تفاصيل الخبر

هل تفرض مرحلة ما بعد اغتيال سليماني والمهندس الانتقال الى حكومة ”تكنوسياسية“ لمواكبة ”المواجهة“؟

09/01/2020
هل تفرض مرحلة ما بعد اغتيال سليماني والمهندس الانتقال الى حكومة ”تكنوسياسية“ لمواكبة ”المواجهة“؟

هل تفرض مرحلة ما بعد اغتيال سليماني والمهندس الانتقال الى حكومة ”تكنوسياسية“ لمواكبة ”المواجهة“؟

 

إذا كانت الحياة السياسية اللبنانية في مرحلة ما بعد 17 تشرين الأول (أكتوبر) غير تلك التي كانت قبل هذا التاريخ، فإن لبنان والمنطقة بعد تاريخ 2 كانون الثاني (يناير) 2020 يوم اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني اللواء قاسم سليماني ونائب رئيس الحشد الشعبي في العراق أبو مهدي المهندس والرد الايراني بقصف قاعدة عين الاسد الاميركية في محافظة الانبار العراقية، سيكونان غير ما كانا عليه قبل هذا التاريخ. وإذا كان بالإمكان تحييد لبنان قبل جريمة الاغتيال المزدوجة التي نفذتها الولايات المتحدة الأميركية قرب مطار بغداد، والتفرغ بالتالي لحل مشاكله الداخلية وفي مقدمها الأزمة الحكومية، فإن هذا التحييد لن يعود ممكناً خصوصاً بعد الدعوة التي أطلقها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في الدول العربية عموماً، ودول الخليج خصوصاً إضافة الى العراق مسرح الجريمة.

المنطقة دخلت إذاً في حالة جديدة تستوجب مقاربة جديدة للتعاطي السياسي مع تداعياتها، لاسيما ان ما كان ممكناً حكومياً قبل اغتيال سليماني والمهندس قد لا يكون متاحاً أمام لبنان بعد الاغتيال في وقت وصلت فيه الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والمالية في البلاد الى الخط الأحمر وتكاد تتجاوزه إذا ما استمرت المعالجات غائبة وحالة التسيب مسيطرة. من هنا كانت الدعوة الى إعادة قراءة المشهدين الاقليمي والدولي ومدى انعكاسهما على الساحة اللبنانية وتحديداً على الأزمة الحكومية التي كانت متعثرة نسبياً قبل الاغتيال بسبب عدم التوافق على تركيبة حكومية متجانسة ومقبولة تحت عنوان <الاختصاصيين> و<المستقلين>، علماً ان من بين الأسماء التي تناقلتها وسائل الإعلام من هم <غير مستقلين> لاسيما أولئك الذين سمتهم الأحزاب والكتل النيابية الكبيرة، إضافة الى ان المرشحين الاختصاصيين رشحوا لوزارات من غير اختصاصهم الأمر الذي حرك ردود فعل من بعض الأطراف أخّرت عملياً ولادة الحكومة الى أجل غير مسمى، بعدما كانت الولادة مرشحة قبيل عيد الميلاد لدى الطوائف الأرمنية أو بعده مباشرة.

ولعل الدخول في التفاصيل يظهر ان الرئيس المكلف حسان دياب <أخذ وقته> في إجراء مقابلات ولقاءات مع <المرشحين> الذين أرسلوا سيرهم الذاتية إليه مباشرة أو الى أصدقائه وعدد من معاونيه الذين يتشاور معهم لاستمزاج آرائهم، في وقت يفترض أن يتم هذا التشاور مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، الشريك في تشكيل الحكومة منذ اللحظة الذي فرض فيها الدستور ذلك، أو مع رؤساء الكتل من دون أن ينتقص ذلك من دوره ومن مسؤولياته الدستورية. وقد بدا واضحاً من خلال <المشاورات> التي أجريت ان ثمة خللاً في مقاربة التوزيع الوزاري سواء من حيث الحقائب أو من حيث الأشخاص خصوصاً في الوزارات الحساسة والأساسية وهي الخارجية والداخلية والدفاع، طالما ان الوزارة السيادية الرابعة، أي وزارة المال، حُسمت منذ اللحظة الأولى للرئيس نبيه بري وحركة <أمل> الذي اختار لها الخبير الاقتصادي غازي وزني الذي لم يلق اعتراضاً من أحد. أما في ما خص وزارة الخارجية التي يفترض أن تعكس سياسة الدولة الخارجية التي يقررها رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء معاً، فقد تمسك الرئيس المكلف بتسليمها الى الوزير السابق دميانوس قطّار الاختصاصي بالاقتصاد والمال، الأمر الذي اعترض عليه الرئيس عون والوزير جبران باسيل الذي سلم الرئيس المكلف لائحة ضمت عدة أسماء من بينهم سفراء سابقين من ذوي الخبرة ليختار أحدهم، لكن الرئيس دياب تمسك بخياره فتجمدت التشكيلة...

من الدفاع والداخلية!

وما يقال عن الخارجية، يقال أيضاً عن حقيبة الدفاع التي يفترض أن تكون كلمة الرئيس عون في اختيار وزيرها أساسية وضرورية، إلا ان الواقع لم يكن كذلك، إذ قدم الرئيس دياب أسماء لم ترض رئيس الجمهورية ما دفع الى تقديم بدائل ظلت مجمدة في انتظار حل عقدة وزارة الخارجية. وفي الإطار نفسه كانت حقيبة وزارة الداخلية موضع تجاذب والخيارات الخاصة بها لم تكن على المستوى الذي يميز هذه الوزارة التي تتحكم بالبلاد كلها من خلال المديريات العامة التي تتألف منها، الأمنية والادارية والبلدية وغيرها. وهنا أيضاً بدا ان الرئيس دياب ارتبك في الخيارات، فهو تارة رشح ضابطاً سابقاً من منطقة عكار، وتارة أخرى آثر تسليم الوزارة الى قاض متقاعد سرعان ما استهدف بحملات جعلت البحث عن بديل له أمراً حتمياً. وعند تكاثر أسماء المرشحين بدأت المفاضلة بينهم صعبة فكان التريث سيد الخيارات. وما قيل عن الوزارات السيادية الثلاث، قيل أيضاً عن الوزارات الخدماتية التي تبدلت أسماء المرشحين لها بين ليلة وضحاها، ولاسيما وزارات الطاقة والمياه والأشغال العامة والنقل والصحة والاتصالات وغيرها. وحدها وزارة البيئة <تغنج> عليها جميع رؤساء الكتل والأحزاب هرباً من ملفاتها الصعبة وفي المقدمة ملف النفايات والكسارات الذي سيبقى مفتوحاً على اللاحلول...

قد تكون <استعانة> الرئيس المكلف بـ<الكتمان> خياراً حميداً لاسيما في الظروف الراهنة، إلا ان مسألة الخبرة في مقاربة الملفات السياسية الحساسة من مثل تشكيل الحكومات، تبقى أساسية في الحياة السياسية اللبنانية، وهو أمر لا يبدو ان ثمة من يعتبره كذلك في محيط دياب بدليل ما يحصل من تبدلات وتغييرات لا ترتكز على معايير واحدة ونهائية، بل تتبدل تبعاً لاعتبارات تزيد من غموض الخيارات وبالتالي القرارات. ويقترن هذا الموقف مع كلام يصدر عن محيط الرئيس المكلف بأنه هو من يشكل الحكومة وليس غيره، وتحديداً الوزير باسيل، وانه ــ أي دياب ــ يتشاور في شأنها مع الرئيس عون الذي كان <نصح> الرئيس المكلف بالتشاور أيضاً مع رؤساء الكتل النيابية الكبيرة التي يفترض أن تمنح الثقة في مجلس النواب للحكومة العتيدة، ومن بين رؤساء هذه الكتل، الوزير باسيل الذي حرص على ابلاغ المعنيين بأنه يقدم كل التسهيلات للرئيس المكلف ويريده أن ينجز التشكيلة الحكومية في أسرع وقت ممكن ولو تطلب الأمر تجاهلاً لوجهة نظر <التيار الوطني الحر> في التركيبة الحكومية.

وخلال اللقاء الذي جمع الرئيس عون بالرئيس المكلف يوم زاره في أول يوم من السنة الجديدة لتهنئته بحلول العام 2020، سعى رئيس الجمهورية الى <إراحة> الرئيس المكلف من خلال تشجيعه على اختيار وزراء اختصاصيين لكنه لفته الى ان الاختصاص مهم، لكن الخبرة مهمة ايضاً، ومعها القدرة، على تدوير الزوايا في بلد مثل لبنان يحتاج الى جانب الكفاءة، نظافة الكف والإلمام بخصوصية الحياة السياسية اللبنانية ومقاربة المشاكل التي تواجه الوزراء عادة، بواقعية وإلمام ليس في اختصاص الوزارة وحسب، بل بالعمل داخل مؤسسة مجلس الوزراء التي تجسد السلطة التنفيذية.

تداعيات اغتيال سليماني والمهندس!

 

وفيما كانت الاستعدادات قائمة للوصول الى صيغة حكومية مقبولة، أتت جريمة اغتيال سليماني والمهندس والرد عليها من قبل الايرانيين لتترك تداعياتها على المشهد الحكومي وإن كان ذلك بصورة غير مباشرة، ما دفع الى الحديث عن ضرورة إجراء عملية مراجعة لجدوى الصيغة الحكومية المطلوبة وما إذا كانت تتناسب مع التطورات الأخيرة ومتطلباتها. وثمة من رأى ان القراءة لا تقف عند مستوى التشكيلة الحكومية وأولوياتها الداخلية، وانما تنسحب أيضاً على الرئيس المكلف نفسه ومدى قدرته على مواجهة التحديات الداهمة خصوصاً وان تسميته أتت من فريق سياسي من لون واحد، إضافة الى عدم حصوله بعد على دعم من طائفته ولاسيما مرجعيتها الدينية أي دار الفتوى. وتسجل الجهات المعنية بالملف الحكومي عدم حصول الرئيس المقبل على دعم من <الحراك الشعبي> الذي استعاد بعد الأعياد زخمه في التحرك والتجمع خصوصاً أمام دارة الرئيس دياب يومياً مطالباً باعتذاره. أما القبول الدولي بترؤس الرئيس دياب للحكومة العتيدة، فلا زال خجولاً جداً لا بل شبه غائب، في وقت يطالب فيه المجتمع الدولي بحكومة يكون برنامجها واضحاً يرتكز على النأي بالنفس والتفرغ لمعالجة المشاكل الداخلية.

ويضيف المراقبون، ان هذه المعايير الحكومية لم تعد تصلح مع دخول البلاد محوراً في المواجهة المرتقبة بعد اغتيال سليماني والمهندس، ما يفرض تغييراً في الشكل والمضمون، لأن صدور الحكومة بطبيعتها السابقة لن يترك الأثر الذي يسعى إليه المنادون بتغيير حقيقي على مستوى ادارة شؤون الدولة، وهذا التغيير سوف يقود حتماً الى أحد أمرين: الأول تمرير الحكومة كما هي بوزرائها الاختصاصيين و<المستقلين> ــ من حيث المبدأ لا الفعل ــ ما يمكن أن يعرضها للسقوط في مجلس النواب أو حصولها على ثقة هزيلة تربكها وتجعلها قاصرة على القيام بالمهام المطلوبة منها في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ لبنان. أما الأمر الثاني فهو العودة الى صيغة التكنوسياسية بحيث تضم وزراء سياسيين يؤمنون التغطية السياسية اللازمة للوزراء الاختصاصيين وللحكومة ككل خصوصاً في هذا الظرف الذي تبدو فيه المواجهة الاقليمية حتمية وان بنسب متفاوتة، علماً ام مثل هذا الخيار سيلقى دعم كل الأحزاب السياسية والكتل النيابية الكبيرة التي بدأت تستشعر دقة المرحلة بعد اغتيال سليماني والمهندس ودخول المنطقة كلها في واقع سياسي وأمني جديد، على رغم الحديث عن أن لبنان سوف يبقى بمنأى عن الردود المتوقعة لجريمة الاغتيال المزدوجة.

إلا ان ثمة من يرى ان الرئيس دياب قَبِل تشكيل الحكومة على أساس انها ستكون حكومة اختصاصيين <مستقلين> وبالتالي فهو سوف يعتذر عن تشكيل حكومة بهذه المواصفات التكنوسياسية. لكن الذين يعرفون الرئيس المكلف يؤكدون انه لن يتخلى عن الرئاسة الثالثة وانه سيتكيف بالتالي مع التطورات ويقتنع بأن الظروف التي أتت به رئيساً مكلفاً لحكومة اختصاصيين، تبدلت الآن في المنطقة ولا بد أن يتحمل مسؤوليته ويكمل مسيرة الانقاذ التي قبل السير بها لأنه بذلك لا يكون قد غيّر قناعاته، بل تجاوب مع الواقع المستجد وتكيّف معه بدعم من الكتل النيابية التي اختارته!