تفاصيل الخبر

هل الحل الأنسب للأزمة الاقتصادية والمالية تقني أو سياسي؟

27/01/2021
هل الحل الأنسب للأزمة الاقتصادية والمالية تقني أو سياسي؟

هل الحل الأنسب للأزمة الاقتصادية والمالية تقني أو سياسي؟

 

بقلم طوني بشارة

 

الخبير الاقتصادي الدكتور وليد أبو سليمان: ترشيد الدعم حلاً مُرّاً لمسألة أمَرّ !

 

[caption id="attachment_85253" align="alignleft" width="384"] مصرف لبنان.. رفع السرية المصرفية عن المصارف قد يشكل عائقاً أمام التدقيق الجنائي.[/caption]

 يمر لبنان حالياً بمرحلة اقتصادية دقيقة جداً، مرحلة تتمثل بارتفاع نسب البطالة والتضخم وتدني نسب النمو على مختلف الصعد.... واللافت أن نسبة الفقر لامست الـ 60%  مما أدى إلى اهتزاز الأمن الصحي والاجتماعي والغذائي... وبالمقابل السلطة ما زالت  تدرس امكانية ايجاد حلول غير آبهة بمصير المواطنين، ملوحة بإلغاء الدعم حتى وصل الأمر الى تكلم بعض اركانها عن إمكانية التصرف بالاحتياطي من الذهب. مما دفعنا الى التساؤل عن الحل الأنسب للأزمة أهو تقني أم سياسي؟  وبالتالي ماذا عن جدوى الغاء الدعم وما البديل الأنسب المفترض اتباعه؟.

 

أبو سليمان والأزمات المتتالية

 ​الخبير الاقتصادي​ وليد أبو سليمان أكّد لنا بأن التحديات كبيرة جداً والمسؤولية على المسؤولين صعبة جداً، إلا أنهم أثبتوا فشلهم بإدارة الأزمة في العام السابق.

وتابع أبوسليمان حديثه قائلاً:

- إذا بقينا على ذات الوتيرة فالآتي أعظم. لقد شهدنا عام 2020 أزمات مالية، نقدية، سياسية، اجتماعية وغيرها... كلها وقعت على كاهل المواطن اللبناني. وعدم اتخاذ القرارت الجريئة من قبل المعنيين وتحويل تبعات الأزمة على المواطن فقط يؤكد فشلهم، ولا ننسى عرقلة الأطراف المتضررة لخطة الحكومة المستقيلة مع ​صندوق النقد الدولي​. أما فقدان ​الليرة اللبنانية​ 87% من قيمتها، وحجز أموال المودعين في ​المصارف​ دون معرفة مصيرها، كذلك الحديث عن عدم تطبيق "الهيركات" الذي فعلياً بلغ كل الودائع بنسبة 70%، وتآكل الاحتياطي الالزامي.. كلها جعلت من سنة 2020 صعبة جداً، والمواطن وحده من يدفع الثمن.

*-ولكن ماذا يحمل عام 2021 للبنان واللبنانيين من صفقات والتزامات ومخاطر وأزمات؟

- في عام 2021 ، نحن مرغمون بالاتجاه نحو الممر الإلزامي لـ"صندوق النقد الدولي"، لبنان لن ينهض بنفسه ! وتشير آخر دراسة لـ"الإسكوا" إلى أن 55% من اللبنانيين هم تحت خط ​الفقر، وهي نسبة ضخمة ومرشحة لأرقام أكبر من ذلك في ظل الجمود السياسي وعدم تشكيل الحكومة.

وأضاف أبو سليمان قائلاً : يتم التفريط بأموال المودعين لدعم كل لبنان، سرقة علنية أيضاً عن طريق الهدر والتهريب. الدعم كما هو قائم اليوم لا يمكن الاستمرار به ويذهب كثير منه الى غير المستحقين له، 20% يستفيد منه الأكثر فقراً أما الباقي يذهب لأبناء الطبقة الميسورة ! وتقدم وزير الاقتصاد راوول نعمة بخطة، لكنها كانت فردية لم يعمل بها أحد !

الحل المرّ

*-  تتكلم عن عدم جدوى الدعم ولكن يبدو أن 85 في المئة من اللبنانيين المنتجين يتلقون مدخولهم بالليرة اللبنانية التي فقدت 80 في المئة من قيمتها وهو ما ينقلنا تلقائياً الى موضوع يشغل بال اللبنانيين يتعلق برفع الدعم فما موقفك من ذلك؟.

- إن الدعم ليس خياراً والمسألة بسيطة: إذا توافرت العملة الأجنبية يستمر الدعم واذا فقدت فلا دعم. لذا لا نعرف شيئاً عن مصير سعر الصرف، واللافت  أن ما بين 55 و60 في المئة من الدعم يذهب الى المحروقات أي بين مليارين و750 مليون دولار الى ثلاثة مليارات دولار، بينما يذهب نحو 150 مليون دولار الى دعم الطحين ما لا يشكل أكثر من 5 في المئة ويجب حمايته.

وتابع أبو سليمان قائلاً:

- يبدو الأفق غامضاً اليوم على صعيد مسألة الدعم وثمة حديث عن ترشيده، فالدعم كما هو قائم اليوم لا يمكن الاستمرار به ويذهب كثير منه الى غير المستحقين له. فمثلاً على صعيد دعم المحروقات، فإن 40 في المئة من أبناء الطبقة الميسورة يستفيد منه وكذلك الأمر لمن يتلقون العملة الصعبة من الخارج ومنهم الأجانب الذين باتت تنكة البنزين تكلفهم ثلاثة دولارات!  كما تُهرب نسبة 30 في المئة الى سوريا وتدفع عشرة في المئة عملات للتجار، وتبقى نسبة الـ20 في المئة باقية للأسر الأكثر حاجة، وهو ما يشير الى هدر كبير في آلية الدعم الحالية

واستطرد أبو سليمان قائلاً:

- وبالنسبة الى السلة الغذائية، فقد دعمت الحكومة بمبلغ تقريبي يبلغ نحو 450 مليون دولار، استفاد منها بعض التجار بـ250 مليون دولار أي أكثر من 50 في المئة من القيمة!

*- وماذا عن ترشيد الدعم؟

 

[caption id="attachment_85254" align="alignleft" width="326"] وليد أبو سليمان:أرى الوضع سيء جداً ولكنه مع رفع الدعم سيزداد سوءاً.[/caption]

- سيكون ترشيد الدعم حلاّ مُراً لمسألة أمَرّ ، وسيكون الدعم برمته متعلقاً باحتياطي الدولة من الدولار في مصرف لبنان الذي قال حاكم مصرف لبنان رياض سلامة إنه يستطيع الصمود عبره شهرين الى الامام وبات معلوماً أنه ومع ارتفاع الدعم على سلع في السوق سيرتفع الطلب على الدولار، وثمة من خرج لتبشير اللبنانيين بقرب مد اليد على احتياطي الذهب، لكن هذا الأمر بحاجة الى مشروع قانون في المجلس النيابي وهو في الأصل مستبعد في هذه اللحظة.

 

*- يبدو وكأنك ترفض الدعم رفضاً قاطعاً؟ 

- إن هدراً كبيراً يحصل في موضوع الدعم. فنسبة تتراوح بين 70 إلى 80% من الدعم لا تذهب الى الاشخاص المحتاجين لها على مختلف الصعد. وبالتالي، يجب ترشيد الدعم بطريقة تضمن استفادة العائلات الأكثر عوزاً منه.

 

 

*- في ظل رفض الدعم واعتبار ترشيده حلاً مراً ، ما البديل عنه ؟

- الحلّ يكون عبر البطاقة التموينية وليس التمويلية. فخيار البطاقة التمويلية يؤدّي إلى زيادة في الطلب على الليرة اللبنانية ما يدفع المصرف إلى طبع كميات جديدة من النقود الأمر الذي سيزيد التضخم. أما خيار البطاقة التموينية فيتيح الاستحصال على حصص أو وحدات سواء من الغذاء أو الدواء وبالتالي لا يلزمه طباعة الكثير من العملة الورقيّة، والمشكلة اليوم هي ان المسؤولين هم الآن في طور البحث عن حل.

سلامة والتصريحات المتناقضة!

 

*- وماذا عن ما قاله حاكم مصرف لبنان رياض سلامة عن ضرورة إيجاد حلّ قبل نهاية شباط 2021 ؟

- تصريحات ​حاكم مصرف لبنان​ في الآونة الأخيرة أقل ما يقال عنها إنها متناقضة. فمنذ فترة صرّح الحاكم بوجود 600 مليون دولار وبالتالي لا تكفي لمدة شهرين، وفي مقابلته الأخيرة صرّح عن 2 مليار دولار للدعم، فكيف دخل مبلغ مليار و400 مليون دولار بمدة زمنية قصيرة جداً؟

*- البعض ينادي برفع السرية المصرفية من اجل تسهيل عملية التدقيق الجنائي، فما موقفك من هذا الأمر؟ وما هي أهمية اتخاذ هكذا قرار؟

- الأمر الأهم سيكون مرتبطاً بالمؤسسات الخاصة وتحديداً بالمصارف​ الخاصة التي يفترض أن يكشف ​المصرف المركزي​ عن مستندات متعلقة بها وهو ما لم ينص عليه القانون الأخير، ويُذكر بما سبق أن طالب به حاكم ​البنك المركزي​ ​رياض سلامة​، وهو رفع السرية المصرفية عن المصارف للكشف عن حساباتها وهو ما لم يحصل، وبالتالي قد يشكل بدوره عائقاً أمام التدقيق الجنائي.

وتابع أبو سليمان قائلاً:

- وهنا أرى أن المدة الزمنية التي حددها القانون بـ11 شهراً، هي عائق أساسي. فعلى سبيل المثال في دولة الموزمبيق استغرق التدقيق الجنائي في مؤسستين عامتين فقط سبعة أشهر، وبالتالي إذا حققوا في ​لبنان​ إنجازاً ونفذوا التدقيق خلال 11 أو 12 شهراً، يعني بعد انتهاء العام الواحد المحدد بالقانون سنعود إلى الدوامة والحجة نفسها المرتبطة بالسرية المصرفية التي قد تحول دون أي محاسبة بعد إصدار التقرير.

*- وماذا عن وضع ​القطاع المصرفي​ ومصير الودائع؟

 - يجب مصارحة الشعب اللبناني بالحقيقة وفتح الدفاتر كي نعرف أين نحن وإلى أين ذاهبون. وأي قرض من "الصندوق الدولي" هو لمساعدة الدول، و"سيدر" للبنى التحتية، أما القطاع المصرفي الخاص لا يتحمل مسؤوليته بل يحمل الدولة ما حصل. الخسائر وقعت على المودعين والودائع ستتآكل مع مرور الوقت.

وتابع أبو سليمان قائلاً: وهنا أشير الى أن العوامل الأربعة التي تدخل العملة الصعبة إلى لبنان من ​استثمارات​ خارجية إلى تحاويل المغتربين إلى ​السياحة​ والتصدير كلها معدومة وفقدت الثقة بالقطاع المصرفي اللبناني، لذا اشدد على ضرورة إعادة هيكلة البنوك واعادة رسملتها بأموال طازجة، واشكك بقدرتها على ذلك.

 

الحل السياسي!

 

*-في سياق حديثك أشرت الى انه لم يعد هناك من حلّ تقني اليوم. فعلى ماذا ارتكزت؟ وما الحل الأفضل؟

- الحل أضحى بالسياسة والإصلاحات وتأليف حكومة، إضافة الى الشروع بالتفاوض مع صندوق النقد الدولي الّذي هو الممرّ الإلزامي لأيّة قروض ميسّرة كما إلى الدول والمؤسّسات المانحة. في كل الأحوال، فإن الحل سياسي في الدرجة الاولى وأولى خطواته تشكيل حكومة للبنانيين تكون قادرة على اجراء الاصلاح وجلب العملة الصعبة بعد مفاوضات مع صندوق النقد الدولي.

وتابع أبو سليمان قائلاً:

- لكن ذلك لن يجلب فوراً المال المطلوب من الخارج، ويجب الانتظار أربعة الى خمسة أشهر في افضل الأحوال ، لإنجاز إتفاقية على هذا الصعيد والشروع في إصلاحات يطلبها المجتمع الدولي من تدقيق في مصرف لبنان ومؤسسات أخرى  ومن خلال ذلك يتمكن  اللبنانيون من معرفة كم تبقى لديهم من أموال بعد كل تلك الازمات، وسيكون على لبنان تلبية تحديات كبيرة يطلبها الخارج مثل إعادة هيكلة الإدارة لمعالجة «الحشو» في التوظيف ومعظمه سياسي وطائفي، ويجب أن يكون ذلك متوازياً مع خلق وظائف جديدة كما مناطق حرة لتدعيم القطاع الصناعي وغيره من الحلول البديلة.

وختم أبو سليمان حديثه قائلاً:

- إذا رفعت الدولة الدعم بالكامل، حينها يمكن أن نصل الى رقم الـ70 في المئة من الشعب الذين  سيصبحون تحت خط الفقر، وهو ما قد يعني أن نتحول الى دولة فاشلة ونعاني من إضطرابات إجتماعية وأمنية خطيرة كما وأرى الوضع سيء جداً، ولكنه مع رفع الدعم سيزداد سوءاً، فنسبة الفقر سترتفع تلقائيّاً من 50 الى 70% ما قد يؤدّي إلى اهتزاز الأمن الصحي والاجتماعي والغذائي، الأمر الذي سينعكس اضطرابات على الصعيدين الاجتماعي والأمني.