تفاصيل الخبر

هل اجتاز لبنان و المنطقة قطوع احتمال الصدام العسكري بين السعودية وايران ؟

15/01/2016
هل اجتاز لبنان و المنطقة قطوع احتمال الصدام العسكري بين السعودية وايران ؟

هل اجتاز لبنان و المنطقة قطوع احتمال الصدام العسكري بين السعودية وايران ؟

بقلم جورج بشير

جبران-باسيل

كان لبنان في طليعة الدول التي أصابتها تداعيات الأزمة الديبلوماسية العنيفة التي ضربت العلاقات السعودية - الإيرانية نتيجة إعدام الشيخ السعودي الشيعي نمر النمر من جهة، وتداعيات الانهيار المريع للعلاقات الخليجية - الايرانية، بعد إقدام إيرانيين في طهران على محاولة احتلال مقر السفارة السعودية في طهران من جهة أخرى، مما تسبّب بقطع العلاقات بين الرياض وطهران، وبين هذه الأخيرة وعدد من بلدان المنطقة، ودعوة مجلس الأمن الى الانعقاد وإصدار قرار يندد بالعملية الإيرانية ضد البعثة الديبلوماسية السعودية، ومن ثم دعوة مجلس جامعة الدول العربية الى جلسة طارئة في القاهرة لبحث الوضع المتدهور في المنطقة، كما أبدى المراقبون تخوفهم من اندلاع قتال بين ايران والسعودية يمتدّ لهيبه الى سائر دول المنطقة الملتهبة أساساً بحروب طاحنة ناشئة في عدة أمكنة من اليمن الى سوريا الى العراق الى ليبيا الى فلسطين المحتلة حيث ان اسرائيل مرتاحة في اغتنام الفرصة للتوسع على حساب أصحاب الأرض الفلسطينيين ومضاعفة عدد المستوطنات بزيادة أعداد المستوطنين، فما دام العرب منشغلين بمحاربة بعضهم البعض والقوى السياسية والعسكرية، وحتى القوى الاقتصادية العربية، فإن حلم <دايفيد بن غوريون> وكل مؤسسي الدولة العبرية، بإضعاف مصر وسوريا والعراق يتحقق، وإنّ الفرصة متاحة تاريخياً أمام دولة اسرائيل كي تتوسع وتطرد المزيد من أهل الدار الفلسطينيين وتقيم الدولة اليهودية. ومما زاد في الطين العربية بلّة دخول تركيا على خط النزاعات والحروب الدائرة في المنطقة، لتحاول هي الأخرى استعادة أمجاد الامبراطورية العثمانية الغابرة، هذه الامبراطورية التي تمكّنت من الهيمنة على المنطقة لسنوات في الماضي.

 

العلاقات السنيّة - الشيعية

لعلّ أكثر ما أصاب لبنان بفعل تداعيات الأزمة السعودية - الإيرانية من تخوّف، كان بسبب عودة التشنّج الخطير في العلاقات بين السنّة والشيعة بتأثير الهزة العنيفة بين الرياض وطهران، وحشد القوى الإقليمية والعربية من كل جانب للدخول طرفاً في هذا الصراع بين طهران والرياض. والتخوّف اللبناني كان من إمكانية انتقال الصراع الخطير هذا بفعل هذه الهزّة الى الشارع اللبناني الذي بذل قادة لبنانيون في الماضي كما في الحاضر، جهوداً مضنية لمنع تأثر الشارع اللبناني الشفاف بالمستجدات الحاصلة في المنطقة بين السعودية وايران وسوريا والعراق، لأن هذا التأثر في نظر القيادات اللبنانية يمكن ان ينقل العنف ولهيب الحرب الدائرة بين الاطراف الإقليمية والدولية الى لبنان الذي ابتعد وأُبعد بإرادة أقليمية ودولية منذ نشوب الحرب في سوريا عن هذه الحرب وهذا الصراع، ونأى بنفسه عنها حفاظاً على ما تبقّى من استقرار سياسي وأمني ونشاط اقتصادي.

واليوم، إذا ما تمكّن المصطادون في المياه العكرة من تأجيج الصراع السنّي - الشيعي من خلال الصدام السعودي - الإيراني في المنطقة، فإن هذا الاستقرار الهشّ القائم في ظل دولة مشلولة وحكومة غائبة ورئاسة جمهورية مغيبة سيشكل سلبيات مصيرية -  لا سمح الله - على الكيان الوطني للبنان الذي يناقض وجود اسرائيل في المنطقة، هذا الكيان الذي يعمل الاسرائيليون بكل قواهم السياسية والأمنية لزعزعته وإنهاء مفاعيله وما يرمز إليه في منطقة الشرق الأوسط.

رئيس المجلس النيابي نبيه بري كان صائباً في موقفه منذ البداية من خلال عمله ودعواته المتكررة لتحقيق أكبر قدر من التوافق والتفاهم بين الرياض وطهران، وكان ذلك قبل الاحداث الأخيرة الناشئة عن إعدام الشيخ النمر وتداعيات قطع العلاقات الديبلوماسية، لإدراكه بأن ذلك يمكن أن ينعكس سلباً على الساحة اللبنانية خصوصاً في حال احتدام الصدام السنّي - الشيعي. وخوف الرئيس بري كان ولا يزال في محله وزاد، لا بل تضاعف على اثر تداعيات الأحداث الأخيرة في المنطقة التي تلت إعدام الشيخ النمر.

اجتماع القاهرة المحك

 

قبل أن يتوجه وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل الى القاهرة لتمثيل لبنان في الاجتماع الطارئ لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية، دارت اتصالات سريعة بين المسؤولين الحكوميين والسياسيين لمواجهة تطورات الموقفين العربي والدولي وتداعيات الصدام السعودي - الايراني، واتُّفق بعيداً عن المزايدات الرخيصة التي واجهتها مهمة الوزير باسيل، كونها مهمة الحكومة اللبنانية على أن يتمسك لبنان بمبدأ حماية البعثات الديبلوماسية الدولية في كل دولة، ويستنكر أي محاولة لإلحاق الأذى بمقرات هذه البعثات أو بأفرادها، وبضرورة ضمان حماية الدولة المعتمدين لديها، واحترام السيادة الوطنية لكل دولة داخل أراضيها حماية لقرارها المستقل، وعدم الدخول طرفاً في عملية شدّ الحبال الجارية بين الرياض وطهران، والنأي بموقف لبنان عن هذا الصراع حرصاً على إبعاد لهيب أي صدام قد يتطور بين الجانبين من منطلق الحفاظ على حياد لبنان تجاه الصراعات الإقليمية والدولية، والدخول طرفاً في المحاولات الجارية لتبريد الأزمة ومنعها من الاتساع وحصرها في إطارها، وكل ذلك حرصاً على الاستقرار اللبناني من التأثر بتداعيات سلبية لهذه الأزمة.

ومن هنا كان الموقف اللبناني الذي أبرزه وزير خارجية لبنان في اجتماع القاهرة معززاً أو مؤيداً للتوجه الدولي وحتى الاقليمي بالسعي الى تبريد الصراع ومنعه من أن يتحول كما تريد اسرائيل الى نشوب حرب عسكرية طاحنة بين السعودية وإيران، لإبعاد الكأس المُرّة عن لبنان قدر الإمكان.

والدافع الى الالتزام بهذا الموقف اللبناني يبقى الحفاظ على العلاقة المتينة اللبنانية - السعودية، ومن جهة أخرى الالتزام بمبدأ النأي بالنفس لأن الوضع اللبناني الداخلي سيتأثر سلباً على صعيد الشارع مع ازدياد حدة هذا الصراع بين البلدين. وطبعاً هذا هو دور لبنان في ظل الجهود الدولية وحتى الإقليمية التي بُذلت من خلف الستار وديبلوماسياً لمنع اي تطور سلبي للصدام والصراع اللذين فجّرتهما أحداث القطيف والإعدام والاعتداء على السفارة السعودية في طهران، وهذا كان واضحاً من خلال المواقف الفورية المعلنة في موسكو وواشنطن والحكومتين الفرنسية والبريطانية منذ اليوم الأول لانفجار الصراع حفاظاً على السلام الإقليمي والدولي الذي تأثر بعد إعدام الشيخ النمر، ونشأ بفعله تخوّف من حرب إقليمية واسعة في المنطقة تكاد تتطور الى حرب عالمية لا سمح الله.

صحيح أن الموقفين السعودي والإيراني وصلا الى ذروة الأزمة والانفجار العسكري، لكن الموقف الدولي الذي أعرب عنه كل من الأميركيين والروس لجم الوضع وأضفى رغبة واضحة في العمل السريع على تبديد أية تطورات سلبية قد تفجّر الأوضاع وتعرض السلام الإقليمي والدولي لخطر الحرب. فالمنطقة يكفي دولها وشعوبها ما تشهده من ويلات على هذا الصعيد، وقرار مجلس الأمن الدولي عكس الموقفين الأميركي والروسي وساهم في لجم أي تطرّف في المواقف داخل الاجتماع العربي في القاهرة.

لقاء-الاربعاءومن جهة الوضع اللبناني، لوحظ كذلك بأن الموقفين الروسي والأميركي وحتى الأوروبي جاءت منسجمة مع هذا

التوجه للتبريد من خلال الاتصالات التي تسارعت لحصر حادث الحدود الذي جرى بين لبنان واسرائيل بعد اعتبار حزب الله أن العملية الأخيرة في منطقة شبعا كانت حلقة في الرد على اسرائيل لاغتيالها الشهيد سمير القنطار.

ويبقى السؤال المطروح في ظل أجواء التبريد المشار إليها إقليمياً ودولياً هو: هل يتعزز هذا الجو ويبعد لبنان والمنطقة عن مناخات الصدام العسكري وأهواله؟ أم ينجح الاسرائيليون في سعيهم لتأجيج الصراع وسوق المنطقة الى نزاع عسكري من نوع آخر؟

 

... ورئاسة الجمهورية

وبما أن كل فريق يحاول لملمة أطرافه وإبعاد مخاطر الانزلاق الى صدامات أو الى مزيد منها، فإن وضع مبادرة الرئيس سعد الحريري الباريسية في الثلاجة، دفع بكتلتي التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية الى العمل الجاد في تسريع تلاقي العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع للمرة الثانية في معراب هذه المرة، ووضع طبخة مبادرة ثنائية رئاسية بينهما على النار، مع تطوّر مفاجئ حصل في مجال توافقهما السياسي والانتخابي في المستقبل، خصوصاً على صعيد التشدد بالمطالبة بقانون جديد للانتخابات النيابية، والردّ الذي قرره المجلس الدستوري للطعن المقدم من كتلة النواب الجنبلاطيين ضد قانون استعادة الجنسية الذي استخدم فيه نواب مسيحيون كـ<أحصنة طروادة> حسب تفسير كتلتي التيار والقوات، لوقف تنفيذ القانون المشار إليه وتعطيله. هذا التطور بشّر المراقبين بأن الوضع اللبناني سيشهد خلال النصف الأول من العام الجديد إيجابية أكثر على صعيد ظهور مبادرات  لملء الفراغ في سدة الرئاسة الأولى.