تفاصيل الخبر

هل لبنان دولة مخترقة إسرائيلياً؟

23/01/2020
هل لبنان دولة مخترقة إسرائيلياً؟

هل لبنان دولة مخترقة إسرائيلياً؟

بقلم علي الحسيني

من قلب الحدث في <وسط بيروت>، كانت صحيفة <هآرتس> الإسرائيلية تنقل عبر خاصية البث المباشر في <فايسبوك> الأحداث التي الدامية بين المتظاهرين والقوى الأمنية اللبنانية يوم الأحد الماضي، الأمر الذي أثار بلبلة واسعة في الأوساط اللبنانية خصوصاً وأن المقاطع التي عرضتها الصحيفة العبرية، تضمنت مقاطع وتعليقات باللغات العربية والانكليزية والعبرية، من بينها لبنانيون يسألون عن كيفية التقاط التردد وبثه مباشرة من بيروت. وفيما البعض راح يتساءل عن خرق إسرائيلي مُحتمل للتظاهرات وعن وجود صحافيين إسرائيليين أو أجانب يعملون لصحيفة <هآرتس>، تكهّن البعض بأن ما يجري هو مجرد نقل إسرائيلي عن مواقع أو وكالات أجنبية من بينها <رويترز> او <اسوشييتد برس>، على غرار ما حصل خلال المؤتمر الصحافي الذي كان عقده كارلوس غصن منذ فترة وجيزة. لكن سرعان ما اتضحت الأمور وليتبيّن أن ثمة صحافياً موجوداً في <الوسط>، هو الذي يقوم بإرسال الصور والمعلومات بشكل مباشر الى إسرائيل.

 

الحقيقة عند أمن الدولة!

مع احتدام المواجهات بين المتظاهرين والقوى الأمنية في محيط مجلس النواب ووصولها إلى حدود إستعمال القنابل المسيّلة للدموع والرصاص المطّاطي، ورشق المتظاهرين القوى الأمنية بالحجارة والعبوات الفارغة وصولاً إلى استخدام قنابل <مولوتوف> من قبل الثوّار، كانت صحيفة <هآرتس> الإسرائيلية تقوم بنقل مقاطع مصورة من منطقة المواجهات بشكل مباشر عبر صفحتها على موقع <فايسبوك>، الأمر الذي أثار استنكار مستخدمي مواقع التواصل، وتساءلوا عن كيفية السماح لمراسل وسائل الإعلام المعادية بالوجود في بيروت ونقل المجريات على الأرض على الهواء مباشرة. وقد وضع مغردون هذا الأمر برسم أجهزة الأمن، مطالبين بإصدار توضيح حوله، في حين رجّح آخرون أن تكون الصحيفة قد استعانت بأحد المراسلين الأجانب الموجودين في بيروت، ليقوم بالبث مباشرة من وسط المدينة، فيما رجح آخرون أن يكون البث تم كإعادة بث لتردد الوكالات الاجنبية التي تبث مباشرة من بيروت.

بعد أقل من 24 ساعة على البلبلة التي أثارتها عملية النقل المباشر بين بيروت وتل ابيب خرجت المديرية العامة لأمن الدولة ببيان اكدت أنه إثر تداول وسائل التواصل الاجتماعي خبراً حول إقدام أحد الأشخاص على بث فيديوهات مباشرة للأحداث التي كانت تحصل في وسط بيروت لصالح صحيفة <هآرتس> الاسرائيلية، تمكّنت دورية من المديرية العامّة لأمن الدولة من تحديد مكان البث والتوجّه إليه، حيث اشتبهت بأحد الأشخاص الذي كان يُصّور المقاطع نفسها الموجودة على الصفحة المعادية، فتمّ اقتياده للتحقق من هويته والتثبّت من علاقته بتلك الصفحة وحقيقة بثّه لصالحها، فتبيّن أنّه يُدعى <نيكولاس ا.د.ف.> ويحمل الجنسية الأميركية ومقيم في محلة عين المريسة، كما ادّعى أنّه صحافي يعمل لحسابه الخاص.

وأوضحت انه بعد مراجعة مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات، أشار بتوقيفه وتسليمه الى مديرية المخابرات في الجيش اللبناني مع المضبوطات للتوسع بالتحقيق، فتم ذلك.

 

التجسس المستمر!

المؤكد أن أعمال التجسّس الإسرائيلية ضد لبنان، لم تتوقف يوماً وهذا أمر أصبح في صلب الصراع بين البلدين منذ سنوات طويلة، إلا أنها تكاثرت في الآونة الأخيرة جوّاً وبحراً، وكان آخرها إسقاط طائرتين تجسسيتين إسرائيليتين فوق الضاحية الجنوبية، هذا بالإضافة إلى إنتهاكات مستمرة للحدود اللبنانية البرية والمائية والجوية. وهذا الأمر يُعيدنا إلى محاولات إسرائيلية لتجنيد عملاء لبنانيين في لبنان، للقيام بأمال تخريبية وعدائية، مرة عبر استهداف شخصيّات حزبية، ومرّات بهدف زرع الفتن بين اللبنانيين من خلال تنفيذ عمليات استهداف ضد مناطق وشخصيات محددة، بهدف إثارة الفتن الطائفية والمذهبية، ولعل أبرزها محاولات كانت جرت منذ عام ونيّف تقريباً من خلال تجنيد عملاء تحت غطاء <رحلات سياسية>. يومها دعت المديرية العامة للأمن العام المواطنين وأصحاب مكاتب السياحة والسفر، الى التنبّه لعدم الوقوع ضحية اشخاص او شركات يدّعون تنظيم رحلات سياحية مختلفة الى مناطق لبنانية.

وأوضحت يومها أن الترويج لهذه الرحلات يتم عبر الرسائل الالكترونية او عبر مواقع التواصل الاجتماعي من دون ان يكون لهؤلاء مكاتب رسمية أو وكلاء معتمدين، وذلك بعدما تبين ان كيان العدو الاسرائيلي يحاول النفاذ الى لبنان عن طريق تجنيد عملاء له ضمن وفود تحت غطاء <رحلات سياحية> من أجل استخدامهم لغايات امنية.

مصادر أمنية مواكبة لعمليات المتابعة والرصد في ما يتعلق بهذه الشبكات، تؤكد أن كشف هذه الشبكات يومها ولغاية اليوم، لم ولا يتم عن طريق المصادفة، إنما هو مجهود عمل متواصل يبدأ مع ملاحظة المديرية العامة للأمن العام، تسلّل أشخاص إلى لبنان من خلال بعض الوفود. وهؤلاء الأشخاص تحوم حولهم شبهات لها علاقة بالتعامل مع إسرائيل. وبنتيجة المتابعات الدقيقة، يتبيّن أن هذه الشركات التي تقوم بهذه الرحلات غير مرخّص لها وغير قانونية ولا تخضع لأدنى الشروط السياحية المعترف بها. وأوضحت المصادر أن هناك شركات خاصة في الخارج تقوم بتنظيم هذه الرحلات إلى مجموعة بلدان ولبنان واحد منها. والأبرز أنه اثناء وصولها إلى لبنان لا تقوم باتباع الشروط المطلوبة أقله مواكبتها من قبل ما يُعرف بـ<مرافقة> الوفود أو المتابعة من الشرطة السياحية.

وتؤكد المصادر أن هناك أصولاً للرحلات ومتابعات لا بد من إجرائها تقوم بها الشركة أو المؤسسة المعنية بالرحلة. وهذا ما نُسميه استغلال لبعض الأوضاع ومنها هذه الشركات، للتسلل من عبرها الى لبنان وإنشاء شبكاتها فيه. ويُذكر أن الأمن العام كان أوقف في تلك الأثناء الكندي <ف.ج> من مواليد العام 1978 بجرم العمل لمصلحة استخبارات الجيش الاسرائيلي. وخلال التحقيق معه، اعترف أنه خلال العام 2013 تم تجنيده عبر العميل الفار اللبناني (ن.ج.) الذي يشغل منصب رئيس شبكة في الوحدة 504 في استخبارات الجيش الاسرائيلي. كما اعترف الموقوف أنه تم تكليفه بمهام تجنيد اشخاص لبنانيين لإختراق البيئة الحاضنة لـحزب الله وبجمع المعلومات الامنية لصالح الجيش الاسرائيلي والوصول لمعلومات عن الطيار الاسرائيلي <رون اراد>، إضافة الى التحضير لدخول إسرائيل.

 

وقائع من التاريخ والتجسّس براً وبحراً!

إن قضيّة التجسّس والإرهاب الإسرائيلي قديمة في التاريخ اللبناني. والتجسّس الإسرائيلي لا ينفصل عن إرهاب الدولة لأن العدو يريد معلومات يستخدمها في التفجير والاغتيال والقصف والنسف وإثارة الفتنة. وتجسّس العدو شامل وغزير الأنواع وتتنوع مهامه بين أجهزة عدة بين الجيش وبين جهاز <الموساد> و<الشين بيت>. من بين أعمال التجسس الإسرائيلية، تحفل أرض الجنوب اللبنانية بهكذا عمليات التي ترتفع وتيرتها وتخفت، بحسب الحاجة الإسرائيلية أو المأزق الذي تكون واقعة فيه. ففي العام الماضي عثر الجيش على جهاز تنصت مزروع في صخرة في الباروك، وقبله عثر على أجهزة مماثلة في الوزاني ومركبا وبليدا وبني حيان وعديسة والخيام، معظمها كان مزروعاً في الاراضي اللبنانية الجنوبية المقابلة للمستوطنات الاسرائيلية، بهدف كشف معلومات عن تحركات حزب الله والجيش اللبناني، الامر الذي اعترفت به اسرائيل في مرحلة سابقة أمام <اليونيفيل> عندما سُئلت عن الهدف من زرع أجهزة تنصت في الاراضي اللبنانية، فكان ردها الاعتراف وليس النفي. وفي آب (أغسطس) وأوائل أيلول (سبتمبر) من العام الماضي، نشر الجيش الاسرائيلي عشرات الاعمدة ذات الاحجام المختلفة في مواقعه المشرفة على الحدود الجنوبية، مضافة الى أكثر من 90 عمود إرسال وتنصت مرفوعة في تلك المواقع. وفي أيار (مايو) الماضي، زرعت اسرائيل اجهزة تنصت في عدلون (الزهراني)، أدت الى مقتل أحد عناصر حزب الله خلال عمله على تفكيكها.

وهنا يكشف مصدر أمني أن عمليات التجسس هذه تشوش على شبكات الهاتف الخليوي والثابت، من خلال إرسال ذبذبات وإشارات صادرة عن أعمدة التجسس المنصوبة في التلال المشرفة على الحدود الجنوبية، مشيرة الى أن البوارج الحربية الاسرائيلية المتمركزة في عرض البحر قبالة المياه الاقليمية اللبنانية، تساهم أيضاً في هذا التشويش، وفي عمليات التجسس على الانترنت والصحون اللاقطة لمحطات التلفزيون.

 

ما هو جهاز الموساد؟

يُطلق إسم <الموساد> على جهاز الإستخبارات الخارجيَّة الإسرائيلي، والاسم الكامل للموساد هو <مؤسسة الإستخبارات والمهمات الخاصة>. تشكَّل هذا الجهاز على أنقاض الدائرة السياسية التي عملت فى نطاق وزارة الخارجية الإسرائيلية، وكانت مهمتها الرئيسة جمع المعلومات خارج إسرائيل، وقد عمل الموساد فى البداية تحت تسميات مختلفة، منها <المركز الرئيسي للتنسيق>، ثم <المؤسَّسة الرئيسة للاستخبارات والأمن> وانتهى أخيراً بظهوره باسمه الرسمي الحالي <مؤسسة الإستخبارات والمهمات الخاصة>، وتلخَّصت مهـامه في: جمع المعلومات من خارج إسرائيل وذلك عبر زرع العملاء والجواسيس في مُختلف دول العالم، وخصوصاً الدول ذات الأهميَّة الإستراتيجيَّة، والدول العربيَّة المؤثّرة على أمنها وقدراتها العسكريَّة.

السعي لتجنيد اليهود الذين يتبوؤن مراكز مهمة في الدول الأجنبيَّة بهدف الحصول على المعلومات، خصوصاً الأسرار التكنولوجيَّة المتطوِّرة من جميع دول العالم ومتابعة حصول الدول العربيَّة والإسلاميَّة عليها.

التنسيق مع أجهزة الإستخبارات في الدول الصديقة في مجال الإهتمامات المشتركة التي تحقِّق مصالح الجانبين وبخاصةٍ المصالح الإسرائيلية. رصد النشاطات الإقتصاديَّة والتطوُّر التكنولوجي في منطقة الشرق الأوسط لمنع دولها، وخصوصاً الدول العربيَّة من امتلاك أي تكنولوجيا متقدّمة تؤثّر على ميزان القوى مستقبلاً، والعمل على بثِّ التفرقة بين الدول العربيَّة والإسلاميَّة لعدم حشد قواها ضد إسرائيل. متابعة الأنشطة والعمليات الموجَهة ضد الأهداف الإسرائيليَّة في الخارج ورصدها. ويُعتبر جهاز الموساد من أجهزة الإستخبارات القليلة في العالم التي تعتمد في انتشارها على دعم مجموعات المتطوعين، حيث يُمثِّل اليهود المنتشرون في أنحاء العالم عنصراً مهماً في تنفيذ الخطط والبرامج والإختراق الأمني. يُعرف عن جهاز الموساد إهتمامه بالدعاية الإعلامية لأعماله في محاولة لإبرازه على المستويين الداخلي والخارجي، ولإيهام الإسرائيليين بأنهم يملكون جهازاً قوياً من خلال إلقاء الضوء على إنجازاته.

 

تجنيد عبر الأنترنت!

 

منذ سنوات قليلة، أطلق <الموساد> الإسرائيلي موقعاً على صفحة الانترنت لاجتذاب المرشحين للعمل كجواسيس وتقنيين وخبراء واطلاعهم على وظائفه الشاغرة وقد تم عرض عشرات الوظائف المطلوبة، مفتوحة أمام الرجال والنساء على حد سواء، ومصنفة لثلاثة فروع رئيسية: العمليات، جمع المعلومات المخابراتية والتكنولوجية، الفضاء الإلكتروني والإدارة. وقد بث الموقع شريطاً مصوراً يتوجه فيه عملاء للموساد بصوتهم للجمهور الواسع لدعوتهم لإشغال الوظائف الشاغرة وسط محاولات إقناع تحفز روح المغامرة والتحدي لدى الشباب. وقد بدا الشريط المصوّر وكأنه مأخوذ من فيلم بوليسي مثير حيث يحتوي على لقاءات سرية، ومشاهد هوليوودية، كالمروحيات والطائرات بلا طيار تلاحق مطلوبين، ومضامين دعائية لتشجيعهم على الانضمام لصفوفه، واستخدام بعض قصص المغامرة والعمل بالظلال وسط حديث بالخلفية عن الكفاءات البشرية العالية المحبة للتحديات.

واللافت أن أحد رجال الموساد في الشريط، يتوجه إلى المتصفحين بالقول: خيالكم كما هو واقعي، وعملي غير اعتيادي، هذه مهمتي ورسالتي وربما تكون مهمتك أنت أيضاً. وهناك <كلاشيهات> دعائية أخرى مقتبسة من قادة صهاينة كقول رئيس وزراء العدو الأسبق <شيمون بيريز>: <أشخاص بدون خيال لن يصنعوا أفعالاً مدهشة>، أو لمؤسس دولة اسرائيل <دايفيد بن غوريون> يقول: <لدينا تستطيع رؤية ما لا يُرى وفعل غير الممكن> و<التاريخ لا يُكتب بل يُصنع>. ويتيح الموقع التواصل مع الموساد باللغات العبرية، والفرنسية والإنجليزية والروسية والعربية والفارسية بهدف تجنيد جواسيس وخبراء يهود وأجانب من خارج البلاد بصرف النظر عن البلد أو الجنسية أو ديانة الأشخاص. والأبرز أنه يعد بمكافأة عالية للمرشحين من الرجال والنساء الذين يعرفون كيف يكتمون السر ولديهم طموح كبير.