بقلم وردية بطرس
مدير مستشفى رفيق الحريري الجامعي الدكتور فراس الأبيض: الأسابيع المقبلة ستكون صعبة والمطلوب خطة مدروسة بعد الإغلاق لأن معركتنا مع الوباء ليست قصيرة
[caption id="attachment_85030" align="alignleft" width="375"] مع فريق عمل "كورونا".[/caption]هل نحن مقبلون على سيناريو أسوأ من السيناريو الإيطالي أم الإقفال سيساعد في الحد من عدد الإصابات والوفيات؟ فوفق مصادر طبية متابعة لقد تخطى عداد الإصابات في لبنان الستة آلاف، وقد يصل هذا الأسبوع الى عشرة آلاف مع ازدياد عدد الوفيات اليومي ليتخطى الخمسين وفاة في اليوم؟. للأسف كل المؤشرات الصحية حتى الساعة لا تبشر بالخير. وغرّد مدير مستشفى رفيق الحريري الجامعي الدكتور فراس الأبيض قائلاً: على مدار الأيام القليلة الماضية سجل يومياً أكثر من 30 مريضاً بحاجة للعناية المركزة وأكثر من 40 حالة وفاة. هذا أمر مأساوي. لكن لا ينبغي أن نيأس أو نتعثّر. هذه مجرد مرحلة ستمر وستليها أيام أفضل. وأضاف: في مستشفى رفيق الحريري الجامعي سيتم توفير أسرّة عناية اضافية هذا الأسبوع، كما سيتم إيقاف ما تبقى من الأنشطة الطبية غير الأساسية، وتخصيص مواردها لأقسام الـ"كورونا". ونحن على وشك الانتهاء من تجهيز مركز خاص باللقاح ويتم بذل جهود مماثلة في مستشفيات أخرى.
الدكتور فراس الأبيض يشرح المشهد العام في مستشفى الحريري
فما هو المشهد في مستشفى رفيق الحريري الجامعي؟ وهل سترتفع الاصابات والوفيات في الأيام المقبلة؟ وما المطلوب بعد الإغلاق؟ هذه الأسئلة وغيرها حملتها "الأفكار" الى مدير مستشفى رفيق الحريري الدكتور فراس الأبيض. وسألناه بداية:
* كيف استطاع مستشفى رفيق الحريري أن يواصل العمل حتى الآن وهو الذي كان بالأساس يعاني من مشاكل مادية؟
- أتصور أن هناك ثلاثة أمور ساعدتنا لنقوم بذلك: أولاً اتخذ العاملون في المستشفى القرار أنهم سيقومون بهذا العمل، اذ كان هناك تصميم من قبل الجميع أنه في هذه المحنة التي يمر بها البلد لا يقدرون أن يتخلوا عن مسؤولياتهم، وبالتالي اتخذ الجميع القرار بأن يلعبوا هذا
[caption id="attachment_85034" align="alignleft" width="444"] ومن مكتبه في المستشفى: يجب أن يكون هناك تكاتف بين الجميع لكي نخرج من هذه الأزمة.[/caption]الدور المهم، لأن هذا المستشفى بالأساس قد بُنى لمساعدة المرضى وهو لا يبغي الربح. هناك بعض المستشفيات تفيد بأنها لا تقبض المستحقات وبأن العاملين لديها لا يقبضون رواتبهم، ولكن نحن على الرغم من المشاكل المادية لا نزال نعمل بكل جهد. الموضوع الثاني الذي كان مهماً هو تضحيات العاملين في المستشفى، اذ هناك فرق بين أن يتخذ الشخص القرار ولكن عند التنفيذ يقول إنه لا يقدر أن يقوم بذلك، وبالتالي تطلب الأمر تضحيات من العاملين ليس فقط جهدهم بل من الجانب النفسي أيضاً خصوصاً في ظل انتشار فيروس "كورونا المستجد"، لاسيما أن الكثيرين منهم كانوا يخافون من التقاط عدوى الفيروس وبالتالي نقلها الى أهاليهم وأولادهم، ومنهم من لازم المستشفى لفترات طويلة لئلا يلتقوا بعائلاتهم. الموضوع الثالث والذي كان مهماً جداً، هو الاحتضان الكبير لنا إزاء تضحيات العاملين في المستشفى، لقد احتضنهم الناس فمنهم من زار المستشفى ليغني للطاقم الطبي والتمريضي أو من حيث تقديم التحية من قوى الأمن الداخلي لهم او من حيث التبرعات التي قُدمت للمستشفى من قبل اللبنانيين المقيمين والمغتربين، حتى إنه قصد المستشفى شركاء دوليون مثل الصليب الأحمر الدولي والرئيس الفرنسي "ايمانويل ماكرون" وغيرهم... لقد حظينا بالاحتضان المعنوي والمادي من الجميع لنواصل عملنا ونصمد لغاية الآن حتى لا بل على العكس نقدم المزيد من التضحيات. يبلغ عدد العاملين في المستشفى من أطباء وممرضين ومسعفين تقريباً 1350 شخصاَ.
* اليوم تُسجل حالات وفاة أكثر من السابق فكيف يواجه الطاقم الطبي والتمريضي الأمر؟
- ما زلت أرى أن أصعب شيء على العاملين في المستشفى هو أمران: أولاً عندما يخسر المرضى حياتهم يشعر العاملون في المستشفى بألم فتكون صدمة كبيرة عليهم خصوصاً أنهم يبذلون التضحيات لانقاذهم. ثانياً يشعر الطاقم بالضغط النفسي لأنهم يريدون إنقاذ حياة المصابين ولكنهم يخسرون معركتهم مع "كورونا" فتشكل صدمة لهم، ونحن كإدارة نشعر بأنهم تحت تأثير الضغط النفسي، اذ يصعب الأمر عليهم عندما يأتي المريض الى الطوارىء ولا يجد مكاناً له في المستشفى. نخاف كإدارة أن نصل الى وقت يتعب فيه العاملون ولا يقدرون أن يكملوا أو أن يُصابوا بالكآبة.
* وهل أصيب عدد كبير من الطاقم الطبي والتمريضي؟
- أُصيب تقريباً 10 في المئة من الجسم الطبي ولكن 90 في المئة من الاصابات كانت خارج المستشفى لأنه بالنهاية يختلطون مع أفراد الأسرة. طبعاً يأخذ العاملون في المستشفى الاحتياطات كلها داخل المستشفى لأنهم يتوقعون أن يأتيهم مريض يكون مصاباً بالفيروس، ولكن عندما يكون في بيته ووسط أفراد عائلته فلن يأخذ احتياطاته ، حيث لا يضع الكمامة طوال الوقت، وبالتالي هو معرّض للاصابة بالفيروس.
الوضع في لبنان أكثر سوءاً عما كان منذ شهر او شهرين
[caption id="attachment_85033" align="alignleft" width="479"] مريض "كورونا" يعالج داخل المستشفى.[/caption]* من موقعك كيف ترى الوضع في لبنان؟ وهل نحن أمام السيناريو الايطالي خصوصاً أنه في الأيام الأخيرة ارتفعت حالات الاصابة والوفيات أيضاً؟
- لا شك أن وضعنا صعب بغض النظر اذ كنا أمام السيناريو الايطالي او غيره، فوضعنا الآن أكثر سوءاً مما كنا عليه منذ شهر أو شهرين، واذا لم نعِ خطورة الأمر ولم نغيّر تصرفاتنا فوضعنا سيزداد سوءاً بغض النظر اذا وصلنا الى السيناريو الايطالي أو عملنا سيناريو خاصاً بنا. نحن كأطباء كنا نرى أننا سنصل الى هذا الوضع، فما رأيناه نهاية سنة 2020 أدركنا الى أين سنصل، للأسف الكثير من الناس لم يصدقوا وأعتبروا أننا كأطباء نضخّم الموضوع، ولكن الآن الجميع يرى النتيجة والمفروض أن نتعلم من الدرس ونغيّر تصرفاتنا على جميع الصعد لكي لا نرى مآسي أكثر مما نراها اليوم.
* غرّدت قائلاً إن الأسابيع المقبلة ستكون صعبة فما مدى خطورة الوضع في لبنان خصوصاً أن التقارير تفيد بأن شهري كانون الثاني (يناير) الجاري وشباط (فبراير) المقبل ستكون الأخطر من حيث انتشار الفيروس والوفيات؟
- تخوفنا أن نرى إصابات أكثر، إذ وفقاً للتقارير في الأيام الأخيرة فإن عدد الوفيات التي تُسجل في اليوم أكثر من اليوم الذي سبقه، ففي الأيام الأخيرة تُسجل أرقام قياسية بعدد الوفيات. وبالتالي نسأل أنفسنا الى أن سنصل؟ وهذا ما نحذّر منه اذا امتلأت المستشفيات كلها بمرضى الكورونا، وهناك مرضى يتلقون علاجهم في بيوتهم ومنهم من تتدهور حالتهم وبالتالي هذا سيؤدي الى ارتفاع عدد الوفيات.
ويتابع:
- الوضع لم ينهر حتى الآن، صحيح أن الطاقم الطبي والتمريضي يتعب كثيراً ولكن الحمد لله المستشفيات استطاعت قليلاً أن تزيد من القدرة الاستيعابية، اذاً الوضع لم ينهر كلياً ولكننا على حافة الانهيار، وممكن بالاجراءات سواء التي اتخذتها الدولة او الذي يتخذها المواطن أن نرجع من الحافة الى الوراء وهذا هو المطلوب. ولكي نقوم بذلك المطلوب هو الجدية بالتنفيذ سواء من قبل المواطن او الدولة، الجميع يعرف واجباته وعلى هذا الأساس يجب أن يعمل. السؤال هنا: هل سنقوم بهذه الواجبات؟
ما بعد الإغلاق
[caption id="attachment_85031" align="alignleft" width="348"] الدكتور فراس الأبيض: إرادة وتضحيات الطاقم الطبي والتمريضي لمواجهة الوباء.[/caption]* وماذا بعد الإغلاق؟
- هذا سؤال مهم، ولكن هذا السؤال ليس مبنياً على رأي فلان او علان، بل يجب أن يكون مبنياً على الأرقام التي سنراها في الأيام المقبلة، وعلى آراء أشخاص متخصصين وملمين بالموضوع سواء من اختصاصيين في علم الإحصاء أو الطب او علم الوباء لكي نقرر ماذا سنفعل. المطلوب حالياً إعداد خطة كيف سيُفتح البلد، ففتح البلد لا يكون على هذا الشكل: يأتي أحدهم ويقول انتهى كل شيء ويمكن فتح البلد، لأن هذا طبعاً سيعيدنا الى نقطة الصفر، لذلك يجب أن تكون هناك خطة لفتح البلد، ويجب أن يتشارك كل المعنيين.
* البعض يرى أن إغلاق البلد يساعد على أن يرتاح الطاقم الطبي والتمريضي في البلد ليواصل مهمته؟
- إنني ضد هذه الفكرة وبأننا نفكر بإغلاق البلد لنريح الطاقم الطبي والتمريضي، نحن نغلق البلد لنريح الناس من أن ينتظروا على أبواب الطوارىء وأن يموتوا على أبواب المستشفيات. على الناس أن يفهموا بأنه حتى اذا كان هناك اغلاق وانخفض عدد الاصابات ستظل المستشفيات ممتلئة بمرضى "كورونا"، اذ لم نصل الآن الى مرحلة نجد فيها المستشفيات فارغة. نحن نفكر بالناس الذين ينتظرون أمام أبواب المستشفيات وبالتالي هدف الإغلاق هو لإراحة الناس وليس لإراحة الطاقم الطبي والتمريضي.
* ولكننا مع إراحة الطاقم الطبي والتمريضي لكي يستمر بعمله وعطائه..
- نعرف بأن الناس يدعمون الطاقم الطبي والتمريضي، ولكننا أصبحنا بمرحلة أصعب من إراحة الطاقم الطبي بل وصلنا الى مرحلة يموت فيها الناس نظراً لتسجيل أعلى نسبة اصابات، لذا لا نريد أن نرى هذا المشهد المأساوي.
عدم تراجع أعداد الإصابات بعد الإغلاق واللقاح
[caption id="attachment_85032" align="alignleft" width="376"] داخل مستشفى رفيق الحريري الجامعي[/caption]* برأيك هل ستتراجع أعداد الاصابات والوفيات بعد مرحلة الإغلاق؟
- لأكون واقعياً لا أجد أنه في الأسابيع المقبلة سيحصل ذلك، اذ أرى أن هذا الأسبوع ستكون الإصابات مرتفعة ولذلك يجب أن يكون الناس صبورين لأننا لا نريد أن نستعجل الأمور، لأنه اذا استعجلنا نخسر كل ما قمنا به في الأيام العشرة التي قضيناها خلال الاغلاق، وسندخل أنفسنا باغلاقات أكبر وأكبر. لذلك يجب أن يكون لدى الناس نفس طويل لأنني أشك أن هذا الاسبوع نجد الأعداد فجأة تنخفض، خصوصاً أعداد المرضى في المستشفى والذين يموتون جراء الاصابة بالفيروس... أن معركتنا ستكون طويلة وليست معركة قصيرة، لأنه تحدث تطورات وطفرات جديدة، اذ عندما نجد حلاً تواجهنا مشكلة أخرى بما يتعلق بالفيروس، ولذلك على الناس أن يدركوا خطورة الفيروس. ثانياً عليهم أن يعرفوا بأننا لن نخرج من هذه الأزمة إلا بتضحية وليس فقط تضحية من قبل الطاقم الطبي والتمريضي، بل تضحية من الجميع وأن يكون هناك تكاتف بين الجميع لكي نخرج من هذه الأزمة.
* وهل مع وصول اللقاح في شهر شباط (فبراير) المقبل سيتحسن الوضع؟
- حتى لو وصل اللقاح في شباط (فبراير) المقبل لكي نبدأ نرى أثر اللقاح بمعنى أن يأخذ الناس اللقاح، وهذا اللقاح يؤدي الى انخفاض عدد الاصابات فذلك سيتطلب وقتاً. على سبيل المثال رأينا بلداناً أخرى بدأت تأخذ اللقاح، ولكن بالنهاية نشر اللقاح يأخذ وقتاً، يعني لكي يأخذ 20 او 30 في المئة من السكان هذا اللقاح سيتطلب الأمر عدة أشهر ولن يتم خلال أسابيع. لذلك هذا الموضوع سيتطلب وقتاً، ويجب أن نتحلى بالصبر والنفس الطويل. وأي شخص يقرأ عن الطفرات الجديدة سواء في بريطانيا يعرف للأسف أن هذا الموضوع فيه بعض التطورات، ومنها ما هي جيدة مثل اللقاح وأننا وصلنا اليه أسرع مما كنا نتوقع، وبعض التطورات تكون سيئة مثل أن هذه السلالة الجديدة هي شديدة الانتشار الى ما هنالك ... وفي رأيي هذا الموضوع لم ينته بعد، اذ هناك الكثير من الأمور تتبلور ولهذا يجب أن يكون لدينا نفس طويل لأن هذا النوع من الفيروسات تتقلب، ومع التقلب ممكن أن يتغير الأمر إما الى أحسن أو الى أسوأ.