تفاصيل الخبر

هل تحقّقت نبوءة «كوندوليسا رايس» بولادة شرق أوسط جديد... لكن بالمقلوب؟!  

09/10/2015
هل تحقّقت نبوءة «كوندوليسا رايس» بولادة  شرق أوسط جديد... لكن بالمقلوب؟!   

هل تحقّقت نبوءة «كوندوليسا رايس» بولادة شرق أوسط جديد... لكن بالمقلوب؟!  

بقلم جورج بشير

condoleeza-rice الشهادة التي أدلى بها الجنرال الأميركي المسؤول عن تطبيق سياسة تدريب المنضوين تحت لواء المعارضة المعتدلة في سوريا، هذه الشهادة التي استمعت إليها اللجان المختصة في الكونغرس الأميركي كانت بمنزلة الشعرة التي قصمت ظهر البعير، والذريعة التي كان ينتظرها الكرملين وقيصره <فلاديمير بوتين> ليتخذ القرار <بتلبية> طلب الرئيس السوري بشار الأسد بالتدخل العسكري في سوريا والمشاركة مع دول التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأميركية بضرب المنظمات الإرهابية ومواقعها في سوريا>...

المسؤول العسكري الأميركي الكبير الذي مثل أمام الجلسة المشتركة للجان الكونغرس الناظرة بالملف السوري والدور الأميركي في مكافحة الإرهاب والإرهابيين يحتل مركزاً مرموقاً في وزارة الدفاع الأميركية - البنتاغون - وهو برتبة جنرال شارك في التخطيط لحرب العراق وفي عمليات تدريب معارضي النظام الإيراني، كما أشرف على عملية تخطيط وتنفيذ مشروع تدريب وتسليح المعارضين المعتدلين السوريين، هذا المشروع الذي أعلن عنه الرئيس الاميركي <باراك أوباما> بحماسة بالغة ورُصدت لتنفيذه مبالغ كبيرة (500 مليون دولار)، كما أُعلن في حينه ومن ثم تبيّن للجان الكونغرس نتيجة شهادة المسؤول العسكري الأميركي الكبير الذي لم يكن يتحدث باسمه بل باسم <البنتاغون> وفقاً لمعلومات دقيقة اعتبرها الشيوخ والنواب الأميركيون الذين استمعوا إليه، وبعدهم اعتبرتها الصحافة الأميركية، فضيحة لكون هذه المبالغ أُنفقت على تدريب 27 معارضاً اعتبُروا من المعتدلين، وما أن انتهت فترة تدريبهم وزوّدوا بالأسلحة الأميركية المتطورة وأُرسلوا الى الاراضي السورية عبر الحدود التركية وغيرها من الحدود المفتوحة مع سوريا حتى تبين للإدارة العسكرية الأميركية أن هؤلاء ما أن دخلوا الأراضي السورية حتى التحقوا بتنظيم <جبهة النصرة> المُعتبَر من الأميركيين والأوروبيين تنظيماً إرهابياً...

كيف تلقّفها <بوتين>؟

 

على أثر الضجة التي أثارها كلام المسؤول العسكري الأميركي... في الكونغرس وفي الأوساط العالمية، وخاصة لدى الرأي العام الأميركي ووسائل الإعلام، تلقّف الرئيس الروسي <فلاديمير بوتين> المناسبة وانقضّ بطائراته الحربية المتطوّرة على مواقع التنظيمات المُعتبرة إرهابية وخاصة <داعش> و<جبهة النصرة> و<جند الشام> و<أحرار الشام> و<الجيش الحرّ> و<تنظيم القاعدة>، وذلك بعد أن اتخذ الخطوات الاحترازية بإعلام واشنطن والدول المجاورة لسوريا والدول المشاركة في الائتلاف الدولي بزعامة أميركا لمحاربة الإرهابيين، بأن روسيا قرّرت <القيام بدورها على هذا الصعيد، بضرب مواقع الإرهابيين في سوريا تلبية لطلب رسمي مقدّم  إليها من الرئيس السوري بشار الأسد وحكومته>. وفي رسالة <بوتين> هذه الى أميركا والحلفاء أن ما سيقوم به الجيش الروسي داخل سوريا ليس بمنزلة تدخّل عسكري خارجي منفرد في شؤون دولة أخرى عضو في الأمم المتحدة، بل تلبية لدعوة من سلطة شرعية مُعترف بها وعضواً في الأمم المتحدة هي السلطة السورية... وفي رسالة <بوتين> هذه إشارة أخرى أثارت حفيظة الغرب وعدداً من الدول ما مفاده <أن روسيا تلبّي دعوة الرئيس الشرعي لسوريا، أي الرئيس بشار الأسد> مما اعتبره الأميركيون وبعض الأوروبيين والدول العربية تحدياً لمواقفهم المُعتبرة ان الرئيس الأسد لم يعد رئيساً، وأن لا دور له في نظرهم في رسم وتقرير المصير السوري والحل السياسي للأزمة السورية، وأن عليه في نظرهم أيضاً الرحيل عن الرئاسة...

هذا هو الموقف الأميركي، وبعض الموقف الأوروبي والعربي، وإن يكن الرئيس الأميركي <أوباما> وعدد من الزعماء الأوروبيين قد أبلغوا الرئيس الروسي <بوتين> في اجتماعات القمة التي عقدوها معه على هامش الدورة العادية للجمعية العمومية للأمم المتحدة في الأسبوع الماضي، عدم اعتراضهم، لا بل ترحيبهم بمشاركة روسيا بدور عسكري في الحرب على الإرهاب والإرهابيين في سوريا والعراق، هذه الحرب التي تشنّها أميركا ودول الائتلاف جواً ضد الإرهاب ولم تحقق نتائج مرجوّة لأن الغارات الجوية التي قامت بها طائرات دول التحالف والطائرات الأميركية بدلاً من أن تضعف قوة الإرهاب وتقلّص وجود الإرهابيين، كانت لهؤلاء بمنزلة الدعم لمزيد من عملياتهم ولمناطق انتشارهم من حيث توسّع عمليات هذا الانتشار ولتوفير المزيد من الدعم المالي واللوجستي لهم، حتى ان الانتقادات للغارات الأميركية لم تقتصر على الدول الأوروبية وتلك المشاركة في الائتلاف الدولي لمحاربة الإرهاب، بل تعدتها الى داخل المجتمع السياسي والإعلامي الأميركي... وافتتاحيات  الـ<واشنطن بوست> والـ<نيويورك تايمز> و<لوس أنجلوس تايمز> وتقارير مراسيلهم إضافة الى تقارير وافتتاحيات صحف بريطانية وفرنسية كانت واضحة على صعيد انتقاد الحرب على الإرهاب فقط من الجو، وتجاوزتها الى انتقادات وُجّهت بقساوة الى داخل الكونغرس الأميركي.

إرهاب بسمنة وإرهاب بزيت؟!

putin-hollande 

ما أن بدأ الطيران الحربي الروسي بشن غاراته الجوية على مواقع التنظيمات الإرهابية داخل سوريا، حتى ارتفعت أصوات الاحتجاج من أميركا، خاصة من الرئيس <أوباما>، ومن بعض العواصم الأوروبية والعربية وتركيا واسرائيل، معتبرة أن الغارات الروسية أصابت تنظيمات مسلحة في سوريا، مُعتبَرة من المعارضة للنظام السوري، وخاصة من المعارضة المعتدلة، مما أصاب <بوتين> والقيادة الروسية بذهول، كون دول الغرب وأميركا بالذات، سبق لها ووجهت الانتقادات اللاذعة الى المعارضين السوريين واعتبرتهم منتهي الصلاحية لعدم فاعليتهم أمام تحوّل معظم الذين سلّحتهم دول الغرب وأميركا وبعض الدول العربية وموّلتهم وأمّنت لهم الدعم اللوجستي بكل أشكاله، بما فيه تسهيل وصول المقاتلين من جميع الدول وخاصة من الشيشان وأوروبا وأميركا عبر تركيا والأردن ولبنان، وأمّنت لهم التغطية العسكرية والأسلحة والغطاء السياسي والديبلوماسي، ورعت المؤتمرات الدولية لدعمهم في أميركا (نيويورك، وواشنطن، ولندن، وباريس، واسطنبول، وأنقرة، والدوحة، والرياض، والقاهرة) ولم يثبتوا وجودهم بل ذابوا بمعظمهم في تنظيمات اعتبرها الغرب إرهابية خطيرة مولودة من رحم تنظيم القاعدة، مارس المنضوون تحت لوائها جرائم قطع الرؤوس والاغتصاب والإعدام بالجملة والتهجير ومصادرة الأملاك، خصوصاً في صفوف المسيحيين العرب والأكراد وحتى المسلمين من سنّة وشيعة ويزيديين ودروزاً وصلت قوافل النازحين واللاجئين منهم الى الدول الأوروبية والأميركية، فيما الدول العربية المعنية أكثر من غيرها بهؤلاء المواطنين العرب الأشقاء تمنع عنهم سمات الدخول أو الإقامة، ويمارس الجميع الصمت والتفرج على لبنان وهو يكتوي وحده بنار التهجير والنزوح واللجوء، ولا أحد يقول له: <ما أحلى الكحل بعينيك>... فيما الدول الأوروبية جميعها تتلوّى محتارة أمام وصول 250 ألف نازح سوري إليها عن طريق البحر...

السؤال المطروح اليوم بعد دخول روسيا الحرب على الإرهاب في سوريا والعراق عملياً، هو: هل ان المنطقة تشهد ولادة شرق أوسط جديد؟

لا شك بأن الدخول الروسي بهذه الكثافة والقوة في الحرب على الإرهاب وبـ<موديل> جديد أصاب بعض الدول الأوروبية واسرائيل وتركيا بامتعاض كبير لأن الغارات الروسية لم تفرّق بين تنظيم إرهابي وآخر، ولم تعتبر أن هنالك إرهاباً بسمنة وآخر بزيت، بل انها وضعت الجميع في سلة واحدة، مما دفع بأميركا والغرب الى اعتبار أن <الدب الروسي> لم يكتفِ بالتمدّد الى شاطئ المتوسط في سوريا، بل إنه أمّن عبر عملياته العسكرية دعماً قوياً للجيش السوري التابع للنظام وللرئيس الأسد، وهذا ما أقضّ مضاجع العاصمة الأميركية وبعض العواصم الأوروبية والعربية التي تُناهض الرئيس الأسد ونظامه وتُصرّ على المطالبة بتنحّيه عن المشاركة في أي دور مستقبلي في سوريا.

العاصمة الروسية تقول وتعلن بأن الزعماء الأميركيين والأوروبيين رحّبوا سلفاً بمشاركة روسيا في الحرب على الإرهاب، ثم بدأوا بعد الغارات الأولى بالانقلاب عليها، خصوصاً الرئيس الفرنسي <فرانسوا هولاند>، هل لأسباب تعود الى وعد قُطع لبلاده بعقد صفقة سلاح معها بـ200 مليار دولار؟! ولعلّ الأخطر من كل هذا في نظر الدول الغربية وأميركا، وحتى دول عربية، هو إمكانية دخول إيران بقوات جوية وحتى برية في الحرب على الإرهاب من الباب العراقي كردّ مباشر على الحرب التي شُنّت على اليمن من دول التحالف بقيادة السعودية، وهذا هو بيت القصيد في بداية الشرق الأوسط الجديد وبتحقّق نبوءة <كوندوليسا رايس>، لكن بالمقلوب...