تفاصيل الخبر

هل سيعملق فيروس ”كورونا“ الصين أم يضعفها؟

28/02/2020
هل سيعملق فيروس ”كورونا“ الصين أم يضعفها؟

هل سيعملق فيروس ”كورونا“ الصين أم يضعفها؟

 

بقلم خالد عوض

 

الإقتصاد العالمي هو من أبرز ضحايا فيروس الـ<كورونا>، فعندما ينخفض النمو الإقتصادي العالمي تتراجع فرص العمل الجديدة وتزداد البطالة مع ما يعني ذلك من ضغوط إقتصادية وإجتماعية. منظمة الصحة العالمية لا زالت مترددة قبل إعلان <كورونا> وباء، ولكن الأسواق المالية من نيويورك إلى سيول مرورا بميلان وطوكيو قد اعلنته وباء ماليا سيأكل من صحة النمو الإقتصادي في معظم دول العالم.

 

<كورونا>.. ظاهر المشكلة الإقتصادية وليس باطنها!

في ١٢ شباط (فبراير) المنصرم تجاوز مؤشر <الداو جونز> في نيويورك مستوى ٢٩٥٠٠ نقطة لأول مرة في التاريخ مرسلا عدة إشارات حول قوة الدفع الموجودة في الإقتصاد الأميركي وتراجع المخاوف حول حرب تجارية عالمية بعد توصل الصين والولايات المتحدة إلى إتفاق جزئي. ثم جاء يوم الإثنين الأسود في ٢٤ شباط (فبراير) أي بعد ١٢ يوما ليسجل تراجعا بألف نقطة وهو ثالث أكبر هبوط تاريخي للـ<داو جونز> بعدد النقاط. سبب هبوط البورصات العالمية هو تأكد خروج <الكورونا> من حدود الصين وآسيا ووصوله بقوة إلى أوروبا من البوابة الإيطالية وتسجيل أكثر من ٥٠ حالة في الولايات المتحدة نفسها... ولكن السبب الأساس هو ضعف الإقتصادات العالمية كلها وليس فقط تفشي <كورونا>، فمنذ آخر فصل لعام ٢٠١٩ ظهرت بوادر الركود على إقتصادي اليابان وألمانيا، الإقتصادان الثالث والرابع في العالم، فالأولى سجل إقتصادها تراجعا فصليا بحوالى ١,٦ بالمئة فيما الثانية كان نموها الإقتصادي قريبا من الصفر. ومع ظهور <الكورونا> وتأكد تراجع التبادل التجاري مع الصين بسببه لمعظم الإقتصادات الكبيرة أصبح من شبه المؤكد أن الركود سيضرب عام ٢٠٢٠ اليابان وألمانيا.

 

<دونالد ترامب> يرتعد!

الرئيس الأميركي <دونالد ترامب> لا يخاف من المرشحين الديمقراطيين الذين يتنافسون لمواجهته، وهو لا يخاف حتى من خطر الصين تجاريا أو إيران عسكريا، ولكنه بالتأكيد يخاف كثيرا عندما يرى <الداو جونز> يهبط بهذه الطريقة، فهو كان يعتبر صعود مؤشرات الأسواق دليلا على نجاحه كرئيس وكان يمنن الأميركيين بأنه جعلهم أغنياء. <الداو جونز> كان ١٩٠٠٠ نقطة عندما انتُخب <ترامب> وزاد ١٠٠٠٠ نقطة خلال ثلاث سنوات أي أكثر من ٥٠ بالمئة من مستواه، وإذا إستمر هبوط المؤشرات المالية وتراجع نمو الإقتصاد الأميركي فسيفقد <ترامب> أهم سلاح إنتخابي عنده وتعود المنافسة جديا إلى الإنتخابات الرئاسية الأميركية التي كان يبدو منذ اسابيع أنها محسومة لصالح الرئيس الأميركي. ما يمكن أن يساعد <ترامب> هو تدخل الإحتياطي الفيدرالي الأميركي لدعم الإقتصاد أولا عن طريق خفض للفوائد على الدولار، وثانيا إذا لزم الأمر عن طريق إعادة سياسة التخفيف الكمي (Quantitative Easing) أي ضخ سيولة في الأسواق عن طريق شراء السندات.

الصين أقوى أو أضعف بعد <كورونا>؟

الصين تعاني إقتصاديا من جراء الفيروس الذي إنطلق من عندها، وكل يوم يمر من دون التوصل الى علاج حاسم يؤخر النمو الإقتصادي فيها، والذي من المرجح أن يهبط تحت 4,5 بالمئة هذه السنة وهو الأدنى منذ ١٩٩٠. في المدى القصير ستتأخر الصين مرحليا عن اللحاق بالولايات المتحدة إقتصاديا، ولكن يبدو من الإجراءات الصينية أن هناك إنقلابا داخليا حقيقيا في طريقة تعاطي الصين مع المشاكل، صحية كانت أو من أي نوع، فإلى جانب ضخ السيولة في الأسواق وإعداد مشاريع بنية تحتية ضخمة تنكب الصين حاليا على وضع سياسات تفصيلية لنظامها الصحي. ما كان ينقص الصين لتصبح أقوى إقتصاد في العالم لم يكن فقط الأرقام بل السياسات والإجراءات التنظيمية والمواصفات الدقيقة لأي منتج أو خدمة. الورشة التي تقوم بها الصين حاليا تؤهلها، إذا عرفت توسيعها على قطاعات أخرى ووضع الضوابط لها، لتقود العالم إقتصاديا خلال أقل من خمسة اعوام، فيصبح <طريق الحرير> ملاذا موثوقا مبنيا على أسس ثابتة ومستدامة وليس ركضا تجاريا أعمى إلى الأمام من دون أطر تنظيمية واضحة تساعد في إدارة المخاطر. <كورونا> هو درس إقتصادي للصين يمكن أن تخرج منه أكثر عملقة.

 

الشرق الأوسط... إلى أين؟

ما كان ينقص الدول العربية الغارقة أساسا في الحروب والمشاكل الإجتماعية إلا <كورونا> حتى تواجه مشاكل جديدة تضعفها إقتصاديا. النفط وصل إلى مستويات دنيا وهذا سينعكس على كل الدول العربية وليس فقط الخليجية. بالنسبة لدولة مثل لبنان يأتي <الفيروس> ليكشف هشاشة النظام الصحي الحكومي وحجم الورشة الاصلاحية المطلوبة لإعادة تأهيل البلد كله وليس فقط مستشفياته الحكومية. الفساد وسوء الإدارة أكلا كل شيء في ظل إدارة سياسية غير كفوءة.

 ربما تعيد الدول العربية ومعها إيران رسم اولوياتها من خلال ما تتعرض له مع الفيروس الفتاك فتسبق الإعتبارات الإنسانية حسابات الحروب والأطماع. ليس ذلك كلاما طوباويا فالأزمات الإنسانية كانت دائما مدخلا لتغيير السياسات وتقريب المسافات. من دون حل سياسي شامل في المنطقة لن يخرج إقتصاد الشرق الأوسط من القمقم. عسى أن تكون جرثومة <الكورونا> بابا لهكذا حل.