تفاصيل الخبر

هل تبلّغ ”مون“ من البطريرك الماروني معارضة توطين النازحين في لبنان؟!

01/04/2016
هل تبلّغ ”مون“ من البطريرك الماروني معارضة توطين النازحين في لبنان؟!

هل تبلّغ ”مون“ من البطريرك الماروني معارضة توطين النازحين في لبنان؟!

 

بقلم جورج بشير

banki-mon-w-salam

زيارة الأمين العام للأمم المتحدة الكوري الجنوبي <بان كي مون> لبيروت في الأسبوع الماضي مع مديري <البنك الدولي> و<البنك الإسلامي> لم تكن الزيارة الأولى التي يقوم بها أمين عام المنظمة الدولية الى لبنان منذ  <داغ همرشولد> الى السيد <مون>. وقد استبق كل أمين عام لهذه المنظمة الدولية زيارته للبنان بالاطلاع على المعلومات والتقارير الموضوعة من موفديه وكبار معاونيه وممثليه في العاصمة اللبنانية عن كل أوضاع لبنان السياسية والأمنية والاقتصادية، وعرفوا مسبقاً التركيبة اللبنانية التي يقوم عليها الكيان اللبناني، والتي جعلت منه وطناً فريداً مميزاً من نوعه في الشرق الأوسط، وطناً يتعايش فيه المسيحيون والمسلمون بحرية واحترام متبادلين، وبشراكة وطنية عزّ نظيرها بين البلدان التي يتألف منها هذا الشرق الأوسط الذي استضاف المسؤول الدولي في الأسبوع الماضي بحفاوة تُحيط عادة رؤساء الدول.

اللبنانيون فُطروا على إحاطة ضيوفهم، خصوصاً منهم الضيوف الكبار، بهالة من الترحيب على قاعدة <يا ضيفنا لو زرتنا لوجدتنا نحن الضيوف وأنت ربّ المنزل>. فيما الإحاطة الرسمية، أي الحكومية إذا صحّ التعبير، بالأمين العام للأمم المتحدة لم تكن شاملة، إذ غاب منها وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل لأسباب ليست معلومة كلياً حتى الساعة.. كما غاب عن مراسمها الجهاز الديبلوماسي اللبناني وإن يكن قد ساهم في تحضير هذه الزيارة للبنان.

موضوعان رئيسيان تقدّما جدول محادثات أمين عام الأمم المتحدة كما في معظم الزيارات التي قام بها الأمناء العامون السابقون الى لبنان من <داغ همرشولد> الى <بان كي مون> ألا وهما موضوع اللاجئين الفلسطينيين الذين اتخذوا من لبنان ملجأ مؤقتاً لهم منذ نكبة وطنهم الأم فلسطين في العام 1948، وتحوّلوا في ظل وعود المجتمع الدولي، والأمم المتحدة لهم بالعودة، وفي ظل حق العودة المصان بقرارات دولية، الى مشروع توطين لأكثر من نصف مليون لاجئ فلسطيني في الأراضي اللبنانية، أي في الوطن الذي بالكاد يكفي مواطنيه، مما ينتج الى آخر المعزوفة... وأصبحت المطالبة بإعادتهم الى وطنهم الأم فلسطين تطبيقاً لحق العودة المعزز بقرارات الجمعية العمومية للأمم المتحدة ومجلس الأمن، ضرباً من ضروب الكفر أو سبيلاً للاتهام بالعنصرية.. فيما اسرائيل تقتلع بمشاريعها الاستيطانية وعدوانيّتها للشعب الفلسطيني سنوياً الآلاف وتجبرهم بشتى الوسائل على الهجرة، أولاً الى الدول العربية ومنها لبنان، وبعد ذلك الى الدول الغربية لأصحاب الكفاءات منهم.

 

.. والسوريون النازحون؟!

أما الموضوع الثاني الراهن الذي تقدّم محادثات أمين عام الأمم المتحدة ووفده في لبنان الأسبوع الماضي، فكان موضوع النازحين السوريين الذين فاقت أعدادهم المليون ونصف المليون نسمة يتوزعون في العاصمة والمناطق اللبنانية من دون استثناء، ويزاحمون الأيدي اللبنانية العاملة في عقر دارها لا بل يتقدّمون عليها في بعض الأحيان، وأصبح لهم ولادات في لبنان منذ بدء نزوحهم إليه ما لا يقل عن 70 ألف ولادة في السنة، ناهيك عن مشاركتهم للبنانيين مضيفهيم في كل شيء من كهرباء وماء وطرق واستهلاك البنى إلخ... الى أن أصبحوا يشاركونهم في الحصول على حق التعليم الرسمي في المدارس الرسمية.

لا شك، ان توفير أسباب الحياة الكريمة لهؤلاء الناس أمر طبيعي وواجب، ليس على لبنان الدولة المضيفة فحسب، إنما على الدول العربية، خصوصاً الغنية منها، هذه الدول التي يحظر معظمها دخول السوريين الى أراضيها ولا تمنح سمات دخول ولا إجازات عمل ما عدا لقلّة قليلة من القادرين والمقتدرين مادياً وأصحاب رؤوس الأموال... فيما إذا طلب اللبنانيون الحدّ من تدفّق وانتشار هؤلاء النازحين العشوائيين في المناطق اللبنانية من دون ضوابط أمنية واجتماعية أو ديموغرافية، سرعان ما يُتهمون بالعنصرية، و<كأن حائط لبنان واللبنانيين صار <واطياً> الى هذه الدرجة..>.

<حق العودة الى الأراضي السورية لمن يشاء من هؤلاء النازحين الى لبنان> هذا هو العنوان، لا بل هذا هو الشعار الذي ترفعه الأمم المتحدة وبعض الدول الكبرى، وحتى بعض الدول العربية.. وهذا معناه إعطاء هؤلاء النازحين الى لبنان حق اختيار العودة من لبنان الى وطنهم الأم سوريا عندما يصبح ذلك مُتاحاً، اي عندما يتوقف إطلاق النار أو لدى ثبوت خلوّ القرى والمدن السورية التي ينتمي إليها هؤلاء النازحون من الأسباب التي دفعتهم الى هجرة وطنهم الأم والنزوح الى لبنان.

أفكار توطين النازحين السوريين في لبنان او على الأقل منحهم الحرية في الاختيار بين العودة الى وطنهم أو البقاء حيث هم، إن لم تكن مشروعاً جديداً للتوطين، فإنها مشروع شقيق أو زميل له.. هذا ما يؤمن به اللبنانيون اليوم قبل زيارة <بان كي مون> وخلالها وبعدها، مع أن أمين عام المنظمة الدولية يعرف سلفاً بأن الدستور اللبناني حال بصراحة النص وحسم الأمر نهائياً بالنسبة للتوطين ولمشاريع التوطين في لبنان.. لكن، وكما يقول المثل <مرحبا دستور>.. إنه دستور لبنان وليس الكتاب الذي يقرأ فيه المجتمع الدولي ولا منظماته ولا المسؤولون الكبار عن الدول وعن مصائر الشعوب في هذا العالم.. وإذا كان اللبنانيون، أو بعضهم على الأقل، لا يحترمون مضمون دستورهم، فلماذا يعيبون ذلك على غير اللبنانيين؟!

سلّة الأمين العام للأمم المتحدة التي حملها الى لبنان في زيارته الأخيرة كانت ملأى بالمغريات والحوافز والوعود والعهود ومئات الملايين، وعن يمينه رئيس <البنك الدولي>، وعن يساره رئيس <البنك الإسلامي>، وكلاهما لا يؤلفان كتباً أو ينثران الشعر، بل هما مسؤولان عن الحوافز والهبات والقروض والمساعدات التي تُعطى للدول، وكانت للبنان حصص منها. لكن مجموع هذه الحصص لا يساوي ستين بالمئة مما دُفع الى تركيا والى اسرائيل والى الأردن وحتى الى اليونان، خصوصاً من <البنك الدولي> أو بواسطة <البنك الإسلامي> بحجة أن تركيا واليونان وحتى اسرائيل يؤلفون حواجز مطلوبة من مجموعة الدول الأوروبية للحيلولة دون استمرار تدفق قوافل النازحين براً وبحراً الى دول القارة الأوروبية نظراً لما بات يشكّله ذلك من تهديدات مباشرة لديموغرافيا وأمن بعض هذه الدول، لاسيما بعد تعرّض معظمها (بريطانيا وأخيراً فرنسا وبلجيكا وإيطاليا) لعمليات إرهابية اكتشفت هذه الدول عبر أجهزتها الأمنية <متأخرة> أن معظم هذه العمليات الإرهابية نفذه مواطنون أوروبيون من أصول غير أوروبية، لكنهم أقاموا في الدول، الأوروبية وحصلوا على جنسياتها وتمتعوا بالتقديمات المادية والمعنوية والاجتماعية التي تؤمنها هذه الدول لشعوبها، وحصلوا بعد ذلك على التسهيلات والإغراءات المادية والمعنوية اللازمة للمشاركة في عمليات القتل والقتال والنهب والتدمير، بما في ذلك <جهاد النكاح> في الشرق الأوسط، خصوصاً في سوريا والعراق، وحتى في لبنان، ومن ثم تأمّنت لهم ظروف العودة الى حيث يقيمون في الدول الأوروبية حيث تابعوا ممارسة إرهابهم وما تعلّموه في سوريا والعراق في ظل الحرب من فنون الإرهاب ليمارسوه في الدول الأوروبية وغير الأوروبية التي استضافتهم أساساً وأمّنت لهم حياة كريمة أسوة بأبنائها، عادوا <ليرموا في البئر التي شربوا منها حجراً>، تماماً كما حصل في فرنسا وقبلها في بريطانيا، وبعدهما أخيراً في بلجيكا.

Patr_Raii-Ban_ki_moon_-_2_267648 

إذا كان هذا الغزل غزلهم؟

في لبنان مثل سائد يقول: <إذا كان هذا الغزل غزلكم، فحريراً ناعماً سوف نلبس وتلبسون>...

أجل إن اللبنانيين كوتهم نار الحرب، خصوصاً حروب الآخرين، وأزمات اللاجئين، والإرهاب المحلي والإقليمي والدولي، ومعها تراجيديا النزوح السوري والنازحين، الى جانب رزوحهم تحت نير الدين العام (70 مليار دولار) حيث ان خدمة هذا الدين سنوياً قاربت السبعة مليارات دولار، وكل هذا يدركه المسؤولون الدوليون وخاصة <البنك الدولي> و<البنك الإسلامي> ومعهم <بان كي مون> أمين عام الأمم المتحدة. فلبنان كما كان أساساً ووفقاً لدستوره ضد التوطين بالنسبة للاجئين الفلسطينيين، فهو كان وسيبقى ضد توطين النازحين السوريين في أراضيه، أياً تكن المبررات التي لدى المسؤولين الدوليين، وخاصة مسؤولي الأمم المتحدة ومؤسساتهم. فإذا كان أمن الدول الأوروبية وغيرها من الدول بديهياً، فإن أمن لبنان واللبنانيين مبدئي ويتقدّم على أي شيء آخر، لاسيما أمنهم الاجتماعي والاقتصادي. وهذا لا بدّ وأن <بان كي مون> فهمه تماماً مع معاونيه وأركان البنوك الدولية الذين حملوا المغريات في زيارتهم. وبقدر ما يهمّ اللبنانيين أمن الدول الأوروبية، وأيضاً أمن تركيا واليونان، يهمهم أمنهم أيضاً، وعسى أن يكون موقف وزير خارجية لبنان قد مكّن المسؤولين الدوليين من فهم كل ذلك قبل مغادرتهم الأراضي اللبنانية، وإن عودة ضيوف لبنان سواء كانوا لاجئين فلسطينيين أم نازحين سوريين الى وطنهم الأم، ليست مسألة اختيارية، بل هي حق مكتسب لهم، وللمضيفين عاجلاً أم آجلاً..

ويبدو أن <بان كي مون> تبلّغ من البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي ما كان سيسمعه من وزير خارجية لبنان <معارضة اللبنانيين توطين الفلسطينيين، وضرورة عودة النازحين السوريين الى ديارهم انطلاقاً من مبدأ حق العودة>.