تفاصيل الخبر

هل بدأت التصفيات بين إسرائيل و"حزب الله"؟

23/04/2020
هل بدأت التصفيات بين إسرائيل و"حزب الله"؟

هل بدأت التصفيات بين إسرائيل و"حزب الله"؟

بقلم علي الحسيني

[caption id="attachment_77234" align="alignleft" width="328"] جنود اسرائيليون عند الحدود مع لبنان[/caption]

 

  في وقت كان فيه حزب الله مُنشغلاً في تحضير وتهيئة الأرضية اللازمة لمواجهة فيروس "كورونا" ضمن بيئته ومناطقه مع ما أكد عليه من إمكانية مد يد العون إلى البقية في البلاد في حال توافرت لديه الإمكانيات، كانت "اسرائيل" ترصد تحركاته من الجو وسط ذهول تام أمام الخطة الموضوعة والتي كان استعرض جهوزيتها الثلاثاء ما قبل  الماضي. وعلى بعد مسافة زمنية لم تتجاوز الأربع والعشرين ساعة لاستعراض هذه الخطة، استهدفت طائرة "إسرائيلية" مُسيّرة سيّارة رباعية الدفع كان بداخلها عناصر من "الحزب" بصاروخين أخفق الأول هدفه مما سمح للعناصر بالفرار من السيارة، قبل أن يتمكن الصاروخ الثاني من إصابتها بشكل مباشر.

 

رصد من الجو بدل المواجهات المباشرة

 جميع المؤشرات تدّل على أن غياب المواجهات الميدانية المباشرة بين "اسرائيل" وحزب الله، لا تعني على الإطلاق عدم حصول استفزازات متقطّعة بينهما، أو مواجهات خلفيّة ذات طابع أمني على غرار العمليّة الأخيرة التي أرادت من خلالها "إسرائيل" التأكيد على حضورها الدائم وسيطرتها على كل الأجواء التي تربط لبنان بسوريا، ذلك على الرغم من أنها تُدرك عواقب هذه الأعمال حتّى وإن طاولت عمليات الرد لفترات من الزمن. والمعروف أن "إسرائيل" تهوى منذ زمن طويل ممارسة هواية "اللعب بالنار" من خلال عمليات الإغتيال التي ترتكبها بواسطة طائراتها المُسيّرة، سواء في غزة أو في سوريا أو لبنان وتحديداً الضاحية الجنوبية التي باتت في الفترة الأخيرة، مرتعاً لهذه الهواية بحيث لم تعد تلك الطائرات المُسيّرة التي ترصد كل شاردة وواردة، تغيب عن سمائها، سواء في الليل أو النهار.

 المؤكد أن عمليّة الإستهداف الأخيرة حتّى وإن فشلت، فهي لن تمرّ مرور الكرام من جانب حزب الله ولن يتم السكوت عنها لدرجة أنه يُمكن أن يكون لبنان مسرحاً للرد على الرغم من أن إستهداف عناصر الحزب كان وقع الاسبوع الماضي داخل الحدود السورية، على بعد امتار قليلة من موقع الأمن العام السوري. ويُمكن استنتاج قيام حزب الله بالرد على هذه العمليّة داخل الأراضي اللبنانية، من كلام سابق للأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله، توعد فيه بالرد على أي استهداف لعناصره في سوريا، إنطلاقاً من لبنان وليس فقط في سوريا أو ضمن حدود مزارع شبعا.

 

أين سيرد حزب الله.. وكيف؟

 في السياق تكشف مصادر مقربة من "الحزب" أن ما جرى بالأمس ستكون له تبعات، و"إسرائيل" تُدرك هذا الأمر جيداً. ونحن نعلم أن الطائرات المسيرة الإسرائيلية التي تدخل لبنان لم تعد لجمع المعلومات بل لعمليات الاغتيال، وقد سبق أن حذر السيد نصرالله أن الحزب سيواجهها عندما تدخل سماء لبنان وسيعمل على إسقاطها. وتشير المصادر إلى أن تركيز "الإسرائيلي" على الضاحية الجنوبية من خلال الطائرات المُسيّرة التي لم تغب منذ أيام، يؤكد الرعب الكبير الذي يلف الدولة العبرية ومدى القلق الذي تعيشه في وقت يُخيّل لها، بأن حزب الله مُنشغل في العراق وسوريا واليمن ولبنان.

[caption id="attachment_77235" align="alignleft" width="312"] خروقات السياج الحدودي من فعلها؟[/caption]

 وترى المصادر أن "اسرئيل" تمرّ اليوم بأزمة كبيرة مُركبة من ثلاثة وجوه، أزمة سياسية تحول دون تشكيلها حكومة وذلك منذ عام تقريباً، ثم الازمة الصحيّة التي تتخبّط بها من جرّاء إنتشار فيروس "كورونا" وهي التي ظنّت في البداية أنها ستبقى بمنأى عنه أو أقله السيطرة عليه بين ليلة وضُحاها. أمّا الأزمة الثالثة، فهي أن "إسرائيل" ومن دون الظهير الغربي (الأميركي والأوروبي)، تبقى مُجرّدة من قوّتها وغير قادرة على القيام بأي تحرّك لوحدها. هذا الظهير مُنشغل اليوم ويتخبّط بالوباء الذي يجتاحه بشكل غير مسبوق في تاريخه. وتوضح أن حزب الله يتعاطى مع الجبهات التي يتوزع عليها إنطلاقاً من قاعدة، أن لكل جبهة عملها الخاص وفصيلها المقاوم الخاص، فالحزب لا يُمكن أن يخلط جبهة الجنوب مع الجبهة السورية، ولا الجبهة السورية مع أي مكان ينتشر فيه، فهذا ما يدعو "الإسرائيلي" إلى التساؤل اليوم عن حجم الجيش الذي تم رصده لمواجهة فيروس "كورونا" من دون أن يستعين بالعناصر القتالية الموزّعة على كل تلك الجبهات.

 وتشير المصادر إلى أن "الحزب" سيرد حتماً على الإعتداء الأخير حتّى وإن وقع ضمن الأراضي السوريّة، وهنا على العدو "الإسرائيلي" أن يُخمن كيفية الرد الذي سيطاله، سواء في سوريا أو في لبنان، أو في أي مكان آخر. والأبرز أن "الإسرائيلي" يعلم تماماً حتمية هذا الرد، لكن ما لا يعلمه هو الحجم الذي سيكون عليه، فهل سيكتفي "الحزب" برد من النوع الخفيف على اعتبار أنه لم يُصدر أي بيان نعي لأي من عناصره، أم أن الرد سيكون مؤلماً قد يجعل "الإسرائيلي" يُفكر ألف مرّة، قبل أن يُقدم على ارتكاب أي إعتداء.

 

مناورة صامتة لـ"حزب الله".. جنوباً وجولاناً!

 بدا لافتاً، أن عملية استهداف السيّارة التابعة لحزب الله، وقعت بعد يومين تقريباً على قيام "الحزب" بمناورة كبيرة صامتة في القرى الأمامية في جنوب لبنان تُحاكي أي عدوان "اسرائيلي "مُفاجئ. وقد نفّذ المناورة هذه، نحو الف مقاتل من فرقة التدخل والقوات الخاصة لمحاكاة هجمات عدوانية بريّة وجويّة وتتعلق بسرعة التنفيذ والتواصل مع القيادة والدقة في تجهيز أدوات المعركة. وتكشف معلومات أن المناورة جاءت بإشراف مجموعة جنرالات من الحرس الثوري الإيراني الذين يتمركزون منذ فترة مع طاقمهم العسكري في عدد من القرى الجنوبية. والأبرز أن المناورة في جنوب لبنان كانت قد سبقتها بأيام قليلة، مناورة مماثلة لحزب الله بالقرب من الجولان تُحاكي عمليات تخزين السلاح ونقله من مكان الى آخر. واللافت في المناورتين  أن عناصر حزب الله لم يظهروا فيهما بأي لباس عسكري ولا حتى ظهر أي عنصر مُحملاً بالأسلحة.

 وفي السياق كان "الإسرائيليون" قد نشروا  قبل أيّام، صوراً وفيديوهات، لنشاط حزب الله والإيرانيين في الجولان بالجنوب السوري. هناك، حيث ينشط الحزب على إنشاء خلايا ومراكز في تلك المنطقة القريبة من الأراضي المحتلة. الأمر الذي يرفضه "الإسرائيلي"، ولا يتوانى عن تكرار تأكيد مواقفه بالقضاء على هذه الخلايا وتدمير تلك المراكز. من هنا أشارت بعض المعطيات إلى أن المسؤول الأمني الذي استُهدف في جديدة يابوس، له علاقة بنشاط الحزب في الجولان السوري. وربما هكذا أوصل "الإسرائيليون" رسالتهم، والتي تشير إلى حضورهم ومتابعتهم الحثيثة لنشاط الحزب. وهذا لا ينفصل عن توغل قوة "إسرائيلية "يوم الثلاثاء ما قبل  الماضي داخل المنطقة المتنازع عليها في جنوب لبنان، ما أدى إلى استنفار من قبل الجيش اللبناني.

 

مناورة "إسرائيلية" ورسالة من حزب الله

 عند الثامنة من مساء اليوم الجمعة  17/4/2020 سُمع عند الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية صوت قذائف وإطلاق قنابل مُضيئة في السماء، وقد استمرت أصوات القصف تُسمع زهاء الساعة. وفي وقت سُرّب فيه عن اكتشاف "اسرائيل" لشريط شائك مقطوع عند حدودها، عُلم أن سبب القذائف والقنابل المُضيئة قيام الجيش "الإسرائيلي" بمناورة سريعة جداً تُحاكي أي عملية لـحزب الله يُمكن أن يقوم بها عند الحدود بين البلدين.

 وقد أعلن المتحدث باسم الجيش" الاسرائيلي" العثور على أضرار بالسياج الحدودي الفاصل بين فلسطين المحتلة ولبنان، حيث اكتشف جنود الاحتلال وجود ٣ فتحات في مناطق مختلفة بالسياج الحدودي. ومن جهته قال "ألون بن دافيد" المحلل العسكري للقناة (١٣) العبرية إن الفتحات اكتشفت في ٣ مناطق مختلفة من السياج الحدودي، وأضاف المحلل أن عملاً متناسقاً كهذا لا يتم إلا بموافقة حزب الله.

[caption id="attachment_77236" align="alignleft" width="339"] سيارة حزب الله المستهدفة[/caption]

خرق قواعد الاشتباك.. أم إلتزام؟

 إخترقت "اسرائيل" قواعد الاشتباك في الاعتداء على الضاحية الجنوبية في آب (أغسطس) المنصرم، عبر طائرتين مسيريتين حاولتا ضرب أحد الأهداف في حيّ معوض. وسرعان ما أعيد العمل بالقواعد المعروفة، وهي تحييد الجغرافيا اللبنانية عن مسرح الضربات. وبُعيد إعتداء الضاحية، أعلن السيد نصر الله، أن حزبه إتخذ قراراً باستهداف الطائرات المسيرة التي تخترق الأجواء اللبنانية، وعمل على إسقاط إحداها كرسالة تحذير.

 بعض المحللين الاستراتيجيين والكُتاب يرون أن عملية الاستهداف الأخيرة التي نفذتها "إسرائيل"، التزمت بقواعد الاشتباك إلى أقصى الحدود. فقد انتظرت الطائرة المسيرة دخول السيارة إلى الأراضي السورية، ثم عملت على استهدافها، أي تجنبت استهدافها في الأراضي اللبنانية. والأمر الثاني، أنه تم استهداف السيارة بصاروخين، الأول تحذيري، سقط على مسافة قريبة من السيارة، ما دفع بركاب "الشيروكي" إلى الخروج منه، ليأتي الصاروخ الثاني ويصيب السيارة بشكل مباشر، من دون سقوط إصابات. وكان الفارق بين الصاروخين حوالى 30 ثانية، كانت كافية لركاب السيارة للخروج منها والنجاة.

 ويُضيف هؤلاء: لا بد من تسجيل جملة ملاحظات على ما جرى. فالمعروف عن نمط "الإسرائيليين" بهكذا عمليات، أنهم لا يلجأون إلى التحذير مطلقاً، وهم إذا ما نفذوا عملية، تكون غايتهم اغتيال الشخصية المستهدفة أو إصابة الهدف، وبالتالي لا بد من التوقف عند مسألة إطلاق الصاروخ الأول الذي سقط أمام السيارة بأمتار. فهل هو تحذير أم كان هناك خطأ في التصويب ولم يصبها، ما سمح للعناصر بداخلها بالخروج منها ؟ فلو أراد "الإسرائيليون" التحذير وحسب لكانوا اكتفوا بالصاورخ الأول، ولم يستهدفوا السيارة بالصاروخ الثاني.

 

الهدوء على الحدود..هل بدأ زمن التصفيات؟

 قد لا تعني التهدئة على الحدود "الإسرائيلية" اللبنانية أن الاشتباكات والحروب بين "إسرائيل" وحزب الله قد انتهت، فثمة دلائل تشير الى احتمال وقوع صراع كارثي، رغم أن تعليق العمليات العسكرية يصبّ بحسب الإعتقادات السائدة في مصلحة الطرفين في الوقت الراهن، فكلاهما لا يريد حرباً كاملة. والجزء الأكبر من الأمر يعتمد على رد فعل حزب الله على العملية الأخيرة التي استهدفت سيارة تابعة له. ولمن لا يذكر، كان أثار استهداف حزب الله طائرةً "إسرائيلية" مُسيَّرة في جنوب لبنان نهاية العام المنصرم بصاروخ، قيل إنه صاروخ أرض جو متطوّر، التكهنات عن احتمالات اندلاع مواجهة أوسع بين الطرفين، لكن مّرت الأمور أيضاً، ولم تتطور المناوشات إلى مواجهات مباشرة، وربما هذا أبلغ دليل على أن الطرفين لا يُريدان أي مواجهة في هذا الظرف، وتحديداً ظرف اليوم الذي يمر فيه كل العالم من جراء إنتشار الوباء القاتل.

 ثمة من يؤكد أن لا حرب في الأجواء تلوح بين "إسرائيل" وحزب الله في المدى المنظور. فالطرفان غير مستعدين لدفع تكاليف باهظة يُمكن أن يتكبداها في أي حرب مُرتقبة، لكن هذا الإطمئنان لا يُلغي بالضرورة، أن هناك سعياً لكل منهما لمواجهة الآخر على طريقته الخاصة.  حرب ناعمة لا صوت للمدافع فيها، ترتكز على ملاحقة قياديي وعناصر الحزب واستهدافهم، إمّا عبر مسيّرات أو من خلال عملاء على الأرض، وقيام الحزب بزرع عبوات في مناطق حدودية قد تكون أيضاً في الداخل "الإسرائيلي"، أو اللجوء إلى عمليات تصفيات بعيدة عن الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية.

 

"التعهد الميداني"..أنا هنا!

[caption id="attachment_77237" align="alignleft" width="356"] طائرة معادية في طريقها الى لبنان[/caption]

 من نافل القول إن الاستهداف يندرج ضمن سلسلة من المناوشات المتكررة. فمنذ أيام لا تغادر طائرات الاستطلاع "الإسرائيلية " الأجواء اللبنانية، لذا كان واضحاً أن الطائرات لديها ما ترصده. وهنا تتعدد الاحتمالات، فإما أنها ترصد نشاطاً عسكرياً لحزب الله كعمليات نقل للأسلحة من منطقة إلى أخرى أو من سوريا إلى لبنان، أو أنها ترصد تحركات لمسؤولين أمنيين في الحزب، لهم علاقة بالملف السوري، وتنوي "اسرائيل" استهدافهم. اللافت أن هذا الأمر تزامن مع تخصيص الأميركيين مبلغ عشرة ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عن مسؤول الملف العراقي في حزب الله، الشيخ محمد كوثراني والمعروف أنه يتنقل باستمرار من العراق إلى لبنان.

 في المحصلة، يبدو أن "إسرائيل" أرادت من خلال هذه العمليّة أن تُسجل أو تُطبق استراتيجية "التعهد الميداني" أي إشعار الخصم أنه لا يزال موجوداً في الميدان، من دون أن يُعلق أهمية كبرى على النتائج التي يُحققها.