تفاصيل الخبر

هل الثورات والإنتفاضات هي ملامح تقسيم المنطقة العربية؟

17/01/2020
هل الثورات والإنتفاضات هي ملامح تقسيم المنطقة العربية؟

هل الثورات والإنتفاضات هي ملامح تقسيم المنطقة العربية؟

بقلم خالد عوض

السلاسة في انتقال الحكم في سلطنة عمان تستحق الإحترام كما أن البساطة التي رافقت تشييع السلطان قابوس وتنصيب السلطان الجديد هيثم بن طارق آل سعيد تمثل روحية الحكم في السلطنة. الحكم القائم على نشر السلام في الداخل وفي الإقليم تماما مثلما كان السلطان قابوس يصر على أن يطغى اللون الأبيض على مباني العاصمة مسقط ويولي إهتماما خاصا بشكلها العمراني الهادئ وعدم تطاير الأبراج فيها وكأن عمان هي نفسها رسالة. صحيح أن الشعب لم يستفت في عملية إنتقال السلطة، ولكنه مؤمن بأن السلف المؤسس إختار الخلف الأقدر. رقي الخلافة في عمان ولو انها بعيدة عن الديموقراطية يبدو أفضل من حال الكثير من الديموقراطيات الغربية التي تعاني اليوم.

الديموقراطيات في خدمة.. الشركات!

 

 الخسارة الإقتصادية الكبيرة التي تكبدتها فرنسا خلال ٤٥ يوما جراء الإضرابات ضد رفع سن التقاعد من ٦٢ عاماً إلى ٦٤ عاماً وحركة السترات الصفراء المستمرة منذ أكثر من عام تشير إلى عقم ما في النظام.

الكلفة النقدية والمالية التي تحملتها بريطانيا منذ الإستفتاء الديموقراطي حول الخروج من الإتحاد الأوروبي في حزيران (يونيو) ٢٠١٦ قصمت ظهر الإقتصاد البريطاني. لا الخروج من أوروبا حصل حتى الآن رغم محاولة ثلاثة رؤساء حكومة من المحافظين تحقيقه ولا الإقتصاد تعافى.

وفي الجانب الآخر من الأطلسي لا تزال قضية محاكمة الرئيس الأميركي <دونالد ترامب> أولا في الكونغرس وحاليا في مجلس الشيوخ تكلف ملايين الدولارات لأجور المحاماة والتحقيقات إلى جانب الإنهماك النيابي فيها. والأرجح أنها لن تفضي إلى شيء سوى هدر الوقت. الأنكى من كل ذلك هو ما نقلته صحيفة الـ<واشنطن بوست> منذ اسابيع عن تكاليف حرب أفغانستان التي فاقت ألف مليار دولار منذ ٢٠٠٣، فقد تبين أن الكونغرس الأميركي والرؤساء <بوش> و<اوباما> وحتى <ترامب> كانوا كلهم على علم بأن لا طائل من الحرب هناك، وكانوا يوافقون على تكاليف الحرب الباهظة رغم يقينهم أنها تذهب هدرا لشركات السلاح والمقاولين المرتبطين بالبنتاغون.

الديموقراطيات الغربية تنازع للمحافظة على <سمعتها> وفعاليتها وقدرتها على حماية مصالح الشعوب. وفي عالم أصبح فيه حجم الشركات أكبر من الكثير من اقتصادات الدول، تحول النظام الديموقراطي الذي نعرفه إلى أسير للمصالح الإقتصادية الكبرى وبات مسيرا إلى حد كبير من قبل الشركات وليس مخيرا فقط بقرارات الشعب.

حابل التغيير ونابل الفساد يلتقيان بالنزعة السيادية المستجدة!

حال الديموقراطيات في العالم العربي ليس أفضل، فإلى جانب التوق للتغيير الحقيقي والبحث عن عيش كريم تأتي مظاهر الفساد لتشعل الناس في الشوارع. في الغرب الفساد محوكم، وليس فقط مقوننا، وعندما يخرج عن الإطارات القانونية الموضوعة له ينقض القضاء عليه مهما علا شأن الفاسد. أما عندنا فالفساد والفاسدون <على عينك يا تاجر> وفي أحيان كثيرة يعجز القضاء أو يتلكأ عن محاسبتهم. ما نراه في العراق ولبنان والجزائر والسودان اليوم وقبل ذلك في مصر وتونس وما حصل في سوريا وليبيا خلال السنوات الماضية هو إنتفاضة ضد إحتكار السلطة من قبل الفاسدين ورغبة جامحة في التغيير. بالإضافة إلى كل ذلك بدأت النزعات الوطنية تتداخل مع هذه الإنتفاضات لتعزيز مفهوم السيادة والإستقلال ورفض التدخلات الخارجية. ويبدو من خلال ما نشهده في العراق اليوم وربما قريبا في لبنان أن التيار <السيادي> سيتزايد ويلتقي مع الأهداف التغييرية الأخرى مثل الإنقلاب على الفساد ورموزه وتحقيق العدالة الإجتماعية بمختلف أوجهها. ربما يبطئ العامل السيادي المستجد نمط الثورات لأنه يضيف البعد السياسي للمطالب الإقتصادية والمعيشية كما يمكن أن يقسم الناس إلى مع وضد هذه الدولة أو تلك، ولكن يبدو أنه سيصبح احدى قواعد الإنتفاضات الثورية التي نراها اليوم.

 

الحياد والإقتصاد.. صنوان؟

السيادة تستوجب في أحيان كثيرة الحياد، خاصة عندما تكون القدرات العسكرية والمالية محدودة. والحياد أو ما سماه اللبنانيون النأي بالنفس يمكن أن يكون فرصة إقتصادية تماما كما هي سويسرا. السفير السويسري في إيران <ماركوس لايتنر>، الذي تدير سفارته شؤون الولايات المتحدة هناك بسبب إقفال السفارة الأميركية منذ ٤٠ عاما، لم يهدأ في الفترة بين إغتيال قاسم سليماني قرب مطار بغداد والرد الإيراني بالصواريخ الباليستية بعد أيام. الأميركيون بعثوا عبره بعدة رسائل إلى الإيرانيين بضرورة ضبط الرد، والإيرانيون كانوا يؤكدون للسفير ضرورة قوة الرد، حتى توافق الطرفان تقريبا على شكل الضربة وتوقيتها. لولا الحياد السويسري كاد العالم يدخل في حرب عالمية ثالثة. الإقتصاد السويسري هو من أكبر عشرين اقتصادات في العالم بعدد سكان لا يزيد عن ٩ ملايين نسمة وبمعدل دخل سنوي يزيد عن ٧٥ ألف دولار لكل واحد منهم وهو من أعلى المتوسطات العالمية. الدور نفسه تلعبه سلطنة عمان من حيث إستخدام الحياد لتسوية الخلافات الإقليمية. صحيح أن السلطنة لم تستطع حتى الآن بناء إقتصاد مزدهر على الطريقة السويسرية، ولكنها اليوم بسبب سياستــــــــــــــــها الحكيمة والتهدوية على مدى سنوات مؤهلة لتقديم نموذج إقتصادي جديد، فالسلطان هيثم بن طارق كان رئيسا للجنة <رؤية عمان ٢٠٤٠> ويعلم جيدا التحديات الإقتصادية الآتية على السلطــــــــــــــنة وضرورة البحث عن بدائل عن النفط، كما يمكنه إستثمار الموقع الجغرافي لعمان والثقة الدولية التي كسبتها بسبب مواقفها السياسية المحايدة، من اليمن إلى إيران مرورا بالنزاع الخليجي، لتطوير الإقتصاد العماني والإرتفاع به بسرعة.

لم يعد الحياد مرادفا فقط للخيانة القومية والدعوة إلى التطبيع مع إسرائيل وإلى ما هناك من إتهامات يمكن أن يجرها هذا المفهوم لمروجيه بل يبدو أنه سيصبح قريبا شكلا من أشكال الأنظمة الإقتصادية الحديثة. الخوف من أن يصبح في حالة العرب مدعاة... للتقسيم.