان وقبرص واسرائيل وهي المنطقة التي تقاعست السلطات اللبنانية في تحديدها مع قبرص سنة 2007 ومئات الكيلومترات المربعة من منطقتنا البحرية. تبقى المسألة الثالثة وهي تلاعب اسرائيل في ترسيم خطها القاعدي بين رأس الناقورة ورأس حيفا حيث عمد الاسرائيليون الـــى تعريج هذا الخط ليمــر على صخرة صغيرة اسمهـــا "تيخالت" مساحتها اقل من ستين متراً مربعاً وغير مأهولة ولا تظهر على اي خريطة رسمية، وهذا تلاعب يعطي اسرائيل امتداداً اكبر لرسم منطقتها الخالصة صوب الشمال على حساب لبنان. اذاً، نقاط ثلاث تجعل المساحة الكاملة المتنازع عليها اكثر من 1700 كلم مربع اذا ما اخذت بحسب ما حاول الاميركي باختصارها بنقاط ثلاث ستمثل الاشكاليات الاساس على الطاولة في الناقورة!.