يعلق المراقبون السياسيون أهمية خاصة على العودة المرتقبة لرئيس تيار <المستقبل> الرئيس سعد الحريري خلال الأيام القليلة المقبلة الى بيروت بعد زيارته الأولى قبل اسابيع للعاصمة اللبنانية حاملاً معه هبة مليار دولار من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لدعم الجيش والقوى الأمنية اللبنانية في مواجهتها للإرهاب والإرهابيين، لاعتقادهم أنها ستؤشر الى أمرين ملحين: الأول قرب حصول الاستحقاق الرئاسي مع أواخر شهر أيلول/ سبتمبر الجاري، والثاني معاودة الحوار بين الرئيس الحريري وقيادة حزب الله للتفاهم على أمور كثيرة تحفل بها المرحلة المقبلة في لبنان، لاسيما بعد التقاء الطرفين على أهمية مواجهة الإرهاب والمسلحين المنتمين الى تنظيم <داعش> و<جبهة النصرة> ومن يشبههم...
وفيما اعتبرت مصادر معنية لـ<الأفكار> أن الزيارة المقبلة للرئيس الحريري لبيروت (الأرجح قبل 15 أيلول/ سبتمبر الجاري) قد لا تعني بالضرورة حصول الانتخابات الرئاسية، لأن <الطبخة لم تستوِ بعد> ولا تزال تحتاج الى المزيد من التشاور الإقليمي والدولي، إلا أن هذه الزيارة قد تحرّك من جديد العلاقات بين تيار <المستقبل> ورئيسه وحزب الله وأمينه العام السيد حسن نصر الله الذي قرّر مع قيادة الحزب اعتماد سياسة <اليد الممدودة>. وقد برز ذلك واضحاً في آخر اطلالة للسيد نصر الله قبل أسبوعين، والتي تبعتها <إطلالة توضيحية> لنائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم فرضتها المستجدات التي نتجت عن تداعيات أحداث عرسال ولا سيما مصير العسكريين اللبنانيين الذين احتجزهم تنظيم <داعش> و<جبهة النصرة>، والمطالب التي قُدّمت للمسؤولين اللبنانيين للإفراج عنهم.
القاسم المشترك مواجهة الإرهاب
وفي هذا السياق، أكدت المصادر نفسها أن تصاعد الخطر التكفيري وتمدده دفعا حزب الله الى إشهار الرغبة في إعادة الحوار مع <الفريق الآخر>، لاسيما تيار <المستقبل> وسائر مكونات قوى 14 آذار انطلاقاً من قاسم مشترك برز بإلحاح في الفترة الأخيرة وهو توحيد المواقف لمواجهة الإرهاب الذي انكشف وجهه بعد أحداث عرسال، رغم المؤشرات الواضحة التي كانت قد سُجلت منذ أحداث طرابلس وعكار قبل سنتين. ولا تقلل المصادر المعنية من أهمية الحوار السعودي - الإيراني الذي سُجل في الأسبوع الماضي بين نائب وزير الخارجية الايراني أمير عبد اللهيان ووزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل الذي أوحى بتحسن <مقبول> في المناخ الإقليمي تلقفه حزب الله في لبنان، فأطلق المواقف الراغبة في إعادة الحياة الى مجاريها - ولو على دفعات - بينه وبين تيار <المستقبل>، ومنه الى مكونات آذارية أخرى، وإن كانت الأولوية راهناً هي للحوار مع تيار <المستقبل> الذي يتأثر بالتوجه السعودي ويمكن أن يؤشر الى بداية <حلحلة> في القوة السياسية التي تواجهها الساحة اللبنانية.
وإذا كانت مواجهة الإرهاب هي العنوان الأبرز الذي قد يؤدي الى معاودة الحوار بين <التيار الأزرق> وحزب الله، فإن مصادر عملت سابقاً على خط التقارب بين الطرفين، أبلغت <الأفكار> ان النقاط التي يمكن أن تشكل مادة لحوار مرتقب تبدأ من مواجهة التكفيريين والالتفاف حول الجيش والمؤسسات الأمنية، وصولاً الى ضبط الخطاب التحريضي والابتعاد عن كل ما يمكن أن يثير الحساسيات المذهبية، على أن يصار لاحقاً، في ضوء التقدم الذي يمكن أن يتحقق حول هذه المواضيع، الى الولوج الى مواضيع خلافية أخرى عالقة. أما موضوع الاستحقاق الرئاسي، فإن المصادر الناشطة على خط التلاقي بين <المستقبل> وحزب الله، ترى انه قد يكون من المبكر الدخول فيه في المرحلة المقبلة ريثما يزول الاحتقان الذي لف العلاقات بين الطرفين، فضلاً عن ان الملف الرئاسي لا يزال موضع تشاور اقليمي ودولي ولم يصل بعد الى اتفاق يتطلب <إخراجاً لبنانياً> له، ومتى سُجل أي تقدم في هذا السياق، فإن الأرضية اللبنانية تكون جاهزة لترجمته في مجلس النواب. لكن الواضح ان معاودة الحوار بين <المستقبل> وحزب الله - متى حصلت - ستعني ان الطريق باتت سالكة للعبور الى المسائل الخلافية وأبرزها الملف الرئاسي.
<صقور> المستقبل> و<حمائمه>...
غير ان رغبة حزب الله في إطلاق مبادرة <الحوار والمصالحة> استناداً الى مواقف السيد نصر الله ونائبه الشيخ نعيم قاسم، تواجه داخل <المستقبل> معارضة قوية لاسيما من جناح <الصقور> الذي يعتبر أن التجارب الحوارية السابقة بين الطرفين لم تحقق نتائج ملموسة خلال الأعوام الماضية، وثمة خشية ان يتكرر الأمر نفسه في الآتي من الأيام، لذلك فإن أركان جناح <الصقور> داخل <التيار الازرق> يعتبرون ان فتح <بوابة> الحوار مع الحزب يفترض حسم بعض المواضيع العالقة وفي مقدمتها المشاركة في الحرب السورية، والتجاوب مع متطلبات المحكمة الدولية، والتجاوب في موضوع السلاح، لاسيما وان <ربط النزاع> الذي حصل بين <المستقبل> وحزب الله للمشاركة في حكومة الرئيس تمام سلام، استند الى هذه <الشروط> ولن يكون في الإمكان تجاهلها لإطلاق أي حوار جدي وفاعل بين الطرفين. إلا ان ثمة من يرى داخل تيار <المستقبل> ممن يوصفون بـ<جناح الحمائم> ان الظروف الراهنة والضغوطات التي نتجت لاسيما بعد أحداث عرسال والتخوف من اتساع رقعة المواجهة بقاعياً، تحتم تجاوز بعض المسائل التي لا يمكن حسمها حالياً والسعي الى التقاط الإشارات الإيجابية التي أتت من الرياض ومحاولة ترجمتها لبنانياً وصولاً الى إحداث ثغرة في جدار التواصل بين التيار والحزب، علّ ذلك يقود الى نتائج عملية ولو كانت تدريجية لأن المهم أن تبدأ رحلة الألف ميل... بخطوة واثقة وفاعلة. وحده الرئيس سعد الحريري يبقى القادر على ان يخطوها اذا ما قرر ذلك بعد عودته المرتقبة الى بيروت، لأن المناخ السعودي - الايراني تبدّل نسبياً الأسبوع الماضي خلافاً لما كان عليه الوضع بين الدولتين يوم عاد الحريري قبل ثلاثة أسابيع، إضافة الى ان مواجهة التطرف ودعاته ومناصريه لا يمكن ان يقتصر على فريق إسلامي واحد، بل يفترض أن يكون حصيلة توافق بين السنّة والشيعة على أهمية درء الفتنة وخنقها في مهدها، وما حصل في عرسال يوم 2 آب/ اغسطس الماضي وكاد أن يتكرر الأسبوع الماضي، يدفع في اتجاه استشعار الخطر الداهم والنهوض لمواجهته، والمثل يقول: <يد واحدة لا تصفق>!