تفاصيل الخبر

هــل مــن سبـاحــة آمـنــة عـلى الـشاطــئ اللبنانــي؟ الجواب عند باخرة ”قانا “..    

03/06/2016
هــل مــن سبـاحــة آمـنــة  عـلى الـشاطــئ اللبنانــي؟  الجواب عند باخرة ”قانا “..      

هــل مــن سبـاحــة آمـنــة عـلى الـشاطــئ اللبنانــي؟ الجواب عند باخرة ”قانا “..    

بقلم عبير انطون

 

صورة-قانا-22

أقبل موسم الصيف ومعه التحذيرات من السباحة في بحر لبنان والتقلب بين امواجه. الاصوات ترتفع محذرة من مخاطره الجمة على مرتاديه، فـ<الازرق الحلو> يئن تحت وطأة شتاء مر عليه قاسياً وجلب الى مائه واسماكه ويلات النفايات التي تكدست في الطرقات والوديان، وهو يئن تحت تأثير سموم تنفث فيه يومياً وبأكثر من نوع. فالى اي مدى نسبة التلوث كبيرة؟ وهل من مناطق للسباحة الآمنة على شاطئنا <المتوسطي>؟ وما دور <قانا> في دراسات البحر واسراره؟

 أطلق <المجلس الوطني للبحوث العلمية> الاسبوع الماضي فيلماً وثائقياً بعنوان <لبحر لبنان> من اخراج وائل ديب، فما هي قصة الفيلم وعن ان اي انجازات تتكلم؟ وما هو نطاق عمل<باخرة قانا> الفعلي ومن يمولها؟

بلدة.. وباخرة !

 من مركب صيد في العام 2009 تحولت <قانا> الى باخرة علمية على مرحلتين من ضمن <مشروع التنمية المستدامة للشاطئ اللبناني>: الاولى ركزت على انشاء ورصد التنمية المستدامة للبحر اللبناني، والثانية على تنمية البيئة البحرية لتلبية حاجات المجتمعات الساحلية، وذلك بفضل التعاون الذي اثمر نتيجة ملموسة ما بين <المجلس الوطني للبحوث العلمية> في لبنان والحكومة الايطالية عبر <مجلس البحوث في ايطاليا> في دعم مادي ولوجستي. وقد تم تجهيز الباخرة بتقنيات متقدمة وبأحدث المختبرات، واهمها ما يسمح بقياس الاعماق في كل النقاط لاسيما التي كان يصعب الوصول اليها سابقاً، للإطلاع على كل ما يتعلق بالحياة في المياه وكل ما ينتج من تلوثها. فـ<مركب قانا> معد لاهداف عدة ابرزها وضع خرائط قعر البحر، تحديد حجم ومعدلات التلوث العضوي والكيميائي فيه، تقويم مخاطر التلوث في المياه اللبنانية، دراسة التنوع البيولوجي على طول الشاطئ اللبناني مثل مشاهدة الدلافين مقابل شواطئ بيروت، معرفة الخصائص الفيزيائية والبيولوجية للحياة البحرية، تقويم الثروة السمكية وأنواع الأسماك الموجودة في البحر وغيرها. الى ذلك، ساهم المركب لعشرين طالبا في مرحلة الدراسات العليا وتسعة طلاب دكتوراه بمتابعة بحوثهم العلمية، خاصة وان المجلس الوطني للبحوث العلمية يدعو سنويا لتقديم مشاريع بحث في علوم المحيطات تتناول التنوع البيولوجي بما فيه من حيوان ونبات ومعادن وطبيعة وكيفية الحفاظ على هذا التنوع.

 ويؤكد رئيس <المجلس الوطني للبحوث العلمية> الدكتور جورج طعمة ان المجلس يدعو ايضاً الى التنقيب عن الآثار التي يعود بعضها الى العهد الفينيقي، وعن ينابيع المياه العذبة تحت سطح المياه المالحة مع تحديد جيولوجية الفوالق، وهذه البحوث تساهم في التنمية ليس فقط في لبنان بل في كل بلدان المتوسط، ذلك ان موقع لبنان الجغرافي بين آسيا وجنوب القوقاز وشمال افريقيا وشرق المتوسط واوروبا يساعد على حوار الانسان مع الطبيعة، ويسمح بالاطلاع على نتائج علمية مختلفة، ومنها تنقل الكائنات الحية الوافدة من خلال قناة السويس او من خلال <مضيق جبل طارق>..

 بين ايطاليا ولبنان..

يمكن التعرف الى عمل <باخرة قانا> وطواقمها البحثية بمختلف الجوانب مع المخرج وائل ديب في الوثائقي <لبحر لبنان> الذي ركز على عمل الباخرة وطواقمها البحثية واجهزتها العلمية ورحلتها بين ايطاليا ولبنان والنتائج التي توصل اليها الباحثون عبر دراسات اجريت على متنها. ويبين الوثائقي أيضا الأبحاث والدراسات التي تجريها الباخرة <قانا> في أعماق البحر في مجالات الثروة السمكية والتلوث وأماكن وجود المياه العذبة وغيرها، والتي تعكس واقع الشاطئ اللبناني الذي قد يكون مؤلماً بحسب وزير البيئة محمد المشنوق الذي اعلن مع فخره بـ<قانا> ومجال عملها، عن مشروع جديد هدفه توفير الحماية والتنمية المستدامة للموارد البحرية في لبنان، وقد دخل مرحلة التنفيذ بتمويل من الاتحاد الأوروبي، وهو يعنى بشكل رئيسي بتنمية التنوع البيولوجي الساحلي والبحري، آملاً أن نستفيد من نتائج الأبحاث لتلافي هدر الموارد والوقت، مذكراً أننا أحيانا نفتقر إلى التنسيق بين الوزارات المختلفة والمؤسسات العامة المتفرقة والمجالس المتعددة. ولعل الأسباب الرئيسة لذلك هو تضارب الصلاحيات من جهة وعدم المشاركة في المعلومات أو عدم تعميم نتاج الدراسات والإحصائيات والمعطيات من جهة أخرى.

سباحة ملوثة؟!

ماذا عن السباحة الآمنة، وفي أي مناطق يمكن ان تكون؟

- يبلغ طول الشاطئ اللبناني من منطقة العريضة إلى منطقة الناقورة نحو 220 كيلومتراً. ويعيش ثلثا سكان لبنان (2,500,000) على الخط الساحلي ويتوزعون في المدن الكبرى (طرابلس، بيروت، صيدا، صور..) وتسجل نسبة سبعين بالمئة من النشاطات الصناعية، الزراعية، السياحية والاقتصادية على الشاطئ اللبناني. في المقابل، يظهر الشاطئ اللبناني نسبة تلوث عالية بسبب غياب محطات تكرير المياه الآسنة إذ تصب نسبة سبعين بالمئة من المياه المبتذلة والصرف الصحي في البحر.

ويشير امين عام <المجلس الوطني للبحوث العلمية> معين حمزة انه سوف يتم الاعلان في الفترة المقبلة عن النقاط الملوثة على طول الشاطئ اللبناني والتي يجب تفاديها للسباحة، بناء على الدراسات التي أُجريت بواسطة <مركب قانا>. اما انواع التلوث البحري فكان تناولها تحقيق موسع نشره <المجلس الوطني للبحوث العلمية> للدكتور غابي خلف مدير <مركز علوم البحار> التابع لـ<المجلس الوطني للبحوث العلمية>، وهو يشرح في حديث أجراه معه مؤخراً <ليبانون 24> ان ثمة ثلاثة انواع من التلوّثات البحرية يمكن تمييزها:

- التلوّث الفيزيائي او الجمالي: ويشمل مكبات النفايات الى جانب البحر (مكب صيدا وبرج حمود سابقاً)، ردم البحر، شفط الرمال، هدم المصاطب البحرية، الصيد بالديناميت.. هذا النوع من التلوّث يؤدي الى تشويه منظر البحر، بالاضافة الى قتل الاحياء البحرية وتالياً الحاق الضرر بالتنوع البيولوجي.

- التلوّث الكيميائي: وهو النوع الخطير كونه لا يتفكك بل يتراكم في الاحياء البحرية ويتسبب باضرار على الحيوانات البحرية والانسان. مصدره عادة المعامل القريبة من الشاطئ وخزانات الفيول والمعادن، وفي لبنان نلحظه في الزوق، سلعاتا، طرابلس (المرفأ الصناعي)، الدورة - برج حمود وصولا الى انطلياس، في صيدا الشمالية، مصب الهاشمية (حيث توجد نسبة عالية من مادة <الكروم>)، وفي شكا (معامل الترابة).

- التلوّث البيولوجي العضوي: هذا النوع يتفكك بسهولة وتصل نسبته في بحر لبنان الى 50 بالمئة بسبب الكثافة السكانية على الشاطئ وغياب محطات التكرير ومعامل تدوير النفايات. مصدره النفايات العضوية ومياه الصرف الصحيّ. ويُلحظ التلوّث العضوي بنسبة كبيرة جدا في منطقة الرملة البيضا حيث يسبح الناس فعلياً في مياه الصرف الصحي (بحسب احد الفحوصات تبيّن وجود 40000 بكتيريا في 100 ملل من المياه علماً ان المعدل هو 100 بكتيريا في كل 100ملل)، وفي المنطقة الممتدة من الدورة الى انطلياس (أظهر احد التحاليل نسبة 70000 بكتيريا)، وفي طرابلس وراس بيروت. مخاطره على الانسان تتجلّى بطفح جلدي واحمرار في العينين وحساسية. ويلفت خلف الى امكانية وجود اكثر من نوع من هذه التلوثات في مكان واحد.

اذاً، عندما يُحكى عن تلوّث في البحر، يفضل تحديد نوعه ومكان وجوده. على سبيل المثال، يشير خلف الى ان شواطئ صور والناقورة وأنفة شبه خالية من التلوّث.

نفايات.. وأسماك!

صورة-مركب-قانا-11

وحول تأثير أزمة النفايات على البحر يشير خلف انه، علمياً، وبحسب الفحوص التي اجريت مؤخراً، لم يُكتشف اي ارتفاع في نسبة التلوّث، موضحاً ان نسبة التلوّث ما زالت على حالها راهناً وترادف نتائج السنوات السابقة. ثم اننا اذا اجرينا فحصاً ولاحظنا ارتفاعاً في التلوّث في منطقة ما، فهل هذا يعني حكماً انه ناتج عن ازمة النفايات؟! ليس بالضرورة...

وحول مطمري <كوستابرافا> وبرج حمود يؤكد مدير <مركز علوم البحار> انه اذا ما تمّ بناء حائط يمنع انزلاق النفايات، وعُممت تجربة مكب صيدا عليهما، فلا داعي للقلق. وبرأيه، ما حصل في صيدا كان من انجح الحلول اذ أُزيل جبل النفايات وشُيّدت حديقة وأُقيم معمل لتدوير ومعالجة النفايات والافادة منها، وها هو البحر هناك يتخلص رويداً من التلوّث، لاسيّما بعدما تمّ تنظيف قعره من النفايات الصلبة.

 اما في ما يتعلق بالمسابح الآمنة والمناطق التي يجب تجنبها، فيقيّم خلف (استناداً الى التحاليل العلمية) الشواطئ اللبنانية بدءاً من الجنوب حيث تعدّ محمية صور والناقورة من الشواطئ الممتازة، صيدا - المسبح الشعبي بات نظيفاً، الدامور (جيّد)، الجيّة (مقبول)، الرملة البيضاء وصولاً الى انطلياس منطقة ملّوثة جداً عضوياً وكيميائياً، نهر الكلب (وسط)، جونيه وطبرجا ملوّثة عضوياً (مياه الصرف الصحي)، جبيل وعمشيت (جيد جداً)، البترون (جيد)، سلعاتا (سيئ)، عند معامل شكا (سيئ)، رأس شكا (ممتاز) (فيها تنوع حيوي ملحوظ)، عند معامل التربة في شكا (سيئ جداً)، انفة (ممتاز) (ستصبح محمية بحرية)، طرابلس (سيئ جداً) (يصفها بالكارثية)، المنية والضنية (وسط)، وعكار (جيّد).

وحول الاسماك، يستذكر خلف الفترة ما بعد حرب تموز/ يوليو حيث تلوّث البحر بالنفط، حينذاك اطلّ عبر الاعلام داعياً المواطنين الى عدم الخوف من تناول الاسماك (لانها تهرب من النفط)، وعدم تناول الصدفيات والمحار و<التوتية> لأنها تتلوّث. ويشرح ان الاسماك بطبيعتها قادرة على التخلّص من التلوّث البيولوجي، اما في ما خصّ التلوّث الكيميائي فإن مكوثها في منطقة ملوّثة كيميائياً على مرّ سنتين واكثر، يراكم في جسمها هذه الملوّثات. وبالنسبة الى الانسان، فإذل تناول اسماكاً ملوّثة كيميائياً بشكل يوميّ ولفترة طويلة يراكم جسمه هذه المواد (والتي تؤدي الى حصول خلل في الجينات وامراض سرطانية).

زعيتر: الحق مع الطليان

من جهته يؤكد وزير الاشغال والنقل غازي زعيتر على أهمية الحفاظ على بحرنا ويشدد على الانجازات التي تحققها الباخرة العلمية <قانا>، فبحر لبنان يزخر بتنوع بيولوجي مهم يميزه عن أجزاء هذا البحر المطلة على البلدان الاوروبية الباردة وعلى البلدان الإفريقية الحارة، وإن التمدد العمراني والهجمة على الاملاك البحرية العمومية يشكلان من دون ادنى شك كارثة بيئية تعمل وزارة الاشغال العامة والنقل ضمن حدود صلاحياتها وواجباتها، وبالتنسيق مع الادارات والجهات المعنية الاخرى، على الحد منها واتخاذ الاجراءات والتدابير اللازمة. ولا بد من التنويه وبشكل كبير بالجهود التي تبذل من اجل رسم خرائط قعر البحر، خصوصاً لناحية تحديد المسارات الامثل للدخول الى المرافىء اللبنانية كافة والعمل على تنظيف وتأهيل وتوسعة هذه المداخل لزيادة اعماقها وقدراتها الاستيعابية.

واذ يجدّد زعيتر شكره لايطاليا وسفيرها في لبنان <ماسيمو ماروتي> للمساعدات والهبات المقدمة إلى الحكومة اللبنانية، فإنه يهنئ <المجلس الوطني للبحوث العملية> لجهوده وأعماله وصولاً إلى تحقيق الأهداف المرجوة، فـ<الحق على الطليان>، واليوم أقول <الحق مع الطليان>.