تفاصيل الخبر

هل عودة الأطفال حالياً الى الحضانات آمنة ؟

24/06/2020
هل عودة الأطفال حالياً الى الحضانات آمنة ؟

هل عودة الأطفال حالياً الى الحضانات آمنة ؟

بقلم عبير أنطون

 

نقيبة أصحاب دور الحضانات في لبنان هنا منيمنة جوجو : نطبق كل الاجراءات الوقائية الواجبة، والقطاع الى انهيار كبير ما لم تسمع صرختنا! 

[caption id="attachment_79063" align="alignleft" width="375"] اصحاب دور الحضانات في لبنان[/caption]

الإرباك الذي فرضه اجتياح الـ"كوفيد 19" لعالمنا لم يوفر حتى عالم الطفل الهانئ، فقضّ مضجعه من خلال إقفال دور الحضانة التي كانت تشكل للأهل مصدر اطمئنان على طفلهم إن هم أوكلوا به إليها خلال ساعات عملهم وبشكل خاص للأمهات، كما للأطفال أنفسهم في مرحلة ما قبل دخولهم مشوار المدرسة الطويل.

 اليوم وبعد أكثر من أسبوعين على قرار إعادة فتح الحضانات واستقبال 25%من قدرتها الاستيعابية، كيف يسير العمل فيها ووفق أي آلية ؟ وهل تشجع الأهل وأرسلوا أولادهم؟  وهل هذه العودة آمنة لهم وللأهل والعاملين في الحضانات من رأس الهرم الى أسفله؟ وماذا عن صرخة هذا القطاع الذي كما غيره يشهد انهياراً كبيراً ينذر بالاقفال علماً ان الحاجة اليه ملحّة على غير صعيد؟

 الأجوبة حصدناها في لقاء "الأفكار" مع نقيبة أصحاب دور الحضانات في لبنان السيدة هنا جوجو، وكان دخول في تفاصيل القطاع الذي خبرته بالعمق وتسهر على مختلف شؤونه وشجونه.

 وفق أرقام النقابة، يبلغ عدد الحضانات 480 حضانة، تعمل فيها نحو 12000 معلمة وحاضنة، وكان يستفيد من خدماتها نحو 40000 طفل سنوياً. هذه الحضانات كانت على موعد مع فتح أبوابها في الثامن من الجاري لاستقبال 25% من قدرتها الاستيعابية. فكيف كانت هذه العودة ؟ وهل عند الأهالي كامل الثقة بالاجراءات التي اتخذت؟

 قبل أن تفتح الحضانات أبوابها، قمنا كنقابة ولمدة 15 يوماً، بتدريبات خاصة على اجراءات العودة، تقول النقيبة هنا جوجو لـ"الأفكار" . وفي جزء من التحضيرات وورش العمل التي تمت عبر تطبيق "زوم" كنا نطلب من مدراء الحضانات ان يهيئوا الأهل ويطلبوا منهم بعض التمرينات لاولادهم وتحضيرهم للتباعد الاجتماعي، وذلك طبعاً بحسب أعمار الأولاد وقدرة استيعابهم وتفاعلهم. ومن خلال استفتاء قمنا به مع الحضانات في مختلف المحافظات، يمكننا القول إنه بنسبة 80% ،ساهم الأهل بتحضير اطفالهم لهذه العودة. والأطفال لما حضروا الى الحضانة كانوا متشوقين جداً، خاصة بعد حجر امتد لثلاثة أشهر، وبعض الأهل التزموا باجراءات الحجر بشكل تام لأولادهم، فيما اكتفى البعض الآخر بزيارة  اقربائهم او جيرانهم وبينهم من يرتادون الحضانة نفسها.

وتضيف جوجو:

[caption id="attachment_79067" align="alignleft" width="187"] النقيبة هنا جوجو: الحضانة ليست من الكماليات ووجودها ضروري[/caption]

ـ في الواقع كانت العودة أفضل بكثير مما توقعنا، ونسبة الأطفال التي بكيت كانت منخفضة جداً، واقتصرت على أوقات الدخول فقط . وهناك اطفال جدد  استقبلناهم وكانت لهم افضلية لأن اهلهم عادوا الى العمل ،وهؤلاء أيضاً قاموا بتأقلم سريع .. لقد تفاجأنا فعلاً، وربما يعود ذلك ايضاً الى الهدوء في الحضانة مع نسبة الـ25 % ، ما ساهم بشكل إيجابي في مساعدة الاطفال. أما الجانب السلبي فتمثّل في سؤالهم عن اصدقائهم الذين لم يحضروا، إما لأن الأولاد الأكبر سناً كانوا في البيت فأبقى الأهل الصغير معهم، وإما بسبب الحالة الاقتصادية المتردية، او بسبب الانتقال الى منازل صيفية بعيدة، او أيضاً بسبب الخوف، فآثر الكثيرون منهم التريث حتى تنجلي الامور، ويطمئنوا أكثر. هذا في ما خص الاولاد. أما في ما يتعلق بالمعلمين والاداريين والموظفين والموارد البشرية فإن كل الحضانات تقريباً قلصت من الطاقم التعليمي او انها استغنت عن خدماتهم، او طبقت نظام المداورة، وقد ساعد  نظام المفرد والمجوز الذي كان مطبقاً في تقليص نسبة الحضور مما خفف بعض الشيء عن كاهل الحضانة.

وأضافت : إلا أن هذا كله سبب نوعاً من الظلم ان صح التعبير، وهو ظلم أصاب القطاع برمته، والموظفون ظلموا مع أصحاب الحضانات. فالأخيرون انخفض مدخولهم جداً مع قرار استقبال 25% فقط، فيما المطلوب من صاحب الحضانة أن يدفع فواتيره كاملة من الرسوم التسجيلية والبلدية والإيجار والكهرباء والمياه والهاتف الى غيرها من الصاريف. أضف الى ذلك ما فرضته الجائحة من زيادة في مواد التنظيف والتعقيم وهي كانت تتم سابقاً، إلا أن وتيرتها ارتفعت بنسبة كبيرة مع ضرورة التعقيم الدائم ومستلزماته، كمثل غطاء الحذاء للاهل الذين يدخلون الحضانة، واضطررنا أيضاً لالباس الاطفال "مراويل" فوق ثيابهم كنوع احترازي ايضاً، وجوارب من داخل الحضانة حتى لا يدخلها الاطفال بأحذيتهم، وهذه كلها ترتيبات العديد من الاهالي لم يساهموا بها، وبعض الحضانات ساهمت بها بالكامل.

وتزيد النقيبة:

ـ كذلك فإن الناحية الاقتصادية الخانقة جعلت الأهل  يطلبون حسماً من الحضانة مراعاة لوضعهم، ودخل سعر صرف الدولار وارتفاعه الجنوني عاملاً اضافياً ضاغطاً، فيحسب بحسب سعر المصرف وليس سعر السوق، وأضحت الحضانة تتقاضى نسبة ربع ما كانت  تتقاضاه، هذا إن وضعنا جانباً غلاء الأسعار التي شملت السلع كافة.

 وفي هذا السياق تقول جوجو:

ـ كنت توجهتُ الى اصحاب الحضانات بالقول إنه بمجرد أن تفتحوا أبوابكم اعتبروا انكم تأسسون وتنطلقون من جديد، مع كل هذه الأزمات. فوسط إلحاح البعض على فتح الابواب برزت الخسائرالفادحة وليس عندي بعد إحصاء دقيق بعدد الحضانات التي أقفلت بانتظار الاحصاء الرسمي عن وزارة الصحة إذ لم تعد تقوى على الصمود أكثر. من ناحية أخرى  تبقى بعض الحضانات بالانتظار ومتريثة في فتح أبوابها فلا ترزح تحت خسائر كبيرة  حتى ينجلي الوضع ولا تضطر الى الإقفال وصرف موظفيها.

تهميش..

[caption id="attachment_79066" align="alignleft" width="188"] النقيبة جوجو في غرفة الصناعة والتجارة والزراعة في زحلة[/caption]

 وعما إذا تمت المطالبة بدعم للحضانات على غرار الدعم الذي طالبت به المدارس الخاصة، وأية جهة رسمية يمكنها ان تتولى الأمر تجيب جوجو :

ـ إن خفضت بعض المدارس نسبة من اقساطها لربما تحصل على دعم رسمي او من وزارة التربية . بالنسبة للحضانات، فإن هذا القطاع للصراحة، مهمش بشكل كبير جداً من قبل الدولة. ليسوا متنبهين لوجوده، او انهم يعتبرون الحضانة رعاية وتمضية للوقت ريثما يعود الأهل من عملهم وهذا مفهوم خاطئ بكل تأكيد. هذا "الجهل" بدور الحضانة ظلمنا جداً، علماً أننا قمنا بالعديد من المؤتمرات وأضأنا على عملها وعلى دور حاضنات الأطفال اللواتي ينضوين في ثلاث فئات: فئة معلمة الحضانة وهي خريجة الجامعة المختصة، النائبة لها وشهادتها من المعهد التقني، وهنالك المساعدة التي بحكم خبرتها وتعاطيها مع الاطفال وجودها ضروري. نحن نقوم بورش دائمة من أجل تطوير أنفسنا ونستقدم خبراء من الخارج كما فعلنا العام الماضي حيث استقبلنا خبراء من هلسنكي- فنلندا . فهذه الفئة العمرية للطفل هي أهم سنوات عمره وتحضره للانطلاق بقوة في المدرسة بشخصية قوية واحترامه لنفسه وللآخرين ومعرفة قدراته الذاتية. ونحن عندما نسافر للخارج كمجلس نقابة او على صعيد شخصي، نقوم بالتقييم الذاتي ونجد ان حضاناتنا بمستوى عال .

وعندما سألناها عن الجهة المخولة بالجولة على الحضانات للوقوف عند اجراءات السلامة والالتزام بما فرضه الـ"كوفيد 19" تجيبنا النقيبة:

ـ تعاونا مع وزارة الصحة في التدريب حول الاجراءات الداخلية وكيفية استقبال الأطفال بعد العودة، كما قامت الوزارة من جانبها بوضع الاجراءات الصحية التي يجب ان نتبعها. وفي الاسبوع الثالث  في 22 الجاري، جالت على الحضانات فرق من الصليب الأحمر اللبناني بشكل عشوائي حتى تقف عند حسن سير الاجراءات بهدف المساعدة، اي التقييم والتقويم والتأكد من تطبيق تعليمات الحماية الموضوعة من قبل الوزارة والنقابة، لضمان سلامة الأطفال والموجودين في الحضانة وعائلاتهم.

ولكن، ألم يتأخروا قليلاً حتى الأسبوع الثالث ؟

تشرح النقيبة السبب وهو قيام وزارة الصحة بالتدريبات لهذه الفرق حتى تستطيع العمل الميداني في الحضانات، وهي مسؤولية لا يمكن الاستهانة بها مع حضانات عددها كبير، ومنتشرة في كل لبنان .

 وعن تجربة التعليم عن بعد والـ"فيش اونلاين" وغيرها من التمارين التطبيقية لابقاء الولد في جو الحضانة أجابت جوجو بشفافية كبيرة :  

ـ الطفل في الحضانة قد يبدأ من عمر السبعين يوماً حتى عمر الأربع أو خمس سنوات اذا بقي فيها. في مثل هذه السنّ، التعلم عن بعد  يكون عبر رواية قصة ، مسرح دمى،  او تلاوة الطقوس اليومية في الحضانة وتذكير الطفل ببعض الكلمات والتعابير التي يمكن ان يحفظها. وهو يستهويه أن يرى معلمته وأترابه عبر تقنية الـ"زوم" او غيرها ويتفاعل معهم. لكننا من خلال تجربتنا الشخصية في حضانتنا وجدنا أنها كانت جاذبة في البداية للطفل وللأهل، ومع مرور الوقت انخفضت وتيرة الاهتمام وتراجعت الى حدودها الدنيا، هذا اذا ما أخذنا بالاعتبار ان هذه الخدمة عبر التعليم الالكتروني ليست متاحة للجميع، وترتبط بوضع الأهل ووقتهم وتوفر خدمة الانترنت السريع لديهم . أما الـ"فيش" (التمرين التطبيقي) في هذا العمر فلا يمكن أن يكون العمل عليها ذا مصداقية كبيرة إذ يمكن

[caption id="attachment_79065" align="alignleft" width="375"] النقيبة جوجو خلال لقائها مع وزير الصحة حمد حسن[/caption]

لأي كان أن يحل مكان الولد في القيام بها. برأيي يكون كافياً الحديث مع الطفل او إخباره قصة او مشاركته الغناء في فترة التعليم الالكتروني هذه .

 وعن مقاربة تجارب الحضانات اللبنانية مع غيرها من الدول العربية، حيث عقد لقاء الكتروني مؤخراً بناء على طلب النقابة اللبنانية للوقوف عند التجارب المماثلة مع الحضانات وعودتها بعد التعبئة العامة في لقاء  ضم 71 مشتركاً من لبنان ومصر والاردن، وجدت جوجو أن لبنان يتطابق مع توجهات الأردن في هذا الصدد والاجراءات المتبعة فيه، وكذلك في مصر، ولو أن المصريين لا يزالون متريثين في فتح أبواب حضاناتهم .هذا يطمئنها الى أن هذه الاجراءات مماثلة وكأن المعايير المعتمدة هي عينها، مع الفارق أننا في لبنان، وما قبل الكورونا كنا في أزمة اقتصادية خانقة وجاءت الجائحة لتخنق القطاع أكثر. فنحن نعمل بشكل يومي وشهري، تقول جوجو، لا نتقاضى الاقساط كما المدارس، وليس عندنا إفادات نعطيها للأطفال اذا لم يحصل عليها الطفل لا تقبله المدرسة، حتى إن الأهل اعتبروا الشهر الذي دفعوه ما قبل الجائحة حقاً لأولادهم ويجب أن يتعلموا به بعد العودة، وبات البعض يؤخر الدفع حتى ينتهي الشهر بذريعة أن لا يتكرر معهم ما حصل مع إعلان التعبئة .

 ونسأل جوجو، وسط كل هذه الأجواء الحالكة، والحديث عن موجة ثانية محتملة من "كوفيد 19" : هل يمكن القول إنكم ذاهبون نحو الإقفال كحضانات؟

ـ ليس فقط مع موجة ثانية من الفيروس.. المصاريف كبيرة . المؤجر لا يرحم، المستلزمات أسعارها مرتفعة، والحضانات في الكثير منها اصحابها اخذوا قروضاً من المصارف ليقوموا بمشروعهم . وفي السنة الاخيرة زاد عدد الحضانات بشكل كبير، ولم يطابق شرط الحقل مع حساب البيدرمع انخفاض المدخول، الأمر الذي يشكل عائقاً كبيراً جداً امام التسديد للمصارف، وبدأنا نلمس في الواقع اقفال الحضانات، او الانتقال الى أصغر منها، او عبر إدخال شركاء، وفي كل الأحوال هناك خسارة واقعة.

 وسألناها: من يمكنه ان يسمع صرختكم ؟ الى من تتوجهون للانقاذ ؟

 ـ لقد افتتحت منصة كبيرة جداً عبر الـ" زوم" وعبر "واتساب" حتى نتناقش ونتكلم ونسمع وجع بعضنا ونساعد بعضنا، فكنا في كل يوم  نتكلم ونحكي عن جدوى اقتصادية جديدة وسط إلحاح الأهل بفتح الابواب والحاحنا على أنفسنا، وبدأنا بإرسال الرسائل الى كل مسؤول بالدولة يمكن أن يساعدنا لنشرح له وضعنا وما نتكبده.

[caption id="attachment_79064" align="alignleft" width="201"] التباعد بين الأطفال في دور الحضانة[/caption]

وما كانت الردود؟

ـ لا اجتماعات او لقاءات لمعالجة وضع هذا القطاع من جذوره. لن أدخل في التفاصيل  حتى لا يفهم إتهاماً لأي أحد. استقبلنا  وزير الصحة يوم إعلانه قرار تأجيل فتح الحضانات من 11 أيار الى 8 حزيران، وطلبنا موعداً مع وزير التربية لم نحصل عليه بعد. صحيح ان الامر ليس من اختصاص الوزارة اذ ليست هي من تمنح الرخص، الا اننا وصلنا الى ضرورة ان نقابل وزير التربية . فالحالة المتردية للحضانات سبقت الكورونا وكانت بدأت على خلفية القرار 491 الذي صدر في أعوام سابقة سمح بموجبه للمدارس استقبال الاطفال بعمر السنتين وثمانية اشهر، وفي هذا العمر يظلم الولد فلا يكون قد اكتمل بعد جهاز الحس الحركي عنده ، ولا يكون جاهزاً لأن يكون في الصف عينه مع اطفال اكبر منه بـ 11 عشر شهراً أحياناً. ولا اخفي عليكم بأن الكثير من الحضانات هيّأت نفسها على هذا الاساس، اي وضعية ما كان عليه قبل هذا القرار لاستقبال الاطفال فيها .القرار ظلم الحضانات وظلم الأولاد قبلها، وفي نيتنا المطالبة بإلغائه او جعل سن الدخول الى المدرسة ثلاث سنوات.

 وعما إذا كان ممكناً الاتجاه صوب "الدمج" في رياض الأطفال كما يحكى عن المصارف مثلا، تقول جوجو:

ـ هذه مؤسسات خاصة، فتصير كمن يدمج شركتين. هذا رأي خاص وشخصي ولا تدخل النقابة  فيه. وقد يأتي مستثمر ويشتري الحضانة، لكنه يطلب جدوى اقتصادية سنوية وفي عمل الحضانات هذه صعبة اذ ليس كغيره من القطاعات، وهو يتعلق بعوامل عدة بحسب الأمراض والوضع الأمني والظروف المناخية وغيرها .

 وعن سؤالنا الأخير حول امكانية الاتكال على الدراسات التي تشير الى ان الاطفال أقل عرضة من غيرهم لالتقاط فيروس الـ"كوفيد19 " وحمل تداعياته تجيبنا جوجو : 

ـ في النقابة لجنة تتولى قراءة الاعلام والانترنت والبريد الالكتروني، ونتابع طبياً مع اطباء الاطفال في الحضانات. وحتى ولو كان رأي العديدين منهم ان نسبة الاطفال التي يمكنها ان تصاب منخفضة مقابل دراسات قليلة تعاكسها الرأي، فإنه لا يمكننا ان نتبناها ونسير وفقها.  فنحن في الحضانات نحمي الأطفال والأهل وأصحاب الحضانات والعاملين في القطاع وصولاً الى "تيتا وجدو" في بيوتهم.