تفاصيل الخبر

هل أصبحت الليرة اللبنانية أكثر الاستثمارات إغراء لعام ٢٠١٩؟!  

16/11/2018
هل أصبحت الليرة اللبنانية  أكثر الاستثمارات إغراء لعام ٢٠١٩؟!   

هل أصبحت الليرة اللبنانية أكثر الاستثمارات إغراء لعام ٢٠١٩؟!  

بقلم خالد عوض

أين يمكن تحقيق أكبر عائد للاستثمار في هذه الأيام وأين المكان الذي فيه أقل المخاطر؟ الجواب البديهي حاليا هو سوق الولايات المتحدة لأن الاقتصاد هناك في أحسن أحواله والمخاطر في أقل مستوى، كما أن الدولار هو العملة الأكثر أمانا في ظل كل ما يحصل خاصة في ظل إرتفاع مستمر في أسعار الفائدة عليه. وبالمنطق نفسه فإن أي عملة مرتبطة به هي أيضا <أمينة> إلى حد كبير بشرط أن يكون حزام الأمان حولها محكما. تؤكد كل المؤشرات والأرقام أن الاستثمار بالليرة اللبنانية التي تنعم باستقرار سعرها مقابل الدولار منذ ٢٥ عاما يمكن أن يكون من أجدى الاستثمارات عام ٢٠١٩ رغم مفاعيل ذلك على الاقتصاد اللبناني.

الضبابية المالية عنوان ٢٠١٩!

الرؤية الاقتصادية اليوم غير واضحة، فالعالم يشهد تقلبات حادة في إتجاه البورصات بشكل شبه يومي، كما تطغى عليه ملامح التطاير المالي في أسعار العملات. فمن جهة أوروبا يتعرض <اليورو> إلى ضغوط قوية بسبب رفض إيطاليا تخفيف عجز موازنتها وتحديها للمعايير الأوروبية، كما يؤثر إرتفاع شعبية التيارات اليمينية القومية المعارضة لفكرة وحدة أوروبا على النظرة المستقبلية للإتحاد الأوروبي، وكل هذا يضاف إلى عجز معظم الدول الأوروبية، باستثناء ألمانيا، عن تحقيق نمو اقتصادي يطمئن أن القارة العجوز خرجت من الأزمة المالية. القلق نفسه يحيط ببريطانيا التي لا تزال تفاوض لتقليل الأضرار الناتجة عن خروجها من أوروبا ولذلك لا وضوح بعد إلى أين سيتجه الباوند الاسترليني. أما في آسيا فالحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة ترخي بظلالها على كل الأسواق الناشئة هناك، وتواجه العملات الآسيوية ضغوطات مستمرة بسبب تراجع <اليوان> الصيني وبسبب الخطر الذي يواجه نمو الاقتصاد في الصين، فحالة اسيا كلها اليوم أصبحت مرتبطة بحرارة الاقتصاد الصيني وأية إشارات تراجع هناك لها ارتدادات في كل القارة بل في العالم، والدليل هو الهبوط الكبير في أسعار النفط، فالخوف من تراجع النمو الاقتصادي الصيني عام ٢٠١٩ بسبب سياسات <ترامب> الحمائية معطوفاً على إرتفاع كبير وغير متوقع في الإنتاج الأميركي من النفط الصخري أدى إلى تراجع أسعار النفط إلى أقل مستوى منذ أكثر من سنة.

 

من يضارب ضد الليرة؟!

 بالعودة إلى الليرة اللبنانية، ملفت جدا كلام حاكم مصرف لبنان الدكتور رياض سلامة الأسبوع الماضي من على صرح <بكركي> أن المضاربين ضد الليرة سيخسرون. الأهمية ليست في تطمينات الحاكم، التي ما فتئ يبثها منذ ٢٥ سنة، ولكن في اشارته أن هناك مضاربين، فلأول مرة منذ زمن طويل يعود الحديث عن وجود مجموعة، على الأرجح أن فيها لبنانيين، تراهن على سقوط الليرة أي على إنهيار اقتصادي تام في البلد. الأسباب التي تغري بها هذه <البوطة> أصحاب الرساميل هي نفسها: العجز الكبير في الموازنة والذي سيتخطى ٥ مليارات دولار عام ٢٠١٨ أي أكثر من ١٠ بالمئة من الناتج المحلي، الإرتفاع الكبير في الدين العام الذي سيتخطى ٨٥ مليار دولار قبل نهاية هذه السنة، العقوبات المالية على حزب الله التي يمكن أن تؤثر على القطاع المصرفي بكامله، وخطر حرب مع إسرائيل، يضاف إلى كل ذلك غياب الحكومة والنزاعات السياسية الضيقة التي تستنزف البلد.

بعبع العقوبات و<هدنة> إسرائيل!

هناك سيل من العقوبات في طريقه إلى لبنان، ولكن هذه العقوبات محصورة في حزب الله ومدروسة بطريقة لا تؤثر على القطاع المصرفي اللبناني، خاصة إذا استمرت البنوك اللبنانية في الانضباط نفسه في الامتثال الذي اظهرته منذ عدة سنوات. أما في مسألة الخطر من حرب إسرائيلية، فلا يمكن أن يكون هناك من مؤشر أوضح من معركة غزة الأخيرة على أن إسرائيل لا تريد أي نوع من الحروب. صحيح أنها كانت هي السباقة في الهجوم من خلال عملية <كوماندوس> لاغتيال كوادر من حماس، ولكن الأسلوب الذي تعاطت من خلاله مع مقتل ضابط إسرائيلي شارك في العملية ثم مع سقوط الصواريخ على المستوطنات الإسرائيلية يؤكد أنها ليست بوارد أي تصعيد، فهي حاولت تجنب قصف المدنيين وأبلغت سكان المباني التي ستقصفها مسبقا بضرورة اجلائها. وفي المقابل إنتظر مقاتلو حماس بضع الوقت قبل أن يطلقوا الصاروخ على الباص العسكري الإسرائيلي بعد أن تأكدوا من أن معظم الجنود الإسرائيليين الخمسين قد نزلوا منه. <مسرحية> غزة العسكرية الأخيرة في ظل وجود واحدة من أكثر الحكومات يمينا في الجانب الإسرائيلي تدل أن عنوان المرحلة ليس الحرب بل الاقتصاد، وهذا ينطبق على الحدود الشمالية مع لبنان.

 

الحكومة والعجز والدين!

ورغم التأخير غير المبرر في تشكيل الحكومة إلا أن المؤشرات تؤكد أن لبنان أصبح على أبواب حل حكومي لأن حزب الله لا يتحمل افشال عهد الرئيس ميشال عون أكثر من ذلك. ومع تشكيل الحكومة ستنفتح آفاق اقتصادية كبيرة تخفف من الرعب المالي الحالي وتشتري الوقت لسنة أخرى على الأقل، يتبين فيها مصير الغاز وكمياته الموعودة وتبدأ مفاعيل مؤتمر <سيدر> بالظهور للتخفيف من حدة العجز ونمو الدين العام.

هناك أكثر من سبعة مليارات دولار تتحول إلى لبنان كل عام وتعطي نظامه المصرفي الأوكسجين الذي يحتاجه للصمود، وهناك ما يقارب ١٨٠ مليار دولار من الودائع في البنوك اللبنانية معظمها لا منفذ له بسبب التشديدات المصرفية العالمية، كما هناك حوالى ٤٥ مليار دولار في إحتياطي العملات الأجنبية لدى مصرف لبنان إلى جانب أكثر من ١٠ مليارات دولار من الذهب.

الأهم أن هناك حاكماً لمصرف لبنان أثبت على مدى ربع قرن أنه يعرف تماما ماذا يفعل ويفعل تماما كما يقول، هو الرجل الذي عبر بالليرة في أحلك الظروف وحافظ على سعرها عندما كان كل شيء ينهار. ومع وصول الفوائد عليها إلى مستويات قياسية لا بد للنظر بإيجابية إلى فرصة الاستثمار في الليرة اللبنانية، على الأقل لعام ٢٠١٩، خاصة في غياب البديل الأفضل. صحيح أن ذلك لا يساعد في نمو الاقتصاد اللبناني بل يشله، ولكن إلى أن تنفرج الأوضاع السياسية الداخلية والإقليمية، تبقى الليرة ملاذا واعدا ومن دون منافس... في المدى المنظور.