<انها سخرية القدر>، يقول أحد أصحاب الكسارات والمقالع من آل فريجي من منطقة رعيت.. فقد صار البعض يعتبر ان وجود مواقع <القيادة العامــــة> وأنفاقها في تللك المنطقة بمنزلة حصن دفاع، في الوقت الذي نرى في الوجود العسكري الفلسطيني في أراضينا مجــــرد مواقع متقدمـــة لجيش النظام السوري داخل الاراضي اللبنانية.
وحسب تقرير أمني اطلعت عليه <الافكار>، فإن الجبهة الشعبية ـــ <القيادة العامة>، عمدت الى تعزيز مراكزها ومواقعها في منطقة البقاع المنتشرة على طول 14 كلم تقريباً بالتنسيق مع حزب الله والقيادتين السورية والايرانية، خوفاً من هجوم قد يشنه مقاتلو <جبهة النصرة> و<داعش> و<الجبهة الاسلامية> والجيش الحر من الزبداني باتجاه البقاع بالتنسيق مع خلايا أصولية نائمة منتشرة في مناطق مجدل عنجر ـــ الصويري ـــ برالياس ـــ دير زنون.
ويؤكد التقرير انه جرى تعيين قيادة عسكرية فلسطينية من <القيادة العامة>، تشرف على العمليات العسكرية، وعلى الانتشار الفلسطيني الذي تنفذه عناصر من <القيادة العامة> في مناطق قوسايا ـــ دير الغزال ـــ دير زنون ـــ البياض، وهؤلاء مجهّزون بمختلف أنواع الأسلحة الثقيلة والمتوسّطة والقذائف والمدافع المضادّة للطائرات، خصوصاً في مراكز جبل المعيصرة حيث توجد دبّابات، وقاذفات صواريخ، وطريق مفتوحة حتى الحدود السوريّة. وهذه المواقع تزوّد بالطعام عبر شاحنات مبرّدة، وبالماء بواسطة الصهاريج، وتستخدم خطوطاً خلويّة سوريّة.
تعزيز التحصينات
وأكد مصدر أمني رسمي لـ<الافكار>ان <القيادة العامة> أجرت وبإشراف خبراء ايرانيين تعزيز التحصينات، والدشم، ودعم الانفاق في «جبل حشمش» في قوسايا. و«حشمش» تلة تقع في شمال غرب بلدة قوسايا، وجنوب دير غزال وشرق رياق في البقاع. وكانت <القيادة العامة> قد تلقت أسلحة وصواريخ مضادة للدروع، ومدافع مضادة للطائرات ورشاشات ثقيلة من حزب الله، منذ شهرين جرى نقلها من مخازن سرية للحزب في مناطق البقاع الغربي ومن منطقة مشغرة بإشراف المسؤول العسكري في حزب الله ع. ض.
وتشرف مواقع <القيادة العامة> على 14 كلم من الأراضي اللبنانية والسورية معاً، وترصد الخطّ المقابل لمواقع الجبهة من الضفة السورية، بدءاً من بلدة كفير يابوس السورية القريبة، مروراً بالزبداني ومضايا وسرغايا. أما من الجهة اللبنانية فتشرف على سهل دير زنون ـــ زحلة، وجزء من البقاع الأوسط، بدءاً من عنجر في الجنوب، امتداداً إلى الفاعور وكفرزبد وعين كفرزبد وقوسايا ودير غزال ورعيت ورياق ومطار رياق العسكري في الغرب، وأبلح وبدنايل حتى النبي آيلا في الشمال.
اما المنطقــــة الممتــــــدة جنوباً مـــــن مواقــــــع <القيـــــادة العامــــة> فتنتشر فيهـــا مواقـــع للجيش السوري في مقابل عنجر ومجدل عنجر، والمنطقــــة الممتــــدة شــــــمالاً تقــــــــع تحت ســــيطرة نـــــيران مواقــــــع حــــــــزب الله، في جنتـــــــــا.
فك الحصار
وتتوقع <القيادة العامة> قيام عدد من المسلحين المحاصرين في جرود الزبداني بإحداث اختراقات على طول السلسلة الشرقية، لفكّ الحصار المضروب حولهم ، من خلال أماكن عدة ومنها باتجاه عمق البقاع اللبناني عبر جبهة قوسايا، فضلاً عن محاولتهم تأمين ملاذ آمن من جرود عرسال والقلمون إلى الزبداني، هرباً من مواقع حزب الله والجيش السوري على ضفتي جبال القلمون.
وتتوقع مصادر أمنية سورية وفلسطينية ولبنانية قيام المسلحين بمهاجمة أي بقعة يمكن السيطرة عليها على الحدود اللبنانية ــ السورية، ومن بينها جبهة قوسايا. فالجرود الشرقية متلاصقة وفيها مسارب مخفية كثيرة من شمال خط الشام ـــ بيروت إلى جرود عرسال، على طول أكثر من 75 كلم.
وحسب مصادر اعلامية متابعة، هناك مخاوف من اختراق قوسايا، لما في ذلك من خطورة على أهالي البلدة والبلدات المحيطة مثل كفرزبد وعين كفرزبد ودير غزال ورعيت ورياق، المختلطة مع أغلبية مسيحية مارونية، وربّما بالنسبة إلى مدينة زحلة فضلاً عن أن سقوط مواقع <القيادة العامة> يضع مطار رياق العسكري في مرمى نيران الإرهابيين وكذلك الطريق إلى بعلبك، ويساهم في تحريك مخيمات النازحين السوريين الكثيفة في الفاعور، بالإضافة إلى احتمال تحركات الخلايا الاصولية النائمة في مجدل عنجر، والسلطان يعقوب ، والصويري، والرفيد وبرالياس والمرج، وصولاً الى الخلايا الفلسطينية ـــ اللبنانية الاصولية في سعدنايل وتعلبايا.
شهية المخابرات الغربية
هذه الاجواء التي تدور في منطقة قوسايا فتحت شهية المخابرات الغربية في لبنان. فمنذ مدة توجهت سيّارة تابعة للسفارة تحمل لوحة ديبلوماسية رقم 32 إلى البقاع الشرقي في مهمّة استطلاع، وكشف ضابط في جهاز أمنيّ لبنانيّ لـ<الافكار> أنّ جهات أوروبية عمدت منذ مدة وبالتنسيق مع جهات مسؤولة في الأمم المتحدة ومع أوساط أمنيّة لبنانية إلى إجراء مسح ميدانيّ دقيق للمراكز الفلسطينية المسلّحة في البقاع ، ما يدلّ فعلاً على أنّ هذه القضيّة باتت في صلب الاهتمام الأمني الغربي لأنّ هناك مخاوف من أن تكون هذه المراكز ورقة تفجير إقليميّة محتملة في ظلّ هذا البركان الثائر في المنطقة.
<...أنظر الى تلك التلال والمرتفعات... هنا تقيم الجبهة الشعبية ـــ <القيادة العامة> <دويلتها> ومراكزها وأنفاقها في قوسايا التي يصل بعضها إلى قرب الحدود السوريّة>، قال ناصر.غ، أحد المزارعين البقاعيّين الذي رافقنا في تجوالنا في منطقة البقاع، مستغرباً وجود مثل هذه القواعد العسكرية في قوسايا، التي تبعد عن مواقع المواجهة مع إسرائيل آلاف الكيلومترات، سائلاً عن جدوى هذه المراكز العسكريّة التي أقيم عدد كبير منها على أملاك خاصة وأميريّة».
وتؤكّد أوساط بقاعيّة أنّ بعض أنفاق <القيادة العامة> تصل إلى داخل الأراضي السوريّة، ومن خلالها تتمّ عمليّات تهريب السلاح والاشخاص. وروى أحد سكّان تلك المنطقة مشاهدته سيّارات من الدفع الرباعي تنقل بشكل دائم السلاح والذخائر الى مواقع <القيادة العامة>.
ماروني: ما مبرر هذا الوجود العسكري؟
وعلى الرغم من ان بعض الجهات ترى فائدة لوجود مثل هذه المواقع بذريعة المساهمة في حماية لبنان من الغزوات الاصولية، فإن النائب إيلي ماروني الذي قال لـ<الافكار>: <ما مبرّر الوجود العسكري الفلسطيني في بلدة قوسايا، ولماذا هذه الدهاليز الموصلة الى سوريا؟ فهل قوسايا، البلدة الزحليّة، هي على حدود العدوّ الإسرائيلي؟ ولماذا هذه الجبهات موجودة في كلّ قرى البقاع؟ فنحن في حزب الكتائب قلنا ان لا دولة فيها دويلات، ولا سلاح في نظرنا إلا سلاح الشرعيّة اللبنانية، فلا سلاح داخل الدولة إلا لقوى الأمن اللبنانية>.
المسح الميداني الذي أجرته الجهات الامنية الغربية يظهر أنّ لـ<الجبهة الشعبية ـــ القيادة العامة> مجموعة مراكز ومواقع عسكرية في البقاع، تتمتّع بتجهيزات لوجستية متطوّرة، مجهّزة بمدافع وصواريخ، وتجهيزات عسكريّة، وأجهزة رصد واتّصالات، وأنفاق حديثة مجهّزة بالتهوئة والإنارة تصل بعضها إلى عمق الأراضي السورية تستخدم لتنقل العناصر ونقل أسلحة وذخائر وتموين، وتؤمّن للمقاتلين حرّية الحركة من دون المرور عبر المعابر الشرعية والرسمية اللبنانية.
خارطة الانتشار
والمسح يرسم ما يشبه خريطة الانتشار العسكري لـ<القيادة العامة> والذي يتوزّع على مواقع في البقاعين الأوسط والغربي في مناطق قوسايا وعين البيضا ودير زنون والمعيصرة ووادي حشمش ولوسي وجبيلة والسلطان يعقوب والفاعور... في حين أنّ لـ<القيادة العامة> أنفاقها وتحصيناتها ومراكزها في تلال الناعمة في منطقة الدامور، والتي سبق أن تعرّضت مرّات عدة لقصف بالطيران الإسرائيلي، ويتمركز فيها نحو 400 عنصر من بينهم عناصر من جنسيات عربية مختلفة وبكلّ تجهيزاتهم القتالية.
وأشار الزميل محمود شكر (وهو من أبناء كفرزبد) إلى ان الحديث عن دور لـ<القيادة العامة> في حماية لبنان من هجومات <جبهة النصرة> و<داعش> مجرد <بروباغندا> لتبرير مثل هذا الوجود العسكري الغريب الذي يرفضه أبناء المنطقة منذ سنوات.
وأكد شكر لـ<الأفكار> أنّ موقع قوسايا كناية عن جبال وتلال مرتفعة من خراج بلدة قوسايا (وهي مشاعات خاصة وأملاك أميرية للدولة اللبنانية) الى خلف حدود بلدة كفرزبد. والموقع عبارة عن دشم عسكريّة وتحصينات مجهّزة بأسلحة رشّاشة وصاروخيّة من الجهة اللبنانية، وتنتشر حوله حقول من الألغام، وفيه أنفاق ومراكز لوجستية، حتى إنّ فيه بعض قطعان الغنم.
وأضاف: هذا الموقع في قوسايا هو الأهمّ لدى <الجبهة الشعبية - القيادة العامة>، بسبب انفتاحه الجغرافيّ على الأراضي السوريّة الخلفية المتشابكة والمفتوحة على الأراضي اللبنانية. فهذه الوضعيّة الجغرافية تؤمّن استراتيجية عسكريّة مهمّة لـ<القيادة العامة> والتي يمكنها في حال حصول أيّ خطر أن ترفع عديد قوّاتها من 3 إلى 4 آلاف مقاتل خلال ساعات. كما أنّ الاتّصال يتمّ عبر الداخل السوري بشكل طبيعي كأيّ اتّصال أو تنسيق من موقع سوري.
خلال الجولة البقاعيّة لاستطلاع المراكز العسكرية الفلسطينية في البقاع، نلتقي في أحد مقاهي شتورة بالدكتور الفلسطيني محمد. م الذي سبق وتسلّم في فترة الثمانينات مسؤوليّة جهاز أمن حركة <فتح> في إحدى مناطق بيروت، وقد اعتبر ان ما يقال عن دور مهم لـ<القيادة العامة> في البقاع في حماية لبنان من الهجمات الأصولية ما هو إلا محاولات لترسيخ شرعية هذا الوجود الفلسطيني المسلح خارج المخيمات. وكشف محمد م. وهو يرتشف قهوته مع سيكار كوبي ضخم، اعتاد تدخينه منذ أيّام النضال في لبنان كما يقول، عن وجود خجول غير معلن ايضاً لتنظيم <فتح - الانتفاضة> في مناطق دير العشائر في البقاع الغربي، وكذلك في مناطق حلوة ووادي الأسود وبلطة.
الانسحاب السوري
وفي رأي صلاح عبد الله ـــ أحد الناشطين السياسيّين ـــ أنّ البقاع شكّل مركزاً استراتيجيّاً لوجستيّاً لهذه التنظيمات الفلسطينية في الأعوام الماضية، خصوصاً في فترات الحرب. إلا أنّ هذا الانتشار الفلسطيني تقلّص وتراجع بسبب الانسحاب السوري من لبنان في نيسان/ أبريل 2005، الأمر الذي دفع <الجبهة الشعبية ـــ القيادة العامة> إلى إعادة انتشارها والتراجع نحو المناطق الجردية، وكذلك فعلت <فتح ـــ الانتفاضة>.
وأضاف عبد الله وهو مزوّد بملفّات وقصاصات من صحف قديمة بدت مهترئة وصفراء: في فترة الوجود السوري، كانت منطقة الروضة في البقاع الغربي مركز قيادة لتنظيم حركة <فتح ـــ المجلس الثوري> (جناح ابو نضال)، ورُويت القصص عن هذا المركز المخيف الذي كانت تجري فيه تصفية المعتقلين و<أعداء التنظيم>، حتى إنّ منطقة <حلوة> كانت مركزاً عسكريّاً لحزب العمّال الكردستاني بزعامة عبد الله أوجلان الموجود الآن في السجون التركية، بدعم المخابرات السوريّة وتمويلها في تلك الفترة. أمّا بعد الانسحاب السوري من لبنان في 26 نيسان/ أبريل 2005، فقد تراجعت <القيادة العامة>، و<فتح الانتفاضة> من السهل نحو الجرود والأودية، بعيداً عن المناطق المأهولة، في مشهد شبيه بالحال الذي كان عام 1968. فأقفلت حركة <فتح - الانتفاضة> كلّ مراكزها ومواقعها العسكرية في البقاع الأوسط وبعض القرى في البقاع الغربي (المنارة، والصويري، وعيتا الفخّار) لتعود إلى التلال والأودية النائية في سلسلة جبال لبنان الشرقية، فيما لم يعد لـ<القيادة العامة> أيّ وجود عسكريّ إلا في أنفاق تحت الأرض في جرود قوسايا وهضاب السلطان يعقوب والفاعور، وهي تعود لأكثر من ثلاثة عقود من الزمن.
جنجنيان: سيادة كاملة
أمّا النائب شانت جنجنيان، فقد طالب في دردشة مع<الأفكار> بسحب السلاح الفلسطيني في منطقة البقاع، فـ<نحن نعتبر دوماً أنّ السيادة على الأراضي اللبنانية هي فقط للدولة اللبنانية، فلا يجوز أن تكون هناك مربّعات أمنيّة محظورة على الجيش والقوى الأمنية، لأنّ السيادة يجب أن تكون كاملة لا مجتزأة أو استنسابية... ولسنا بحاجة لحماية من الفلسطينيين، والجيش اللبناني هو الذي يحمينا، وقد أثبت هذا الجيش قدرته وقوته وكفاءته في أكثر من منطقة ومعركة>.
<...إنّها دويلة أحمد جبريل في البقاع>، قال أحد المسؤولين في تيّار سياسيّ في قوى 14 آذار ، <يحاولون اليوم تجميلها وتصويرها بأنها حامية البلاد والعباد، وما هي إلا مجرد مربع أمني يضاف الى المربعات الامنية المنتشرة في طول البلاد وعرضها>.