تفاصيل الخبر

هل انتزعت السعودية من إيران الورقة الآسيوية؟

22/02/2019
هل انتزعت السعودية من إيران الورقة الآسيوية؟

هل انتزعت السعودية من إيران الورقة الآسيوية؟

بقلم خالد عوض

من يتابع حركة الرئيس الأميركي <دونالد ترامب> وقراراته يعرف أن شعار <أميركا أولا> الذي فاز به في انتخابات ٢٠١٦ يعني بالتحديد أن تبقى الولايات المتحدة القوة الاقتصادية الأولى في العالم. وبمعنى آخر تعني هذه العبارة أن تمنع أميركا الصين، التي تملك حاليا ثاني أقوى اقتصاد، أن تصبح عام ٢٠٢٧ هي القوة الاقتصادية الأولى. الحرب الاقتصادية بين القوتين العظمتين لم تعد باردة بعد أن أزخمها <ترامب> برسوم تجارية قاسية وبعد أن أعلن أن كل من لا يقف معه ضد الصين بمن فيهم حلفاء أميركا التاريخيون هم في الخانة المناهضة للولايات المتحدة نفسها. زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لباكستان هي في صلب هذه المواجهة الاقتصادية العالمية لأن باكستان تمثل البوابة الكبيرة لمشروع طريق الحرير الصيني خاصة بعد أن رصدت الصين أكثر من سبعين مليار دولار من الاستثمارات في مشاريع مختلفة في باكستان، ولكن بالإضافة إلى الدور المحوري للسعودية في الحرب الصينية - الأميركية حملت زيارة الأمير محمد عدة أبعاد.

 

الصين والسعودية... قصة مستقبل!

 

الصين بحاجة إلى السعودية لتصبح القوة الاقتصادية الأولى في العالم، فالنمو الاقتصادي الصيني بحاجة ماسة إلى إستمرار ضخ النفط السعودي إلى مصافيه. هذا النفط سيتعدى مستواه المليون ونصف المليون برميل يوميا عام ٢٠١٩ متخطيا لأول مرة منذ ٢٠١٢ ما تستورده الصين من روسيا وستصل نسبته  إلى أكثر من ١٥ بالمئة من مجموع إستيراد الصين من النفط. باختصار السعودية أصبحت المصدر الأول للنفط الذي تستهلكه الصين والذي يغذي نموها. وفي الوقت نفسه إستمرار النمو الاقتصادي في الصين على الوتيرة الحالية أي أكثر من ٦ بالمئة هو حاجة استراتيجية للسعودية لأنه يبقي على الطلب المرتفع على النفط وبالتالي يساعد بشكل مباشر في استقرار أسعار النفط فوق مستوى ٥٠ دولاراً للبرميل. ومن دون هذا المستوى من أسعار النفط سيكون من الصعب جدا على السعودية أن تحقق رؤية ٢٠٣٠ التي رسمها ولي العهد، لأن هذا البرنامج - ولو كان يتمحور حول الاستقلال الاقتصادي عن النفط - إلا أنه يعتمد بشكل رئيس على مداخيل النفط للاستثمار في القطاعات الأخرى. وباختصار أيضا، اقتصاد السعودية يتنفس من النمو الاقتصادي الصيني. الدولتان هما بحاجة لبعضهما البعض اقتصاديا. هذا ينطبق إلى حد ما على العلاقة السعودية - الأميركية ولو بشكل مختلف.

 

السعودية وأميركا: علاقة نفطية استراتيجية وطيدة... إلى متى؟!

 

رغم أن الولايات المتحدة استقلت بشكل كبير عن إستيراد النفط السعودي إلا أنها لا زالت تستورد ما يقارب مليون برميل من النفط السعودي يوميا وهو ما يشكل حوالى ١٠ بالمئة من كل

النفط الذي تستورده الولايات المتحدة. هي غير قادرة اليوم أن تستغني عنه نهائيا أولا بسبب سعره التنافسي الذي هو أقل من سعر النفط الأميركي وثانيا بسبب جودته العالية فهو نفط ثقيل وأكثر حموضة أي مناسب أكثر لفعالية مصافي التكرير. إذاً رغم تصاعد انتاجها النفطي الداخلي لا زالت الولايات المتحدة بحاجة إلى إستيراد النفط الخام وتستورده حاليا من خمس دول هي: كندا والسعودية والمكسيك وفنزويلا والعراق. كندا والمكسيك هما الجارتان القريبتان وبالتالي لا يمكن أن تخرجا عن الإرادة الأميركية في ما يخص إستيراد النفط منهما، ولكن العراق والسعودية وفنزويلا دول بعيدة وتستوجب استراتيجيات خاصة منها الوجود العسكري القريب ليضمن استقرار منابع النفط الخام المتوجه إلى الولايات المتحدة، وهذا ما يفسر إلى حد كبير تمسك كل الإدارات الأميركية بالوجود العسكري في الخليج كما يبين خلفية إهتمام الإدارة الأميركية الحالية بالوضع السياسي الداخلي لفنزويلا. هل سيستمر الطلب الأميركي على النفط السعودي والعراقي والفنزويلي؟ الإدارات الجمهورية تريد المحافظة عليه لأسباب عديدة أهمها مصالح شركات النفط الأميركية، ولكن التوجه الديموقراطي في الولايات المتحدة يريد التخلص من هذا الإرتباط عبر التوجه بسرعة أكبر إلى الطاقة المتجددة. بالنسبة للسعودية أصبحت الولايات المتحدة من أهم منافسيها النفطيين في العالم وقد أثر صعود مستوى إنتاج النفط الصخري الأميركي على أسعار النفط العالمية مما أضر كثيرا بالاقتصاد السعودي. إذاً رغم الارتباط التقني والتجاري بين السعودية والولايات المتحدة إلا أنه ليس هو العماد الحقيقي للعلاقة بين الدولتين على عكس العلاقة مع الصين. الأساس في العلاقة الأميركية - السعودية تاريخيا هو التعاون العسكري والسياسي الذي يضمن للسعودية الاستقرار ويعزز دورها الإقليمي.

ديبلوماسية المصافي!

أصبح من المعروف أن الطلب العالمي على النفط إقترب من ذروته، وهذا يعني أن الطلب على النفط لن ينمو في المستقبل بل سيتراجع مقابل زيادة المعروض، حتى أن التقديرات تشير إلى أنه يمكن أن يبدأ بالإنخفاض خلال خمس سنوات، ولكن رغم كل الحديث عن الطاقة المتجددة ومستقبلها الواعد إلا أن الطلب على المشتقات النفطية أي ما تكرره المصافي لن يتراجع بل على العكس سيزداد بشكل كبير، وهذا يفسر الفورة في إنشاء مصافي التكرير في كل دول العالم. أحد أهم وجوه زيارة ولي العهد السعودي لباكستان والهند هو التأكيد على إنشاء مصفاتي نفط لشركة <أرامكو> السعودية واحدة في ميناء <غوادار>  الباكستاني بطاقة تكريرية تصل إلى ٣٠٠ ألف برميل يوميا وأخرى في الهند (لم يتحدد موقعها النهائي بعد) بطاقة تكريرية تتخطى مليون برميل يوميا. كما أعلنت <أرامكو> في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي عن استثمار مباشر في مصافي <زهجيانغ> الصينية لتصبح لاعبا أساسيا في سوق التكرير الصيني. ومع دخول <أرامكو>  كشريك رئيس في كل هذه المصافي تضمن السعودية موقعا اقتصاديا خاصا في الصين وباكستان والهند من الممكن أن تستثمره سياسيا لتوطيد نفوذها الإقليمي والدولي.

ولي العهد السعودي وضع حجر الأساس لعلاقات اقتصادية سعودية استراتيجية مستدامة مع كل من الهند وباكستان والصين. من المؤكد أن هذه الدول، ولو كانت لها خصوصية معينة مع إيران لأسباب كثيرة، إلا أنه لا يمكنها بعد اليوم أن تفرط بذرة واحدة من مصالحها مع السعودية وستكون حريصة على أمن المملكة... فهل تتيقن إيران بعد كل ذلك أن استراتيجيتها العسكرية التوسعية لن تتمكن من الإنتصار على الاستراتيجية الاقتصادية والنفطية السعودية وأنه حان لها إعادة حساباتها؟