في الوقت الذي أنجزت فيه الترتيبات الإدارية والرسمية لتسييل هبة المليار دولار التي قدمها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز الى القوى المسلحة اللبنانية لتمكينها من مواجهة الارهاب، وأوكل الى الرئيس سعد الحريري مهمة صرفها بالتنسيق مع الحكومة اللبنانية، بدا أن هبة الـ3 مليارات دولار التي قدمها العاهل السعودي منذ أقل من سنة لتمويل شراء معدات وأسلحة وتجهيزات عسكرية للجيش اللبناني من فرنسا، <لا معلقة ولا مطلقة> وسط حديث متضارب حول مصيرها يراوح بين التفاؤل بالبدء بتنفيذها بعد التوقيع النهائي عليها، وبين التشاؤم بـ«تجميدها» ريثما تتبلور معطيات معينة نتجت عما تردد عن عراقيل وضعت في طريقة التنفيذ وأخرى في نوعية السلاح الذي ستموّل الهبة شراءه، فضلاً عن عدم حسم الكلام الكثير الذي يتردد في باريس وبيروت عن عمولة قدرها 500 مليون دولار أميركي يُفترض أن تُدفع لـ<مستفيدين> من صفقة التسلح التي ينتظرها الجيش اللبناني منذ ما يزيد عن سبعة أشهر.
وإذا كانت الجهات المعنية اللبنانية والفرنسية والسعودية قد <أجادت> في تقاذف تُهم التأخير في تلبية الطلبات العسكرية اللبنانية الملحة، فإن المواقف التي صدرت عن الرياض وباريس، مباشرة أو مداورة، قابلها استمرار الصمت اللبناني حول هذه المسألة باستثناء معلومات تسرّب من حين الى آخر عن اجتماعات تُعقد هنا وهناك من المقرات الرسمية والوزارية للبحث في كيفية المباشرة بتنفيذ التسلح المطلوب، لاسيما وان قيادة الجيش وضعت اللوائح النهائية للمعدات والتجهيزات التي ترغب في الحصول عليها لتمكينها من تفعيل أداء الجيش وتعزيز عتاده بالمعدات والتجهيزات العسكرية المتطورة من دون تجاوز <الخطوط الحمر> الموضوعة إقليمياً ودولياً لتسليح الجيش على خلفية الموقف الإسرائيلي الرافض لتزويد الجيش بـ<سلاح نوعي> يشكل <خطراً> على العدو لاسيما في المجال الجوي ومنصات الصواريخ البعيدة المدى وغيرها من الأسلحة <المحظور> اسرائيلياً على لبنان الحصول عليها!
وفيما عبّر قائد الجيش العماد جان قهوجي بعد أحداث عرسال الدامية عن افتقار الجيش الى المعدات المطلوبة لمواجهة تمدّد الإرهابيين لاسيما طائرات الهليكوبتر القتالية التي كان لبنان قد أعطاها الأولوية في اللائحة التي قدمها الى الجانب الفرنسي واقترنت بموافقة السعوديين، بدا أن الاتصال الذي أجراه العماد قهوجي مع وزير الدفاع الفرنسي <جان ايف لودريان> لتسريع تنفيذ الاتفاق الفرنسي - السعودي لدعم الجيش قد أعطى ثماره، إذ أكدت مصادر ديبلوماسية معنية لـ<الأفكار> ان باريس راجعت القيادة السعودية للإسراع في إنجاز العقد وانها - أي باريس - لقيت ردود فعل إيجابية إذ تسارعت الخطى في إنجاز مفاوضات حول بنود العقد التقني بحيث يمكن تسليم دفعة من المعدات الفرنسية بعد إنهاء توقيع العقد عندما يزور ولي العهد السعودي الأمير سلمان بن عبد العزيز فرنسا في الأول من أيلول/ سبتمبر المقبل. وحرصت هذه المصادر على التأكيد أن ثمة معدات جاهزة للتسليم بينها مدافع، وأخرى تحتاج الى جدول زمني للتسليم يمتد من سنة ونصف السنة الى ثلاث سنوات، وثمة معدات تحتاج الى 4 سنوات! وتزامن كلام المصادر الديبلوماسية نفسها مع حرص على <نفي ما تردد عن عمولات مطلوبة من هذه الجهة أو تلك...>.
إلا أن <تفاؤل> المصادر الديبلوماسية لا يلتقي مع ملاحظات أبدتها مصادر فرنسية رسمية تقاطعت مع معلومات من مصادر لبنانية مطلعة عن ضرورة تدخل العاهل السعودي لحسم التأخير الحاصل في الصفقة، وما يمكن أن يترتب عن ذلك من تداعيات تبقيها <معلقة> حتى إشعار آخر وفق ما كان وزير الدفاع الوطني سمير مقبل قد أبلغ مجلس الوزراء عندما سئل عن مصير صفقة الـ3 مليارات، فرد باقتضاب <مجمدة في الوقت الحاضر>، وبالتالي فإن عدم حصول التدخل الملكي المباشر سيبقي التنفيذ متأرجحاً بين مطلب من هنا وتعديل من هناك، إضافة الى مسألة العمولة التي لم يصدر أي موقف رسمي لبناني أو فرنسي حيالها، في حين تحدثت مراجع على صلة مع القيادة السعودية عن وجود بندين جزائيين وضعهما الجانب السعودي لـ<حماية> الهبة، الأول يطبق في حال ثبت وجود عمولة تقاضاها أي طرف معني نتيجة صفقة شراء الاسلحة والمعدات والذخائر الفرنسية، والثاني يتعلق بالسعر الأدنى، أي في حال تبين أن أسلحة أو معدات أو ذخائر مماثلة بيعت الى دولة أخرى بأسعار تقل عن الأسعار التي دفعها السعوديون.
في غضون ذلك، أكدت مصادر فرنسية أن العمولة الشعرية لمؤسسة <أوداس> الفرنسية المكلفة تطبيق الانفاق الثلاثي اللبناني - السعودي - الفرنسي، لا تتجاوز نسبة 5% من قيمة الصفقة أي 150 مليون دولار، ذكرت مصادر لبنانية وفرنسية في كل من بيروت وباريس معلومات عن طلب ورد الى الجانب السعودي بإخراج جزء من قيمة الهبة لشراء معدات للجيش من بلدان أخرى من بينها زوارق حربية سريعة غير تلك التي وافق الجيش الفرنسي على أن تشملها الصفقة، ما دفع بالفرنسيين الى رفض الطلب الذي تحفظ عليه السعوديون، ما أدى الى عرقلة في التنفيذ وأدخل النقاش حول صفقة الـ3 مليارات في مجالات أخرى، رغم أن باريس تقول انها جاهزة للتوقيع النهائي وان التأخير حاصل نتيجة <الروتين> في الدوائر السعودية بعد إجازة عيد الفطر. أما في الرياض، فالكلام السعودي المباشر هو أن الملف أنجز وخاتمته قبل نهاية شهر آب/ أغسطس الجاري. والتقت المصادر السعودية والفرنسية على القول بضرورة عدم ربط إنجاز الصفقة بالاستحقاق الرئاسي اللبناني لأن ذلك ليس لمصلحة لبنان إذ لا رابط بين الرئاسة وتسليح الجيش، وإن كان ثمة من يعمل على إقامة مثل هذا الرابط.
وفي انتظار إنجاز التوقيع السعودي - الفرنسي على الملف النهائي، لاحظت مصادر لبنانية مطلعة ان المعدات العسكرية المرسلة الى الجيش اللبناني بموجب الهبة السعودية لا تشمل صواريخ مضادة للطائرات أو مصفحات متقدمة، ولا معدات متطورة للتنصت وملاحقة الاتصالات المشبوهة واعتراضها، في حين تتضمن الصفقة زوارق بحرية متوسطة الحجم لحماية منشآت النفط التي لم تقم بعد، ومروحيات <بوما> و<غازيل> ومدفعية 155 ملم. وظل موضوع تزويد الطوافات بصواريخ متطورة موضع نقاش واكتفي بصواريخ <هوت>. وفيما استبعد لبنان الاقتراح بتزويده بدبابات <لوكلير> لأنها لا تتناسب مع طبيعة الجغرافيا اللبنانية وتحتاج الى صيانة مكلفة، عُلم ان البديل سيكون دبابات بعجلات تتحرك بسرعة في الشوارع وداخل البلدات والجبال من نوع <ساغيه> و<أم اكس>. أما صواريخ <أرض - جو>، فسيحصل لبنان على منصتين صاروخيتين من نوع <ميسترال>.