تفاصيل الخبر

هل كذبت الصين؟

02/04/2020
هل كذبت الصين؟

هل كذبت الصين؟

بقلم خالد عوض

[caption id="attachment_76502" align="alignleft" width="333"] الرئیس الصیني شي جین بینغ[/caption]

الأحاديث عن نظرية المؤامرة في مسألة الفيروس الذي إجتاح العالم تبدأ من الصين ولا تنتهي في الولايات المتحدة. ما أصل الفيروس ومن أين جاء؟ هل فعلا إنتقل من الخفاش إلى الإنسان؟ أو هو نتيجة خطأ في إختبارات بيولوجية؟ أو أنه سلاح تستخدمه الصين ضد الولايات المتحدة، أو العكس، لتبوؤ المركز الإقتصادي الأول عالميا؟ هل هناك علاقة بين تفشيه والموجات الكهرومغناطيسية المحيطة بنا من جراء شبكات الإتصالات وخاصة الأبراج القوية الإرسال مثل تقنية الجيل الخامس (5G)؟ بصراحة لم تعد تهم كل تلك الأقاويل والتأويلات والبحث عن السبب والمسبب. الفيروس يغير العالم بكل منظوماته وسنخرج حتما بمنظومات مختلفة. بعيدا عن نظرية المؤامرة التي تبين أنها لا تنحصر بالعالم العربي، يمكن أن يكون حساب العالم مع الصين قاسيا جدا إذا تبين أنها كذبت بالأرقام.

الأرقام تدين.. الصين 

من الصعب التصديق أن بلد المليار والأربعة مئة مليون نسمة أي بعدد سكان يساوي ضعف ما لدى أوروبا والولايات المتحدة مجتمعتين، وبمساحة أصغر من الولايات المتحدة أو أوروبا حصل فيها مجموع إصابات أقل من خمسة عشر بالمئة من مجموع  إصابات أوروبا ومجموع وفيات أقل من ربع ما شهدته إيطاليا وحدها.

حسب الأرقام الرسمية الآتية من الصين وصل عدد الحالات هناك إلى أقل بقليل من ٨٢ ألف حالة وحوالي ٣٣٠٠ وفاة من جراء وباء "كورونا". الصين أكدت مؤخرا أن أول حالة سجلت عندها كانت في ٨ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٩ ولكنها في البداية أعلمت منظمة الصحة العالمية في آخر يوم من السنة الماضية أنها اكتشفت فيروسا جديدا من دون أن تؤكد أنه ينتقل بين إنسان وآخر. طبيب العيون الصيني الدكتور" لي وين ليانغ" الذي أعلن ذلك على حسابه الخاص على شبكات التواصل الإجتماعي في ٣٠ كانون الأول (ديسمبر) وقرع جرس الإنذار في كل الصين أي قبل يوم من إعلان السلطات الصينية رسميا عن وجود فيروس جديد، استدعي بعد أسبوع من قبل السلطات المحلية في "ووهان" وأجبر على توقيع إفادة تقول أن كلامه عن الشبه بين الكورونا القديم، الشديد العدوى، والفيروس الجديد هو محض أفكاره ولا يزيد عن كونه شائعة. ولكن سرعان ما تم رصد حالات عديدة في الصين، ليس فقط في "ووهان" بل حتى في "بيجينغ" و"شنغهاي" وغيرها من المدن الصينية الكبيرة. في ١٧ كانون الثاني (يناير) ٢٠٢٠ لم يعد بإمكان الصين إخفاء تفشي الوباء فأقرت أن الفيروس سريع الإنتقال بين الناس وأنه من فصيلة الكورونا.

الطبيب " وين ليانغ" الذي أصبح بطلا قوميا لأنه أول من أعلن عن الفيروس توفي في بداية شباط (فبراير) عن عمر لا يزيد عن ٣٤ عاما بعد أن أصيب هو نفسه بالكورونا. الصين لم تكن متحضرة لكورونا وباغتتها سرعة تفشيه. صحيح أنها اتخذت إجراءات صارمة في الحجر الإلزامي وعزلت مدينة ووهان بالكامل، إلا أن التقارير التي بدأت تصل من هناك والصور التي تظهر مئات الناس، بعد خروجهم من الحجر، وهم بالطوابير لإستلام  قوارير الرماد العائدة لأقاربهم الذين قضوا بالكورونا، تؤكد أن الصين لم تقل كل الحقيقة منذ البداية. هي عادت وأخبرت منظمة الصحة أن الإصابة الأولى تعود إلى ٨ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٩ وليس ٣١ ولكن هناك عدة إشارات، منها ما جاء في صحف تايوانية، أن الإصابة الأولى تعود إلى قبل ذلك بأسابيع وأن الإصابات كانت تخطت ستين حالة قبل نهاية العام الماضي.

[caption id="attachment_76503" align="alignleft" width="207"] طبیب العیون الصیني لي وین لیانغ الذي إكتشف الكورونا[/caption]

ماذا كان تغير؟

ماذا كان حصل لو أبلغت الصين العالم باكرا ولم تخف الحقيقة كما يشاع حاليا؟ هل كانت استعدت أوروبا والولايات المتحدة وغيرها من الدول التي أصابها الوباء بطريقة أفضل، وصنعت الكمامات والمعدات الطبية اللازمة وجهزت مستشفياتها؟ أما أنها كانت عزلت نفسها باكرا عن الصين وأخذت إجراءات الحجر باكرا وخففت من التفشي؟ كل ذلك افتراضيات. الأكيد أن الفيروس يتغير حسب طبيعة الأجسام والمناخ وغيرها من العوامل الطبيعية التي لا يمكن حصرها. حتى سرعة انتقاله تتغير من بلد إلى آخر. وتشير دراسات وإحصاءات منظمة الصحة العالمية أن عامل العدوى (R) يتراوح بين ٢ و٣، أي شخصان إلى ثلاثة أشخاص لكل مصاب مما يعني أن سرعة إنتقال العدوى تختلف من بيئة إلى أخرى ومن مناخ إلى آخر. ربما كانت العدوى في آسيا أبطأ مما هي في أوروبا أو الولايات المتحدة وهذا ليس ذنب الصين. كما  أن قدرة السلطات الصينية على فرض عزل مدينة بكاملها والحجر المنزلي وحالة الطوارئ بصرامة تختلف عن طريقة الديموقراطيات في فرض إجراءات على مواطنيها. ناهيك عن القدرة الصناعية الصينية في تلبية حاجات المستشفيات المختلفة والسرعة اللوجيستية الإستثنائية في توفير كل مستلزمات الوقاية للطواقم الطبية وتوفر الجسم البشري الطبي الكافي، كل ذلك مكن الصين من محاصرة الوباء على عكس مثيلاتها في الغرب.

بعد الفيروس أكثر من عالم؟

من الباكر الحديث عن عالم بعد كورونا أو بالأصح عوالم بعد كورونا. ولكن المرجح أن يصبح البند الأول عند كل الحكومات الغربية هو إعادة تصميم النظام الطبي والإستشفائي وشبكات الأمان الإجتماعية بشكل كامل. ستتغير  الميزانيات الحكومية وتنقلب الأولويات رأسا على عقب. ستعطى الأهمية التي كانت تولى لموازنات الدفاع لوزارات الصحة ومراكز الأبحاث الطبية. كما ستعود قضية حماية الناس والمجتمعات من أخطار التغير المناخي إلى الواجهة حتى لو كانت تحت مسميات الحماية من الكوارث الطبيعية. كما سيعود الإهتمام بالإنفاق على البنى التحتية كالوسيلة المثلى لتحريك العجلة الإقتصادية. أما بالنسبة للصين فسيكون التعامل معها بنفور أكبر. الناس في أوروبا تطالب حكوماتها منذ الآن وفي غمرة أزمة كورونا بعدم السماح لأي إستثمار صيني عندها وبإعتماد سياسة صارمة في الإكتفاء الذاتي بعد تبين أن الصين هي اليوم "منقذة" العالم بالكمامات والمواد الطبية الأخرى.

العواقب الإقتصادية لما يحدث في العالم اليوم ستكون تكوينية وليس فقط تغييرية.