تفاصيل الخبر

هل بدأ عصر شطب ديون الأفراد والشركات و...الدول؟ 

09/04/2020
هل بدأ عصر شطب ديون الأفراد والشركات و...الدول؟ 

هل بدأ عصر شطب ديون الأفراد والشركات و...الدول؟ 

بقلم خالد عوض

[caption id="attachment_76730" align="alignleft" width="348"] الدولار الأميركي: أي قيمة له إذا كان هو العملة الرئيسية للديون[/caption]

 إذا كانت معظم دول العالم أصبحت تعتبر أنها إما تجاوزت أو في طور تجاوز ذروة الأزمة الصحية الناتجة عن فيروس كورونا، إلا أنها لا تزال حائرة أمام أفضل وأسرع طريقة لإستعادة مجتمعاتها واقتصاداتها للحياة الطبيعية. المشكلة لم تعد "متى" الخروج من الأزمة، فالنماذج الرياضية يمكن أن تتوقع بدقة عالية نسبة الإصابات اليومية ونسبة المرضى الذين سيدخلون إلى العناية الفائقة والآخرين الذين سيحتاجون إلى أجهزة التنفس الإصطناعي. المشكلة أصبحت "كيف" سيكون شكل الحياة بعد الوباء في غياب اللقاح الناجع. كيف سيعاد فتح المطارات والمرافئ والمدارس والملاعب والمصانع ومشاريع البناء ووسائل النقل الجماعي والمطاعم والمسارح وغيرها من أماكن العمل والسياحة والرياضة؟

العودة...الآمنة

 هناك إجماع طبي أن اللقاح ضد كورونا لن يكون متوفراً قبل عام ٢٠٢١ بسبب ضرورة دراسة كل تطورات الفيروس والتي لن تنتهي قبل أيلول (سبتمبر) المقبل في أفضل تقدير، حسب ما حددت شركة "جونسون وجونسون" الأميركية، الساعية بقوة لأن تكون السباقة في اكتشاف اللقاح. هناك فرق من الخبراء الطبيين والإجتماعيين والإقتصاديين منكبون حالياً على وضع سيناريوهات مختلفة للعودة التدريجية إلى ما قبل كورونا. منهم ما يسمي رحلة العودة بـ"الماراتون" الذي يحتاج إلى نفس طويل على عكس سباق العدو السريع. وآخرون يؤكدون كيف يجب أن تشبه العودة الهبوط الناعم (Soft Landing) حتى لا تأتي موجة جديدة من الوباء، تكون كلفتها البشرية والإقتصادية أكبر مما تكبده العالم حتى الآن. العودة "الآمنة" إلى الحياة الطبيعية كما ينصح الجميع ستكون مكلفة جداً إقتصادياً وإجتماعياً لأن مدتها يمكن أن تستغرق أكثر من مدة الأزمة نفسها.

المشكلة والحل من... الصين 

 كما استفادت دول العالم من تجربة "ووهان" عاصمة مقاطعة "هوبي" الصينية في التعامل مع الوباء، يمكن أن تستفيد أيضاً من تجربة الصين في العودة إلى الحياة الطبيعية بعد أربعة شهور من الإعلان عن الحالة الأولى فيها وبعد ٧٦ يوماً من بدء الحجر المنزلي. "ووهان" أعادت منذ أيام فتح المطار والمطاعم والحانات والمواقع السياحية بمواكبة حثيثة للشرطة المحلية للتأكد من تطبيق الإرشادات الصحية. صحيح أن النظام التوتاليتاري الصيني يفرض إلتزاماً إجتماعياً أكبر وبالتالي فعالية في العودة إلى الحياة الطبيعية ولكن الوعي المجتمعي الغربي والذي تظهر في عدة دول مثل ألمانيا، يمكن أن يعود بهذه الدول بالسرعة نفسها، أي مع إقتراب حزيران (يونيو) المقبل إذا اعتبرنا المدة أربعة أشهر من بروز أول إصابة أو حوالي ٧٥ يوماً من بداية الحجر.

[caption id="attachment_76731" align="alignleft" width="332"] حاكم مصرف لبنان الدكتور رياض سلامة: داوني بالدين الذي كان أصل... الداء[/caption]

 

دواء الإقتصاد أصبح... الدين؟

كلفة الخروج البطيء من الأزمة الى جانب كلفة أزمة كورونا نفسها لن تتبين قبل ستة شهور. ولكن الأرقام الاولية مخيفة. الصين لم تحقق أي نمو إقتصادي في الربع الأول من السنة بل يمكن أن تكون حققت تراجعاً إقتصادياً لأول مرة منذ أربعة عقود. الإقتصاد الأوروبي في الحضيض مع تقديرات بتراجع إقتصادي لم يحصل منذ الحرب العالمية الثانية. الولايات المتحدة تعاني من أكبر أزمة بطالة وركود منذ الكساد الكبير عام ١٩٢٩. أزمة ٢٠٠٨ المالية تبدو صغيرة جداً مقارنة بما يشهده العالم حالياً. كل الدول من دون إستثناء ستلجأ إلى الحل نفسه: ضخ المال ليس فقط في المصارف بل هذه المرة مباشرة أيضاً في جيوب الناس وفي حسابات الشركات. الدول ستراكم الديون بشكل غير مسبوق وستزيد معدلات الدين ومعدلات عجز الموازنات من الناتج المحلي عن كل الحدود التي كانت الحكومات ملتزمة بها. الفائدة على الدين بأي عملة هي اليوم صفر، فما الضرر إذاً من الإستدانة؟ ليست المشكلة في حجم الدين بقدر ما هي في مصدره. البنوك المركزية هي التي ستوفر الأموال عن طريق خلق عملة. وبالتالي ستصبح هناك تخمة عملات في الأسواق لتحفيز الإستهلاك. هذا سيؤدي حتماً إلى التضخم أي إرتفاع الأسعار. ولكن في المقابل تعتبر البنوك المركزية أن الطلب على كل شيء سيتراجع، تماماً كما سيتراجع العرض، مما سيلجم التضخم بل يخلق إنكماشاً في الأسعار.

عملة جديدة؟

لا خبرة سابقة لأي دولة في التعامل مع أزمة إقتصادية بهذا الحجم ولذلك فإن إقتصاد العالم كله هو اليوم حقل تجارب مالي تلعب فيه البنوك المركزية. الأكيد أن الديون الضخمة التي ستتراكم لن يكون بالإمكان تسديدها من قبل أي حكومة. حتى ديون الأفراد والشركات أصبح مشكوكاً في إمكانية تحصيلها. هذا يعني أن العالم متجه بطريقة أو بأخرى إلى مرحلة شطب الديون أو تصفيرها ولو كان بشكل خلق كتل نقدية جديدة. فالدين الذي لا فائدة عليه والذي من شبه المستحيل أن يسدد لا قيمة له إلا على الورق، وبالتالي من الأجدر إلغاؤه. كما من الأفضل على أي أقتصاد وطني ألا يطالب الدائن المدين بالمال وإلا توقف الأخير عن الإستهلاك فتجمدت العجلة الإقتصادية. يعني باختصار يجب إنتظار النمو الإقتصادي حتى يمكن المطالبة بالدين. وإذا كان النمو غير منظور فإن الدين سيظل غير مدفوع.

 يبدو أن أزمة كورونا ستسرع في تقبل مفهوم إلغاء الديون. وهذا يمكن أن يؤدي إلى خلق عملات جديدة بقيمة مختلفة، رقمية أو ورقية، تأخذ محل العملات الجديدة فيختفي الدين أو يصغر إلى حد كبير!


عندما تخلف لبنان عن سداد سندات "اليوروبوند" ظن الجميع أن البلد دخل في نفق إفلاس مظلم لن يخرج منه. جاءت أزمة الكورونا لتعطي لبنان فرصة تاريخية لإعادة جدولة ديونه أو بالأحرى لعدم دفع.. معظمها!