تفاصيل الخبر

هل ما زال «اتفاق الطائف » مطابقاً للمواصفات أم ان لبنان قد يكون مأخوذاً إلى اتفاق سياسيّ جديد؟  

30/10/2015
هل ما زال «اتفاق الطائف » مطابقاً للمواصفات  أم ان لبنان قد يكون مأخوذاً إلى اتفاق سياسيّ جديد؟   

هل ما زال «اتفاق الطائف » مطابقاً للمواصفات أم ان لبنان قد يكون مأخوذاً إلى اتفاق سياسيّ جديد؟  

الملك-فهد-يستقبل-النواب-اللبنانيين-الذين-شاركوا-في-الطائفبقلم صبحي منذر ياغي

منذ توقيعه في العام 1989 شكّل <اتفاق الطائف> او <وثيقة الوفاق الوطني>، محطة مميزة في تاريخ لبنان الحديث، وشكّل إشكالية وموضع جدل، على الرغم من ان البعض اعتبره خشبة خلاص، ومرحلة انتقالية من عالم الحرب الاهلية الى زمن السلم الاهلي.

وقد أجمع اللبنانيون على اختلاف طوائفهم وأحزابهم ومشاربهم، على ان <الطائف> ليس الحل الناجع لمشاكلهم، بل هو نقطة البداية، وسبيل للوصول الى الدولة المنشودة القائمة على مبدأ المساواة، دولة القانون والمؤسسات.

فمنذ إقرار <وثيقة الوفاق الوطني> عام 1989، تضاربت الآراء وتعددت الاجتهادات حول <الوثيقة والدستور>.فـ<اتفاق الطائف> الذي اراده موقعوه اتفاقاً وطنياً ينقل الوطن من حال الحرب المستعرة الى السلم، بات اليوم موضع خلاف ونقاش، في الوقت الذي عمدت فيه السلطات اللبنانية المتعاقبة وخصوصاً زمن الوصاية السورية الى تطبيق بنوده استنسابياً، وأحياناً الى الاطاحة به.

وما ان أطلق أمين عام حزب الله في احدى خطبه الدعوة الى مؤتمر تأسيسي حتى <قامت الدنيا ولم تقعد>، واعتبر البعض ان حزب الله مس بـ<الطائف> (قدس الاقداس)، من هنا رأى الزميل ابراهيم بيرم: <ان تطوير اتفاق الطائف امر مباح كما قال الرئيس الحسيني، وهو اتفاق ارتضاه الفرقاء على اساس انه اتفاق الضرورة ليساهم في انهاء الحرب، ويصبح بداية لتطوير الحياة السياسية>، واستغرب بيرم: <كيف ان من كان في الامس معارضاً لـ<اتفاق الطائف> بات اليوم الأكثر شراسة في الدفاع عنه>.

وبرأي مدير المركز اللبناني للأبحاث والاستشارات حسان القطب ان ما يمنع حزب الله من وضع اليد على لبنان بشكل كامل ورسمي، هو <اتفاق الطائف> لما يتضمنه من تسوية تاريخية وضعت اسس العلاقة الموضوعية بين المسلمين والمسيحيين في لبنان على مسار مستقر، كما أسس <اتفاق الطائف> لحضور وتشارك في السلطة متوازن، يوافق بين تنامي الأكثرية المسلمة وضمان استمرار الفريق المسيحي على رأس حسن-الرفاعيالسلطة التنفيذية من خلال موقع رئاسة الجمهورية.. مع تثبيت معيار المناصفة بين المسلمين والمسيحيين في كافة المراكز والمؤسسات...

وأوقف <اتفاق الطائف> نار الحرب الأهلية التي استمرت 17 عاماً.. ذاق خلالها المواطن اللبناني كافة أصناف العذاب والقهر والتهجير والقتل والتشرد والإحتلال بكافة أشكاله وتنوعه.. وممارسات الميليشيات المسلحة والعناصر غير المنضبطة كما كانت تُسمّى...

لذا يعتبر الباحث القطب ان تعديل <اتفاق الطائف> سيبقى حلم حزب الله وإيران... وسقوط نظام الأسد القريب سيجعل استثمارات إيران في الصراعات العربية التي ابتدعتها وأسست لها تذهب سدى.. وسيعجّل في اندلاع <الربيع الإيراني> حتى تحصل الأقليات الإيرانية على حقوقها.... وقد بدأنا نرى مؤشراته... في تصريحات فريق الرئيس الإيراني حسن روحاني والردّ عليه من قبل فريق الحرس الثوري...

 

إعادة النظر في هذا الاتفاق

 

ولم يرَ غسان بيرم مشكلة في اعادة النظر في هذا الاتفاق، حتى لا نضطر الاحتكام الى الشارع للوصول الى آلية جديدة تعيد توزيع السلطة.. واستعاد الزميل بيرم ذكريات عندما كُلّف من قبل الصحافي الكبير الراحل غسان تويني بإجراء ما يشبه الدراسة حول <الطائف>، ورأي الشخصيات السياسية والحزبية به، وكيف انه قابل اكثر من 12 شخصية، ووجد اكثرها مستاءً من أسلوب تطبيق <الطائف>، وكيف انه لم يكن الاتفاق الذي أرادوه.

الاختلاف حول <الطائف> والاجتهادات في هذا المجال دفعت البعض الى المطالبة بالكشف عن محاضر <الطائف> السرية التي يحتفط بها الرئيس حسين الحسيني، كونه كان عراب هذا الاتفاق من موقعه السابق كرئيس لمجلس النواب، ولأن الكشف عن هذه المحاضر يبدد الغموض والالتباس حول اتفاق ما زال موضع اخذ وردّ، وموضع جدل ونقاش، وبالتالي فإنه <في حال وجود النص ينتفي الاجتهاد>.

ويرى النائب السابق ميشال معلولي خلال اتصال أُجري معه <انه لم يكن لهذه الاجتهادات والآراءحسين-الحسيني اية قيمة او تأثير فعلي على الحياة السياسية اللبنانية، اذ ان السلطة الحاكمة منذ 1992 علّقت العمل بمعظم بنود هذه الوثيقة ومواد الدستور على حدّ سواء>.

ويضيف: <ان السلطة امعنت في الانقلاب على <الطائف> والدستور، فأوعزت باخفاء محاضر المناقشات، لذا لا بدّ من الافراج عن هذه المحاضر ليتسنى ازالة اي ابهام او تأويل حول اي بند من بنوده>.

ويتساءل معلولي قائلاً: <ماذا تعني حكومة الوفاق الوطني؟ وهل عدم تشكيلها مناقض للعيش المشترك، وبالتالي لا شرعية لها كما جاء في مقدمة الدستور...؟ اما في ما يتعلق بقانون الانتخابات النيابية، فما هي الاسس التي يجب اعتمادها لاعادة النظر في التقسيم الاداري اي رسم الدوائر الانتخابية وحصة التمثيل؟ وهل ان حل الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية، وتسليم اسلحتها الى الدولة يشملان المقاومة؟ وهل يندرجان ضمن بسط سيادة الدولة على الاراضي كاملة بقواتها الذاتية؟>.

ويعتبر معلولي <ان اغلاق باب الاجتهاد والتكهنات في هذه القضايا لن يتحقق الا بالافراج عن محاضر مناقشات <الطائف>، لذلك اطلب الى الرئيس الحسيني نشر هذه المحاضر التي هي ملك الشعب اولاً واخيراً>.

الوزير بطرس حرب وهو من النواب الذين شاركوا في مناقشات <الطائف>، وشهدوا ولادة <وثيقة الوفاق الوطني>، أكّد في هذا المجال قائلاً: <في الحقيقة لم يكن هناك اتفاق رسمي مع الرئيس الحسيني لعدم نشر محاضر <الطائف>، الا ان الرئيس الحسيني ارتأى بأنه من الافضل الا تكون هذه المادة قيد التداول لفترة معينة، الا انني شخصياً لست منزعجاً مما جرى في الماضي من مداولات ومناقشات، واليوم صار من المفيد ان يُطرح هذا الموضوع كونه يشكّل مادة مفيدة>.

وعن مدى مسؤولية او حق الرئيس الحسيني في الاحتفاظ بمحاضر <الطائف>، قال حرب: <الرئيس الحسيني يتصرف على اساس انه مسؤول معنوي، وهو لا يستأثر بالموضوع، ولا بدّ من ان نعطي الرئيس الحسيني حقه، وننصفه على الجهد الذي بذله في هذا الإطار. وأعتقد انه حتى الآن لم يطلب أحد منه المحاضر بشكل رسمي، فعندما يتم طلبها بالشكل القانوني، اعتقد ان الرئيس الحسيني لن يمانع، ولن يتأخر في الكشف عنها>.

ويضيف حرب: <يهمني ان اؤكد ان المحاضر عموما يصبح لها طابعها الرسمي عندما تكون موقّعة من الحاضرين. وكما اتذكر فان محاضر <الطائف> لم توقّع، ولم تُسجل بالصوت، بل استخرجها موظفون من مجلس النواب، ولا اعلم مدى صحة الملخص الذي وضعه الموظفون، لذا، لست اكيداً من مدى صحتها، بل يمكن ان نستنير بها، وأن تلقي ضوءاً على مجمل المناقشات التي دارت آنذاك، فهي ليست مستنداً قانونياً او تدبيراً ادارياً له تاريخه الرسمي، بل اقول ان هذه المحاضر اذا لم تكن لها قوة ثبوتية، فان لها على الاقل قوة معنوية، وقوة اضاءة، اذا لم يكن هناك محضر رسمي من قبل رئيس المجلس>.

بطرس-حرب 

<كل شي خالص>

ونفى النائب الراحل صبحي ياغي بالمطلق( خلال احد اللقاءات معه) ان تكون محاضر المناقشات في <الطائف> قد تضمنت ما يسيء، او ما يؤدي الى الضرر، لان النواب كانوا متفقين على معظم التفاصيل، <كانت الامور كلها مُعدّة سلفاً، رحنا على <الطائف> وكل شي كان مقرر وخالص>.

وتابع: <كفى تضخيماً لهذا الامر، فلو حصلت أمور خارجة عن المألوف خلال مناقشات <الطائف>، لتناقلتها وسائل الاعلام، وخصوصاً انه في لبنان ليس هناك من اسرار، فكل شيء مكشوف للرأي العام>.

ويضيف ياغي: <بعكس ما يُقال، فمعظم النواب الذين كانوا على خلاف سياسي في لبنان، كانوا في <الطائف> منسجمين ومتفقين في معظم الامور السياسية والدستورية>.

وعن السبب في احتفاظ الرئيس الحسيني بالمحاضر، يقول ياغي (مبتسماً): <ربما لأن الرئيس الحسيني ليست لديه الثقة بأي كان ليسلمه هذه المحاضر التي صارت ارثاً قانونياً ووطنياً يمكن الرجوع اليه في القضايا التشريعية والدستورية والوطنية...>.

واعتبر النائب السابق حسن الرفاعي في حديث سابق معه : <انه يحق من الناحية القانونية لرئيس مجلس النواب، او لرئيس الحكومة، طلب هذه المحاضر السرية، لأنه في النظام الديموقراطي لا يوجد اسرار، ولا تؤثر هذه المحاضر في مجرى الحياة الدستورية في لبنان، لأن كل ما هو خارج النص الذي كُرّس في الدستور، لا قيمة قانونية له، والمثال على ذلك ما يُسمى بـ <الميثاق>، فهذا <الميثاق> يكون بين الدول او في الانظمة العشائرية، اما في الانظمة ذات النظام المكتوب فلا يوجد <اتفاقيات>. ففي سنة 1943 لم يكن هناك <ميثاق>، بل كان هناك بيان وزاري انتهى الى توافق. ولم يكتسب <الطائف> قيمة، الا عندما صادق النائب-الراحل-صبحي-ياغي عليه مجلس نواب منتخب عام 1992، رغم الشوائب التي رافقت العملية الانتخابية الاولى في ذلك العام، ورغم التزوير الذي رافقها...>.

شرطان للنشر

وتبقى الكلمة الفصل في موضوع الكشف عن محاضر <الطائف>، للرئيس حسين الحسيني عراب هذا الاتفاق، ورئيس ما سُمي بـ <لجنة العتالة> التي بذلت كل ما في وسعها للتوصل الى هذا الاتفاق، مما ادى الى اسكات المدافع، والى الانتقال من الحرب الى <السلم الاهلي>.

فالرئيس الحسيني قال في احد لقاءاته الصحفية: <ان النواب اجتمعوا كلقاء نيابي في <الطائف>، وصاغوا مشروعاً، واقاموا حفلة شتائم وتصفية قلوب في محاضر لا علاقة لها بأساس <الطائف>، لأن <الطائف> أُنجز في بيروت>.

ويضيف: <في <الطائف> وجدنا الإطار العربي والدولي لاعلان الاتفاق وجئنا الى القليعات وعقدنا جلسة رسمية حيث تم اقراره>.

ويتابع: <... نحن محكومون بعقدة التكاذب الوطني، اذ تحدث النواب في <الطائف> الى درجة لم يبق فيها سوى ورقة التين، وأخذوا قراراً بأن تبقى المحاضر سرية...>.

وينفي الرئيس الحسيني، ان يكون قد طُلب منه نشر هذه المحاضر، او الاطلاع عليها، يقول: <... ولا مرة طلب أي من رئيس الجمهورية او رئيس مجلس النواب او الحكومة الاطلاع على محاضر <الطائف>، وأنا رفضت هذا الطلب!!، فالنصوص واضحة، واعتقد ان <الطائف> كُتِب باللغة العربية...>.

يضيف: <هناك حالتان لنشر محاضر مناقشات <الطائف>.اولاً عندما يكون لبنان قد عاد الى حالته الطبيعية، وصار الذين تكلموا في <الطائف> في منأى عن اي استهداف، وثانياً عندما يرفض من بقي على قيد الحياة من النواب الذين وضعوا <الطائف>، ان تبقى هذه المحاضر سرية>.

النائب-السابق-ميشال-معلولي-.-

مصير هذه المحاضر

يُؤكد الرئيس حسين الحسيني، انه ينتظر انشاء مكتبة وطنية عامة بحيث تصبح محاضر <الطائف> من ضمن موجودات المكتبة الوطنية، وبالتالي ان كل المناقشات التي حصلت في <الطائف> موجودة في محاضر جلسات مجلس النواب في القليعات وبيروت>.

وكان الرئيس بري قد قال في <لحظة غضب> في خريف عام 2004، وبينما كان يستعد آنذاك لزيارة المملكة العربية السعودية، انه سيطلب من المسؤولين السعوديين نسخة عن محاضر <الطائف>، فردّ الحسيني يومها ساخراً: <يا ريت لو يأتينا بنسخة منها>.

وترى مصادر سياسية ان لبنان اليوم قد يكون مأخوذاً إلى اتفاق سياسيّ جديد. لن يبقى أسير <طائف> قد يكون مات وبطل وجوده. ومعروف تاريخيّاً بأن لبنان بلد التسويات الجامعة لكلّ الفرقاء، وإذا رام الفرقاء السياسيّون اتفاقاً رضائيّاً متلبنناً بجوهره الميثاقيّ، فما عليهم سوى أن يعقلوا ويعدلوا. أمّا إذا بقوا مستلذّين ومستطيبين ما كان يسميه غسان تويني <الثقافة المتراسيّة> بسلوكياتها المختلفة، فإنّ التسوية الداخليّة سيفرضها منطق الغالب على المغلوب.