تفاصيل الخبر

هل أطلق ”ترامب“ رصاصة الرحمة على دولة إسرائيل؟

29/03/2019
هل أطلق ”ترامب“ رصاصة  الرحمة على دولة إسرائيل؟

هل أطلق ”ترامب“ رصاصة الرحمة على دولة إسرائيل؟

 

بقلم خالد عوض

كان معمر القذافي أول من نادى بحل الدولة الواحدة في فلسطين المحتلة واقترح في كتابه الأبيض عام ٢٠٠٠ أن يكون اسمها <إسراطين>.  كانت حجته يومذاك أن مساحة أرض فلسطين ومواردها لا يمكن أن تستوعب دولتين وأنه ليس من حق اليهود أن تكون لهم دولة مستقلة على أرض ليست لهم. ربما لم يكن يخطر يومئذٍ على بال الزعيم الليبي المخلوع أن اقتراحه هذا ستتبناه إسرائيل بعد حوالى عشرين عاما بل يمكن حتى أن تتبناه قريبا إدارة الرئيس الأميركي <دونالد ترامب> الذي وقّع منذ أيام إعتراف الولايات المتحدة بالجولان كأرض إسرائيلية. ولكن ما قام به <ترامب> وما يمكن أن يتبع ذلك من اعتبار الضفة الغربية أيضا أرضا إسرائيلية يؤشر إلى بداية نهاية إسرائيل التي نعرفها بل ربما يكون الرئيس الأميركي دق المسمار الأول في نعش الدولة اليهودية.

 

الجولان والنفط والماء!

إسرائيل تعاني من جفاف قياسي للسنة السادسة على التوالي مما يهدد كل العناصر البيئية والحياتية فيها. المياه الجوفية ومياه البحيرات أصبحت في أقل مستوى لها منذ مئة عام. ورغم أن الدولة الصهيونية أصبحت تعتمد على تحلية المياه بعد أن بنت خمس محطات تحلية وستبدأ ببناء محطتين جديدتين قريبا، فإن المياه الموجودة في الجولان، في بحر الجليل وبحيرة طبريا، تؤمن حتى اليوم أكثر من ربع كل ما تستهلكه إسرائيل من المياه. من دون مياه الجولان لا يمكن لإسرائيل أن تؤمن ما يلزمها من ماء رغم كل تكنولوجيا تدوير المياه والري بالتنقيط التي استحدثتها ورغم كل التطور الذي وصلت إليه في إعادة استخدام المياه المبتذلة للزراعة حيث وصلت نسبة تدوير هذه المياه إلى أكثر من ٨٦ بالمئة. بالإضافة إلى ذلك فقد اكتشفت شركة <أفيك> الإسرائيلية المتفرعة من مجموعة <جيني> الأميركية عام ٢٠١٥ وخلال بحثها في عمق أرض الجولان عن مياه جوفية، احدى أهم الإحتياطيات النفطية في منطقة شرقي المتوسط. ورغم التعتيم الكبير الذي فرضته الحكومة الإسرائيلية على هذا التنقيب إلا أن محللين قريبين من شركة <أفيك> الإسرائيلية يؤكدون أن النفط الموجود في الجولان يمكن أن يصل إلى مليارات البراميل. وحتى تستطيع <افيك> أو <جيني> تصدير نفط الجولان يجب أن تكون هذه الأرض إسرائيلية وهذا هو جوهر قرار <ترامب>. بالنسبة لإسرائيل أصبح الجولان ذا أهمية إستراتيجية وحياتية وإقتصادية، فهضبته المرتفعة تؤمن أفضلية عسكرية إستراتيجية ومياهه مسألة استدامة أساسية ونفطه فرصة إقتصادية استثنائية.

 

الصيت لـ<كوشنير> والفعل لـ<أديلسون>!

أصبح معروفا أن أجندة ما يسمى السلام العربي - الإسرائيلي هي في عهدة صهر <ترامب> والمؤتمن على أسراره <جاريد كوشنر> أحد مهندسي صفقة القرن. هذا الشاب إبن الثمانية وثلاثين عاما متحدر من عائلة يهودية معروفة بحماسها لإسرائيل. والده كان من أقرب المقربين لرئيس الوزراء الإسرائيلي <بنيامين نتنياهو>، حتى أن الأخير كان يقطن في منزل والد <جاريد> عندما يزور <نيويورك> وينام في غرفة <جاريد> الذي كان ينتقل للنوم في القبو. ومن المعروف أيضا أن <ترامب> يستشير صهره في كل شاردة وواردة تخص الشرق الأوسط وأنه يصغي إليه جيدا في كل ما يتعلق بإسرائيل. ولكن هناك صديق آخر لـ<نتنياهو> يؤثر مباشرة على الإثنين معا بل يملي عليهما أجندة <نتنياهو>. إنه <شلدون أديلسون> رجل الأعمال الأميركي اليهودي الذي يملك مجموعة كازينوهات في مدينة <لاس فيغاس> والذي تبرع بثلاثين مليون دولار للحزب الجمهوري بعد أن وافق الكونغرس على قرار <ترامب> نقل السفارة الأميركية من <تل أبيب> إلى القدس. <اديلسون> يعمل من خلال شبكة مصالح يهودية إسرائيلية مرتبطة بشركة <جيني> الأميركية التي تملك حق نفط الجولان والتي تضم في لائحة مساهميها <روبرت مردوخ> قطب الإعلام العالمي و«جاكوب روتشيلد> بارون عائلة <روتشيلد> اليهودية التي كانت مهندسة تأسيس دولة إسرائيل.

إسرائيل بين مطرقة الديموغرافيا وسندان الديموقراطية!

 

من المرجح أن يعود <بنيامين نتنياهو> إلى السلطة في الإنتخابات الإسرائيلية في ٩ نيسان (أبريل) المقبل مدعوما من عالم الأعمال اليهودي ومن الأحزاب اليمينية المتطرفة. ومع اعتراف الولايات المتحدة بسيادة إسرائيل على الجولان تكون إدارة <ترامب> قد مهدت له الطريق لحكومة يمينية تنقذه من تهم الفساد المتوالية عليه، ولو مرحليا. ولكن كل هذه القرارات التي تصب في حل دولة واحدة في فلسطين المحتلة يكون فيها الفلسطينيون والعرب مواطني درجة ثانية أو عاشرة لا تأخذ في الإعتبار التغير الديموغرافي الكبير الذي تشهده إسرائيل وأهمية النظام الديمقراطي لبقاء دولة إسرائيل التي ترسم صورتها أمام الغرب أنها واحة ديمقراطية في صحراء الديكتاتوريات العربية. منذ السبعينات والماكينة الاستيطانية اليهودية تشجع على الإنجاب وزيادة الولادات خوفا من أن يغرق الإسرائيليون في بحر سكاني فلسطيني وعربي، وقد نجحت هذه الماكينة إلى حد كبير في رفع نسب الإنجاب إلى مستويات قياسية وصلت إلى أكثر من ٣,٥ بالمئة، ولكن رغم ذلك إزداد حجم السكان العرب في إسرائيل، وإذا تم الإعتراف الأميركي بسيادة إسرائيل على الضفة الغربية كما أصبح متوقعا فسيحق لأكثر من ثلاثة ملايين فلسطيني هناك بالمطالبة بالهوية الإسرائيلية وسيصبح عدد العرب والفلسطينيين أكثر من ثلث سكان إسرائيل. وإذا أرادت إسرائيل المحافظة على وجهها الديمقراطي فستكون لهذه النسبة قوة تأثيرية كبيرة في الداخل الإسرائيلي وستتحول أزمة إسرائيل الدولة المحتلة إلى أزمة حكم داخلية غير مسبوقة.

هناك مرارة كبيرة من جراء قرارات <ترامب> التعسفية في حق الشعب الفلسطيني... ولكن المعطيات الديموغرافية تؤكد أن حل الدولة الواحدة هو الطريق السريع إلى نهاية إسرائيل، ولو بعد حين.