تفاصيل الخبر

هل من رابط بين المطالبة بإقالة سلامة وبين فتح مبكر لمعركة رئاسة الجمهورية؟

30/04/2020
هل من رابط بين المطالبة بإقالة سلامة وبين فتح مبكر لمعركة رئاسة الجمهورية؟

هل من رابط بين المطالبة بإقالة سلامة وبين فتح مبكر لمعركة رئاسة الجمهورية؟

        

[caption id="attachment_77452" align="alignleft" width="349"] الحاكم رياض سلامة..مالىء الدنيا وشاغل الناس[/caption]

 ثمة فارق كبير بين أن تكون المواجهة السياسية الراهنة بين رئيس الحكومة حسان دياب وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، أو أن تكون بين الرئيس دياب والثنائي تيار "المستقبل" برئاسة الرئيس سعد الحريري والحزب التقدمي الاشتراكي برئاسة وليد جنلاط. فالمواجهة الأولى بين رئيس ومرؤوس، فيما المواجهة الثانية بين خطين سياسيين لن يلتقيا في الآتي من الأيام بعدما اختار كل فريق موقعاً يتموضع به يختلف عن الثاني. فالرئيس دياب، ومعه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون و"التيار الوطني الحر" برئاسة النائب جبران باسيل وحزب الله، قرروا الذهاب "الى الآخر" في موضوع حاكم مصرف لبنان، فيما يتريث الرئيس نبيه بري وحركة "أمل" في تحديد الموقف من الحاكم، ويعارض "المستقبل" والتقدمي الاشتراكي أي مساس بسلامة الذي بات يمثل النظام الاقتصادي الحر الذي يقول المعارضون لإقالته إن هدف حكومة الرئيس دياب الانقلاب عليه لتطبيق نظام آخر لا يشبه النظام الحالي.

 لا يختلف اثنان على أن المواجهة مع الحاكم سلامة لم تعد تقنية أو مالية على رغم الملاحظات التي يسوقها فريق الحكم والحكومة على أداء الحاكم، بل أصبحت مواجهة سياسية لها شروطها وخصائصها... وأسلحتها. فالرئيس دياب قال بعد جلسة مجلس الوزراء يوم الجمعة الماضي "كلاماً كبيراً" بحق سلامة ملقياً ظلالاً من الشك حول أدائه في الحاكمية ومحملاً إياه مسؤولية التردي الذي ألمّ بالوضعين الاقتصادي والمالي في البلاد وصولاً الى حافة الانهيار، مستبقاً بذلك نتائج التدقيق المالي الذي قررت الحكومة القيام به في مصرف لبنان من خلال شركتين عالميتين للتدقيق المعمق في موجودات المصرف منذ ثلاث سنوات وحتى اليوم، والعمليات المالية الي نفذها الحاكم ولاسيما السياسات المالية التي طبقها على عدد من المصارف خلال الأعوام الماضية، وهي سياسات يقول البعض إنها من الأسباب الأساسية للانهيار المالي الحالي وللخسائر التي حلت بمصرف لبنان والتي تفوق الـ 63 مليار دولار أميركي. وذهب الرئيس دياب بعيداً في اتهاماته المباشرة للحاكم سلامة الذي قرر الرد، وبالأرقام، على اتهامات رئيس الحكومة تكريساً للمواجهة القائمة بين الرجلين والتي يقف وراءها أيضاً رئيس الجمهورية و"التيار الوطني الحر" وحزب الله من دون أن يعني ذلك أن الأطراف الأربعة يتفقون على ما ستؤول إليه حاكمية مصرف لبنان في حال أقيل الحاكم أو بادر هو الى الاستقالة.

من وقائع مجلس الوزراء!

[caption id="attachment_77453" align="aligncenter" width="601"] مجلس الوزراء..تباين واضح في قضية إقالة حاكم مصرف لبنان[/caption]

يقول أحد الوزراء إن كلام الرئيس دياب بعد جلسة مجلس الوزراء لم يأت من فراغ ولا هو أتى "بنت ساعته"، فالرجل كان حضّر بياناً مكتوباً ضمنه الاتهامات التي وجهها الى الحاكم تنفيذاً لما وعد به الصحافيين لدى خروجه من قصر "الأونيسكو" في نهاية جلسات مجلس النواب معلناً أن الحاكم يصدر تعاميم ويضع سياسات المصرف المركزي من دون أن يعود الى الحكومة أو ينسق معها لتطويق تداعياتها، ومثل هذه التعاميم سببت ــ في رأي فريق الحكم ــ ارتفاعاً متزايداً بسعر الدولار الأميركي قياساً الى الليرة اللبنانية التي تتهاوى قيمتها يومياً بمعدل 300 و400 ليرة حتى بلغ سعر صرف الدولار الواحد أكثر من أربعة آلاف ليرة. ويضيف الوزير أن النقاش الذي دار في مجلس الوزراء تجاوز عرض الواقع الى مطالبة عدد من الوزراء بإقالة الحاكم سلامة على رغم أن الرئيس عون الذي بادر الى طرح الواقع النقدي في البلاد لم يتطرق الى مسألة الإقالة، بل تحدث عن أن قانون النقد والتسليف لم يعد محترماً أو منفذاً لاسيما لجهة المحافظة على سلامة النقد وعلى الاستقرار الاقتصادي وسلامة النظام المصرفي وتطور السوق النقدية. هذه الإشارة الرباعية من رئيس الجمهورية كانت كافية ليطلق وزراء ملاحظاتهم على أداء الحاكم فكان أول المتحدثين الوزير رمزي المشرفية (الذي يمثل النائب طلال ارسلان في الحكومة) متحدثاً عن سياسة مالية غير صحيحة في البلاد، لتليه وزيرة المهجرين غادة شريم (تمثل "التيار الوطني الحر" في الحكومة) بمداخلة قوية تحدثت فيها عن "غليان في الشارع" لتنتهي بالمطالبة بتغيير "الطاقم القديم" لأن لا اصلاحات اقتصادية من دون طاقم جديد وعلى رأسه الحاكم سلامة. ثم كانت مداخلة لوزيرة العدل ماري كلود نجم (التي تمثل "التيار الوطني الحر") رافضة أن تكون مع الوزراء "شهود زور" عما يجري على الصعيد المالي، داعية الى قرارات حاسمة بالنسبة الى وضع حاكم مصرف لبنان "لأن مصداقيتنا كوزراء أصبحت في الدق".

 ويتابع الوزير روايته لوقائع تلك الجلسة فيقول إن وزير الصناعة عماد حب الله (الذي يمثل حزب الله في الحكومة) حمل على سلامة وعلى تفرده في إصدار التعاميم ومعالجة الشأن المصرفي الذي أودى بالبلاد الى الهاوية داعياً الى اتخاذ قرار بوضعه "حتى تكون الحكومة قد قامت بواجبها". وتلاه وزير الصحة حمد حسن (الذي يمثل حزب الله أيضاً في الحكومة) بلهجة أقل حدة طالب فيها باتخاذ قرار "جريء ومسؤول" يصحح الوضع القائم وينقذ البلاد من "مستقبل كارثي لا تحمد عقباه".

 ودخل على الخط بعد ذلك وزير الاتصالات طلال حواط (الذي يمثل "اللقاء التشاوري" في الحكومة) مطالباً بمعالجة سريعة لاسيما وأن شركات الاتصالات تطالب بتسديد فواتيرها بالدولار الأميركي وإلا ستوقف الخدمات التي تقدمها وفي وقت لا يستقر فيه سعر الدولار على رقم واضح ونهائي، مشيراً الى أن الحكومة لا يمكنها أن تقف مكتوفة الأيدي أمام مصير أشخاص "أوصلوا البلاد الى حيث هي من التراجع". أما وزير الاقتصاد راوول نعمة (يمثل "التيار الوطني الحر" في الحكومة) فاعتبر أن قيام البلد يكون من خلال اقتصاد قوي وحتى تتحقق قوة هذا الاقتصاد لا بد من قضاء يقوم بواجباته وسياسة مالية ثابتة، ولبنان حالياً من دون قضاء قوي ومن دون سياسة مالية واضحة، داعياً الى معالجة مزدوجة لوضع القضاء ولواقع مصرف لبنان. وهنا ــ يضيف الوزير في روايته ــ تدخل وزير التنمية الادارية والبيئة دميانوس قطار (الذي اختاره رئيس الحكومة) ليسأل الى أين سوف يستمر ارتفاع سعر الدولار، مذكراً بقانون النقد والتسليف الذي يحدد كيفية محاسبة حاكم مصرف لبنان ومساءلته عند الضرورة والخيارات المطروحة في هذا المجال وقال: ما هي حسنات طرح الثقة بالحاكم الذي اعتبر من أكفأ حكام المصارف في العالم؟ وما هي المخاطر إذا اتجهت الحكومة تحت ضغط الجرف الشعبي الى محاسبة  الحاكم؟. إلا أن أسئلة الوزير قطار لم تلق أجوبة لأن الوزراء توالوا على الحديث فكانت لوزير الداخلية محمد فهمي مداخلة حول انعكاس ارتفاع سعر الدولار على رواتب وتعويضات العسكريين المستنفرين على مدار الساعة للمحافظة على الأمن في البلاد، مقترحاً على الحكومة التزام سعر موحد للدولار ومنع ارتفاعه.

وزراء مع الإقالة... وضدها!

 ومع تقدم النقاش الوزاري كانت مداخلة لوزيرة الاعلام منال عبد الصمد (التي تمثل الرئيس دياب في الحكومة) لافتة الى مسؤولية عدة أشخاص وليس شخص واحد لما آل إليه الوضع المالي في البلاد، معربة عن "احباطها" من الجو الذي ساد جلسات مجلس النواب في الأسبوع الماضي، وتلاها وزير التربية طارق المجذوب (يمثل الرئيس دياب في الحكومة) معتبراً أنه إذا لا تستقيم الأمور إلا بإقالة حاكم مصرف لبنان فلتتخذ الحكومة هذا القرار. وكانت مداخلة للوزير عباس مرتضى (يمثل حركة "أمل") رافضاً ما ذكرته وزيرة الإعلام عن "الاحباط" الذي شعرت به في جلسات مجلس النواب، لتعود الوزيرة شريم من جديد وتسأل عن الاجراء الذي سيتخذه مجلس الوزراء بحق حاكم مصرف لبنان. بعد ذلك كانت مداخلة لوزير المال غازي وزني (يمثل حركة "أمل") متسائلاً عما إذا كان لمجلس الوزراء الحق بإقالة الحاكم لاسيما وان المادة 19 من قانون النقد والتسليف واضحة في هذا المجال، وأضاف: من هو المسؤول عن تدهور وضع الليرة، هل هو حاكم المصرف المركزي وحده أم أيضاً القوى السياسة الأخرى التي تتحمل مسؤولية كبيرة ومستمرة؟ وحذر وزني من مغبة اتخاذ أي قرار "متسرع وغير مدروس" خوفاً من أن يرتفع سعر الدولار قياساً الى الليرة ليصل الى 10 آلاف ليرة! وطرح سلسلة تساؤلات حول الأسباب التي حالت دون تعيين نواب حاكم مصرف لبنان وأعضاء لجنة الرقابة على المصارف والمجلس المركزي للمصرف، داعياً الى "تحصين" المصرف المركزي بالتعيينات وبعد ذلك نفكر بالخطوات التالية، مذكراً بقرار الحكومة التدقيق المالي في موجودات المصرف المركزي في 2019 و2020، ليخلص الى القول: "لا تتسرعوا بقراراتكم...إذا فلت السوق ما حدا بردّو"!

 ويقول الوزير وهو يروي ما حصل في جلسة مجلس الوزراء، إن الذين تحدثوا في الموضوع كرروا مواقفهم لاسيما وزير التربية ووزير الصناعة وقدم وزير المال توضيحات اضافية في مواجهة المطالبة بإقالة الحاكم سلامة. إلا أن المداخلة التي قدمها الوزير مرتضى مجدداً وانتقد فيها طريقة النقاش في مجلس الوزراء كادت تفجّر الجلسة لاسيما وأن مرتضى رفض توجيه اي انتقاد الى موقف وزير المال أو تحميله مسؤولية ما يحصل، مشدداً على وقف الأساليب "الاستفزازية" في الكلام داخل مجلس الوزراء. ودفع هذا التوتر الرئيس عون الى رفع الجلسة، لكن الرئيس دياب تمنى عليه استمرارها لإقرار عدد من المواضيع من خارج الجدول، ثم قال رئيس الحكومة إنه لم يثر إقالة الحاكم سلامة لكن النقاش الذي حصل "جيد" ويعكس أجواء الوزراء الذين سألهم من باب الاستطلاع عن تدبير إقالة الحاكم سلامة، فاعترض الوزيران وزني ومرتضى وأيد آخرون، فيما لم يبد عدد من الوزراء رأيه بالمسألة. وشرح دياب وجهة نظره مؤكداً للوزراء أن لديه مطالعة تسمح بإقالة الحاكم في مجلس الوزراء، لكنه لا بد من توافر القرار السياسي لذلك، واستمهل متابعة النقاش الى جلسة لاحقة لإجراء الاتصالات اللازمة "في موضوع دقيق وحساس مثل هذا".

البطريرك الماروني على الخط!

 إلا أن ما لم يقله الرئيس دياب داخل الجلسة، قاله في خارجها الأمر الذي أثار ردود فعل مختلفة نقلت مسألة إقالة الحاكم سلامة من النقاش التقني الهادئ الى النقاش السياسي الحاد مع بروز مواقف للحزب الاشتراكي ولتيار "المستقبل" اتسمت بالحدة، قابلتها مواقف للنائب باسيل ونواب في "التيار الوطني الحر" أيدت ضرورة محاسبة سلامة وإعادة النظر بالسياسات المالية المتبعة. إلا أن دخول البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي على خط رفض إقالة سلامة وقوله لرئيس الحكومة إنه كان ينتظر منه اعلان الخطة الاقتصادية التي تختص بالهيكليات والقطاعات التي من شأنها أن تقضي على مكامن الخلل الأساسية والفساد والهدر، و"كنا ننتظر خطة المراقبة العلمية والمحاسبة لكل الوزارات والادارات، فإذا بنا نفاجأ بحكم مبرم بحق حاكم مصرف لبنان وحده من دون سماعه واعطائه حق الدفاع عن نفسه، والشكل الاستهدافي الطاعن بكرامة الشخص والمؤسسة التي لم تعرف مثله منذ انشائها غير مقبول على الاطلاق". وتساءل البطريرك: "من المستفيد من زعزعة حاكمية مصرف لبنان؟ المستفيد نفسه يعلم، أما نحن فنعرف النتيجة وهي القضاء على ثقة الدول بمقومات دولتنا الدستورية".

 وفي هذا السياق، ترى مصادر سياسية متابعة أن كلام البطريرك الماروني وترحيب الحزب التقدمي الاشتراكي به، وبيان كتلة "المستقبل" النيابية رداً على المؤتمر الصحافي للنائب باسيل، أضافوا على ملف حاكم مصرف لبنان معطيات سياسية أفقدته الشق التقني فيه ما يجعل مسألة البت بوضع الحاكم مؤجلة لا بل غير ممكنة وبذلك تكون المواجهة بين فريق الحكم والحكومة و"التيار الوطني الحر" مع الحاكم سلامة قد انتقلت لتصبح مواجهة بين كل هذا الفريق مجتمعاً، وأحزاب المعارضة وبكركي في ما خص ملف سلامة، مما سوف يعقد الوضع أكثر فأكثر لاسيما بعدما بدأ الحديث عن أن من خلفيات الحملة على سلامة، إبعاده عن المسرح السياسي استباقاً للاستحقاق الرئاسي في أيار (مايو) 2020 لأن اسم سلامة كان يتردد دائماً على كونه من الأسماء الجدية للترشح الى الرئاسة الأولى...كل ذلك والدولار الى تصاعد ولا أحد يتمكن من تهدئته ومعه تصعيد سياسي وحملات تذكر بتلك التي تحصل عادة قبل أشهر من أي استحقاق دستوري، سواء على مستوى مجلس النواب أو على مستوى رئاسة الجمهورية!