تفاصيل الخبر

هل أصبحت الولايات المتحدة تراهن جديا على سقوط النظام في إيران؟

06/12/2019
هل أصبحت الولايات المتحدة تراهن جديا على سقوط النظام في إيران؟

هل أصبحت الولايات المتحدة تراهن جديا على سقوط النظام في إيران؟

 

بقلم خالد عوض

ساد اعتقاد منذ رحيل مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض <جون بولتون> أن سياسة الإدارة الأميركية تجاه إيران ستهدأ بعض الشيء، فـ<بولتون> كان الوحيد الذي يشجع على ما يسمى <تغيير النظام> في إيران (Regime Change) بينما كان معظم المحيطين بالرئيس الأميركي <دونالد ترامب> يحبذون سياسة الضغط لتغيير سلوك النظام الإيراني لأن نتائج تغييره قد تكون كارثية. ولكن يبدو من تصاريح وزير الخارجية الأميركي <مايك بومبيو> الأخيرة أن هناك توجها جديا لدى الإدارة الأميركية للذهاب إلى نهاية المطاف في الضغط على إيران أي إلى ما يسمى سياسة إنهيار النظام (Regime Implosion) التي أصبحت نوعا جديدا من الإستراتيجية الأميركية. عنوان هذه السياسة هو الضغط الإقتصادي غير المحدود لإحداث الإنهيار، على عكس السياسات السابقة التي كانت تستخدم العقوبات لتحسين شروط التفاوض أو لحفظ ماء الوجه ازاء تصرفات دولة معينة. نحن اليوم أمام أميركا جديدة، تفاوض بالسلاح الإقتصادي والمالي والاهم من كل ذلك بالسلاح المخابراتي.

 

الـ<سي. آي. إي.>... إلى إيران در!

إذا أردت أن تفهم ماذا تريد الولايات المتحدة فيجب أن تعرف ماذا تفعل الـ<سي. آي. إي.>. رئيسة وكالة الإستخبارات الأميركية المركزية هي <جينا هاسبل> (٦٣ عاما) التي لا تظهر إلا نادرا، والتي - وفي إحدى محاضراتها القليلة جدا وربما الوحيدة حتى اليوم في جامعة <اوبرن> في ألاباما في نيسان (ابريل) الماضي - قالت بالحرف: <ستزيد وكالة الإستخبارات الأميركية إستثماراتها للتركيز على دولتين هما روسيا وإيران. فبعد سنوات طويلة من التغاضي عن تلك الدولتين بسبب التركيز على محاربة الإرهاب بعد أحداث ١١ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠١، أصبح لزاما إعادة التركيز على أهداف واضحة ومحددة (Hard Target) مثل روسيا وإيران>. وعندما سئلت ماذا تعني <الإستثمارات> في عالم المخابرات، ردت: <يعني ذلك وجود عملاء أكثر والتمكن من اللغة الروسية والفارسية وتحديث المهارات السيبريانية>. هذا هو توجه المخابرات الأميركية اليوم، وبلسان رئيسته التي كان <دونالد ترامب> ينتقدها باستمرار في بداية العام اثر قولها أن محاولات الرئيس الأميركي مع نظيره الكوري الشمالي لن تثنيه عن إستمرار تطوير الأسلحة النووية والباليستية. تبين لـ<ترامب> مع الوقت أنها كانت على حق ويبدو أنه أصبح على وئام تام معها وأصبحت من القليلين الذين لا يوجه إليهم سهامه النقدية. <جينا هاسبل> كانت نائبة <مايك بومبيو> لمدة سنتين عندما كان رئيسا للـ<سي.آي.إي.> ويبدو أن هذا المثلث المنسجم اليوم أي <ترامب- بومبيو-هاسبل> هو الذي يحدد أولويات السياسة الخارجية الأميركية بالنسبة للشرق الأوسط.

 

تغيير النظام في إيران... وهم أم احتمال؟

ماذا أقنع الأميركيين بأن إمكانية تغيير النظام في إيران لم تعد بعيدة؟ هناك عدة إشارات تلقفتها الولايات المتحدة مؤخرا وترجمتها إلى سياسة ضغط أقصى على إيران. أولا عدم حماسة الصين لتخفيف حدة العقوبات الأميركية على إيران ومواجهة الولايات المتحدة في ذلك. صحيح أنها تدافع عن إيران وغطت ضرب <أرامكو> السعودية ولكنها لم تقم بإجراءات مالية حاسمة تخفف العبء عن الإيرانيين. ثانيا عدم تلاقي الروس بالكامل مع إيران في عدة أمور منها الوضع في سوريا واستعدادهم ولو الخجول حتى الآن للتعاون مع تركيا كبديل لإيران في البحر الأسود وسوريا، كذلك يساعد عدم تصدير إيران للنفط والغاز في إبقاء أسعار النفط على ما هي عليه وهذا يفيد روسيا كثيرا. ثالثا أحداث العراق ومظاهرات لبنان والمواجهات في إيران نفسها... كلها اشارات تؤكد أن النظام الإيراني بدأ يفقد السيطرة على <المحور> الذي كان يتباهى به، فقد تبين جليا أن الأغلبية الحاكمة في العراق ولبنان والموالية لإيران لن تستطيع الإستمرار كما كان الوضع منذ شهرين وأن توق الناس للإصلاح يمكن أن يطيح بكل مكتسبات إيران في هذه الدول، خاصة أن هناك جزءا غير قليل من الشعب يعتقد أن التحالف مع نهج إيران التي غضت النظر عن الفساد في العراق ولبنان هو الذي أوصل الحال إلى ما هو عليه. كل هذه المؤشرات اقنعت الأميركيين في الأسابيع الماضية أن مكابرة إيران لن تستمر وهي ستلجأ إلى التفاوض الذي كانت ترفضه منذ شهور والأرجح عبر الأوروبيين. ولكن الولايات المتحدة التي كان رئيسها يستميت إلى صورة مع الرئيس الإيراني <حسن روحاني> لم تعد مستعجلة وهي تفضل الإنتظار أكثر لأن بوادر إنهيار النظام بدأت تلوح بقوة في العراق وربما حتى في إيران.

لبنان... اقتصاده اضرار جانبية في اللعبة الكبرى!

 

لعبة التفرج الأميركي على الإنهيار الإيراني يمكن أن تستمر لشهور وربما لسنوات. لا العراق ولا لبنان يمكن أن يتحملا إقتصاديا وماليا تبعات الإستراتيجية الأميركية. والخوف من أن الأميركيين ما عادوا يمانعون إنهيار الإقتصاد اللبناني هو اليوم في محله، فلبنان أصبح يعتبر من الأضرار الجانبية (Collateral Damage) في المعركة الكبيرة الحاصلة اليوم، وبالنسبة إلى الأميركيين من <السهل> انقاذه خاصة إذا أكدت شركة <توتال> بعد ثلاثة أو أربعة شهور وجود غاز ونفط كما هو متوقع. كذلك العراق دولة غنية ويمكنها أن تحتمل. ولذلك فالولايات المتحدة غير معنية بما يحصل في البلدين إلا من حيث المحافظة على هدير الشارع في هذه المرحلة ضد النظام الحالي. كل ما عدا ذلك من أسماء وحكومات هو شراء إيراني للوقت لا يعنيها. وتأتي إعادة ١٠٥ ملايين دولار من المساعدات الأميركية للجيش اللبناني في هذا الإطار وليس ضمن أي إعتبار آخر، فالجيش يحمي ثورة اللبنانيين ولذلك يجب دعمه.

هناك من يسأل: كيف التعامل مع هذه المرحلة الصعبة من الكباش الأميركي- الإيراني؟ الجواب ببســــــاطة هو بعكس ما تفعله السلطة اللبنانية اليوم التي تلعب هي أيضا، ربما من حيث لا تدري، لعبة الوقت الأميركية.