تفاصيل الخبر

حل خلاف الخطوط يحدد مسار ومصير مفاوضات ترسيم الحدود البحرية في الناقورة

21/10/2020
حل خلاف الخطوط يحدد مسار ومصير مفاوضات ترسيم الحدود البحرية في الناقورة

حل خلاف الخطوط يحدد مسار ومصير مفاوضات ترسيم الحدود البحرية في الناقورة

 

[caption id="attachment_82128" align="alignleft" width="444"] مقر قيادة اليونيفيل في الناقورة حيث جرت جولة التفاوض الأولى.[/caption]

 في 14 تشرين الأول (اكتوبر) الجاري، بدأت رحلة الألف ميل في المفاوضات بين لبنان واسرائيل لترسيم الحدود البحرية برعاية الأمم المتحدة وحضور الولايات المتحدة الأميركية بدور الوسيط والمسهل للتفاوض. جلسة أولى في مقر القيادة الدولية في الناقورة، ستليها جلسة ثانية في 26 الشهر الجاري وجلسة ثالثة في 29 من الشهر نفسه. ثلاث جلسات في شهر واحد دليل على رغبة بالاسراع في انجاز هذا الملف الذي يبدو شائكاً، لكن اذا كانت الرغبة في الوصول الى اتفاق فإن إمكانية تساهل الطرفين تبقى واردة وتشكل العامل الاساسي لنجاح المفاوضات التي يفترض ان تؤدي الى ترسيم الحدود البحرية، على ان يصار لاحقاً الى "تصحيح" الحدود البرية انطلاقاً من تصحيح "الخط الازرق" في 13 نقطة لا تزال عالقة بين الطرفين، وتم تذليل عشر منها قبل مدة وتبقى ثلاث نقاط رئيسية كان الخلاف حولها، علماً ان امكانية ترسيمها سهلة باستثناء نقطة رأس الناقورة.

 الجلسة الاولى مرت بسلام، حضرها مساعد وزير الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الاوسط "ديفيد شنكر" والمنسق الخاص للامم المتحدة في لبنان "يان كوبيتش"، وعن الجانب اللبناني الوفد برئاسة العميد الركن التيار بسام ياسين وعضوية العقيد الركن البحري مازن بصبوص والخبير نجيب مسيحي وممثل هيئة قطاع البترول وسام شباط. فيما رئس الجانب الاسرائيلي مدير عام وزارة الطاقة "اودي اديري". لم تكن الجلسة الاولى للدخول في تفاصيل التفاوض لأنها بروتوكولية اكثر مما هي عملية، واقتصرت على اربع كلمات لرؤساء الوفود الاربعة دارت كلها على ضرورة الاسراع في ايجاد الحلول المناسبة وانجاح المفاوضات، والانطباع الذي خرج من اعضاء الوفد اللبناني كان ايجابياً خصوصاً ان التركيز كان على ان الهدف واحد وهو ترسيم الحدود البحرية.

 حاول الاميركيون دفع الوفد اللبناني الى الاتصال المباشر مع الوفد الاسرائيلي لكن جواب الوفد اللبناني كان صارماً لجهة ان المفاوضات غير مباشرة ولا مجال لجعلها مباشرة. كذلك حاول الاميركيون الاشارة الى امكانية تناول البحث في مواضيع اخرى، وكان الجواب ان المفاوضات محصورة بالترسيم البحري، وقد تم الولوج الى هذا الموضوع عند البحث في امكانية حصول تغيير في عضوية الوفود وكان الرد بالايجاب عندما تدعو الحاجة. لم يحصل اي تواصل مباشر بين الوفد اللبناني والوفد الاسرائيلي لأن الحديث دار مع الوسيط الاميركي حيناً وعبر المنسق الدولي "كوبيتش" تفادياً لأي نقاش متبادل أراده الاسرائيليون من اليوم الاول لكنهم لم يحصلوا عليه.

 المصادر الدولية تحدثت عن جو ايجابي لدى الوفد الاسرائيلي لاسيما خلال حصر البحث بالحدود البحرية وإن كان يريد حصر البحث بالخط بين النقطتين 23 و 1- في حين يريد الوفد اللبناني الانطلاق في الاجتماع المقبل من تحديد منطقة رأس الناقورة والخط الذي يحمي المصالح اللبنانية لاسيما وان لدى الوفد اللبناني الادلة الثبوتية والتقنية التي تؤكد على حق لبنان في هذا الخط. وهنا تكمن عقدة المفاوضات لأن الجانب الاسرائيلي ينطلق في المفاوضات من الخط الذي رسمه السفير "فريدريك هوف" عندما كان يتولى هذا الملف وعرف الخط الجديد باسمه اي "خط هوف". في اي حال انتهى الاجتماع الاول "على خير" ولم تحصل فيه اي مناوشات حتى خلال استراحة القهوة لم يحصل اي احتكاك بين الوفدين باستثناء محاولة السفير "شنكر" الحديث ايجابا عن "خط هوف" فكان الجواب اللبناني بالرفض... كذلك رفض الجانب اللبناني التقاط صورة تذكارية قد تجمعه مع الوفود الثلاثة، واكتفي بصورة تجمع الوفد اللبناني مع السفير "شنكر" و"كوبيتش" بعد مغادرة الاسرائيليين الناقورة. اما البيان الذي صدر عن المجتمعين فتم الاتفاق عليه وارتكز على التأكيد بأن الحاضرين "أجروا محادثات مثمرة وأعادوا تأكيد التزامهم بمواصلة المفاوضات في وقت لاحق".

منطلقات التفاوض

[caption id="attachment_82127" align="alignleft" width="448"] الرئيس ميشال عون يعطي تعليماته للوفد اللبناني المفاوض برئاسة العميد محمد ياسين.[/caption]

جلسة الاثنين 26 تشرين الاول ( اكتوبر) لن يتغير فيها سوى رئيس الوفد الاميركي حيث سيحل السفير "جون ديروشر" محل السفير "شنكر" حيث يتوقع ان يبدأ النقاش الجدي والدخول في التفاصيل والموقف اللبناني يمكن اختصاره بالمنطلقات الاتية:

  • يتمسك لبنان بكامل حقه في مياهه الاقليمية ويستند في ذلك الى القوانين الدولية المرعية الاجراء. وحسب اتفاقية قانون البحار والاعراف الدولية بما فيه قرارات محكمة العدل الدولية والمحاكم التحكيمية والمحكمة الدولية لقانون البحار: عدم احتساب تأثيرالجزر الصغيرة الحجم التي لها اثر غير تناسبي على خط الترسيم كما هي الحال بين لبنان وفلسطين المحتلة.
  • الخط الازرق هو الخط الذي اعترف به لبنان "خط 23" بينما الخط الاحمر هو الخط الاسرائيلي "اي 1" بينما خط "هوف" الذي اقترحه الاميركيون ويقسم المنطقة بين الخطين وهو خط متوازي الابعاد بين شواطىء الدولتين مع احتساب تأثير للجزر.
  • هناك جزر قبالة الاراضي الاسرائيلية، يدخل الوفد في معضلة الجزر اذا تم ضمها الى المساحة الدولية. خط "هوف" ضم الجزر. اذا تم احتسابها لساحل فلسطين يكون عندنا خط "هوف" واذا تجاهلنا ضمها بحكم غير موجودة يكون عندنا الخط الاخضر، وهذا الامر يضيف الى المنطقة اللبنانية 1430 كلم2 ( كانت 860 كلم2) فتصبح المنطقة 2290 كلم2. هذه الجزر الصغيرة وغير المأهولة وهي عبارة عن صخور ناتئة ومساحتها بضعة امتار، بهذه الحالة القانون الدولي والاجتهاد الدولي يسمحان للبنان بتجاهلها في الترسيم. وحسب التوجيهات المعطاة للوفد اللبناني خلال الاجتماع الذي عقد برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون فإن التفاوض يجب ان يبدأ من هذا الخط الذي يطالب به لبنان لأنه حسب القانون الدولي يمكن تجاهل هذه الجزر وبالتالي يمكن تطبيق القانون الدولي. وهذا الموقف المتقدم يعني عملية خلط للاوراق.
  • وبحسب القانون الدولي هذا الخط يعبر حقل كاريش الاسرائيلي وهو حقل غازي ونفطي ويكون نصفه في المياه الاقليمية اللبنانية، واذا كانت اسرائيل ستبدأ العمل به العام المقبل فبامكان لبنان ان يطلب وقف الاعمال. كما بامكان لبنان الاستفادة من الحقل 72 الذي فتح بابه للتراخيص وبشكل كامل تقريباً.

 لقد نجح لبنان في تذليل "عقدة " اولى برزت حين تم تشكيل الوفد اللبناني اذ تعالى اعتراض حركة  "امل" وحزب الله ضم مدنيين اثنين الى الوفد، في حين يرى " الثنائي الشيعي" ان الحضور يجب ان يقتصر على عسكريين. الا ان الرئيس عون لم يحدث اي تبديل في تركيبة الوفد اللبناني نظراً للاختصاص اولاً، وثانياً للحاجة الى وجود خبير في الشؤون النفطية ما يستوجب تولي هيئة قطاع البترول المشاركة في المفاوضات نظراً الى الخبرة والاختصاص.

والواقع ان اعتراض "الثنائي الشيعي" ظل في اطار التعبير عن وجهة النظر ولم يستتبع بردود فعل سلبية اخرى لادراك "الثنائي" اهمية المضي في المفاوضات وعدم اضعاف الوفد المفاوض في مرحلة دقيقة خصوصاً ان اسرائيل وافقت على التفاوض من دون شروط مسبقة.

أسباب التفاوض

وتقول مصادر مطلعة ان انطلاق المفاوضات لم يكن من عدم اذ تضافرت عوامل عدة، محلية واقليمية ودولية، لتسريع حركة المفاوضات منها اهمية مسألة استكشاف النفط والغاز التي شغلت المسؤولين في لبنان واسرائيل والتي قد تساهم في الانتعاش الاقتصادي لدى الطرفين. اضافة الى اطلاق حملة استكشاف اسرائيلية جديدة في صيف 2020 في البلوك 72 الواقع على تخوم الحدود البحرية اللبنانية. فضلاً عن الالتزام بالمضي قدماً نحو حفر بئر في البلوك 9 في جنوب لبنان من قبل شركة "توتال" الشركة المشغلة ضمن تحالف يضمها الى شركتي "ايني" الايطالية و"نوفاتك" الروسية، وتحديداً بعد النتائج الاولية السلبية للبئر الاولى الذي تم حفرها في البلوك رقم 4. وللتذكير، حوالي 9 في المئة من مساحة البلوك رقم 9 تقع في المنطقة المتنازع عليها.

ولا بد من التوقف عند موافقة الحكومة الاسرائيلية في 19 تموز ( يوليو) الماضي على المشاركة مع قبرص واليونان في بناء خط انابيب تتعدى قيمته الــ 6 مليارات دولار لامداد اوروبا بالغاز وذلك بدءاً من عام 2025، مما قد يؤدي الى زيادة التوتر مع تركيا وروسيا على نطاق اوسع. وثمة من يعتبر ان الضغوط الاميركية على ايران والقوى المتحالفة معها ادت الى زيادة العقوبات على اشخاص ومصارف منها لبنانية. يضاف الى ذلك التخبط اللبناني على كل الصعد السياسية والاقتصادية والمعيشية واحباط المبادرة الفرنسية التي كانت تحمل بوادر امل في حل عقدة المساعدات الدولية للبنان.

كل هذه العوامل الضاغطة قد تغير المعادلة السائبة وقد تنتج مناخاً ضاغطاً للتقدم نحو انفراج حدودي. ولكن كم سيستغرق هذا الامر من الوقت؟ وما الاطار العملي الذي سيحدد لبدء استكشاف النفط والغاز الذي يحتم التعاون المستقبلي بين الدولتين، اقله على كيفية نقل الغاز نحو اوروبا عبر انابيب مشتركة؟

اسئلة لن تجد اجوبة قريبا لها، لكن الامل يبقى في ان تنجح المفاوضات في الناقورة لتوفير عامل ايجابي يساعد على بدء التنقيب عن النفط والغاز في الحقول الجنوبية.