ماذا وراء الاصوات التي تنادي منذ فترة بــ "تنحية" رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وتحمله وزر ما حصل في البلاد من أزمات متلاحقة جعلت الوضع الاقتصادي والمالي يتردى على نحو غير مسبوق، لتأتي جائحة "كورونا" وتزيد الطين بلة، ثم الانفجار في مرفأ بيروت؟
هذا السؤال طرحته أوساط سياسية بالحاح خلال الاسابيع القليلة الماضية مع ارتفاع اصوات "مسيحية" استجابت لتمنيات رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط بأن يتوافق المسيحيون على طلب التنحي لأن صدوره عن قيادات اسلامية يحدث شرخاً طائفياً سيكون من الصعب معالجته في الظروف الراهنة في البلاد لأن الاعتبارات الطائفية ستكون في مقدمة اسباب الاعتراض فتطوى الصفحة، لاسيما وأن البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي اكد رفضه لاستقالة رئيس الجمهورية او تنحيته لاعتبارات مبدئية درج عليها أسلافه البطاركة على كرسي انطاكية وسائر المشرق للطائفة المارونية...
وفيما يتوزع المطالبون الادوار بين رئيس "القوات اللبنانية" سمير جعجع الذي يقول انه لو كان محل الرئيس عون لقدم استقالته، او رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية الذي نصح الرئيس بالتنحي، او ما يسمى بــ "لقاء سيدة الجبل" الداعي الى الاستقالة... تبدو بعبدا بعيدة عن التجاوب مع مثل هذه الدعوات لاكثر من سبب ابرزها انه ليس في وارد الرئيس عون الاستقالة او التنحي من حيث المبدأ، فضلاً عن انه يرى من غير المنطقي تحميله مسؤولية ما حصل في البلاد نتيجة تراكمات وادارة سيئة منذ العام 1992 وحتى اليوم، كذلك عدم مسؤوليته عن انتشار جائحة "كورونا" او انفجار المرفأ. وتورد بعبدا تفسيراً واحداً لمثل هذه الدعوات التي تنتشر بشكل منتظم في وسائل الاعلام من محطة الى اخرى على رغم معرفة المعنيين بأن مثل هذه الحملات لن تقدم ولن تؤخر ولن تكون مستجابة.
إلا أن لبعبدا تفسيرات اخرى لهذه الحملة "المبرمجـــة" من حيث التوقيت والوسائل المعتمدة، ذلك ان ثمة من يرى في بعبدا ان "الحملة المركزة على رئيس الجمهورية والتي تطالب بتنحيه لها علاقة مباشرة ونهائية بالتدقيق الجنائي، اذ بعدما تم افشال عمل شركة "الفاريز آند مارسال" من خلال وضع العصي بالدواليب ولغم عقد الاتفاق والامتناع عن تقديم المعلومات التي طلبتها، ظن من يقف وراء هذه الحملة التعطيلية للتدقيق الجنائي ان الامر تم طيه، الا ان إصرار رئيس الجمهورية على التدقيق من خلال توجيه رسالة الى مجلس النواب بهذا الخصوص دفعت الى وضع الجميع امام محكمة الرأي العام فكان تبني التدقيق مع توسيعه ليشمل مصرف لبنان وكل وزارات ومؤسسات الدولة".
وتضيف بعبدا: "إن إصرار رئيس الجمهورية على التدقيق الجنائي حشر جميع المتضررين منه في الزاوية، وبدأوا حملة مضادة تدعو الى تنحي الرئيس عون بهدف الضغط عليه للدخول في صفقة تقوم على وضع التدقيق جانباً في مقابل وقف الحملة، ولكن كان الاصرار على التدقيق سيد الموقف الرئاسي، وهو الامر الذي جمع المسيحيين المتضررين والمسلمين المتضررين في جبهة واحدة وبدأت الحرب لاسقاط التدقيق الجنائي".
الحريري طلب تأجيل التدقيق الجنائي!
[caption id="attachment_84127" align="alignleft" width="356"] البطريرك بشارة الراعي يرفض تماماً فكرة تنحي الرئيس كما يطالب البعض.[/caption]
ويسمع من زوار بعبدا هذه الايام "ان الرئيس المكلف سعد الحريري سبق وطلب من الرئيس عون ترك موضوع التدقيق الجنائي لوقت لاحق ولكن قوبل برفض حاسم من رئيس الجمهورية، لاسيما وان البند الاول في المبادرة الفرنسية التي اجمع الفرقاء عليها وينظمون كل انواع المديح بها هو التدقيق الجنائي في مصرف لبنان، كما ان الموقف الاميركي المعبر عنه اكثر من مرة وفي اكثر من مناسبة هو التدقيق الجنائي وانهاء الفساد، وبالتالي تحول مطلب التدقيق الجنائي ومكافحة الفساد الى محل اجماع دولي لاسيما من قبل مجموعة الدعم الدولية للبنان ومن قبل مجلس الامن الدولي والمنظمات العربية والاقليمية والدولية، وايضا فإن المقايضة بين التخلي عن التدقيق ووقف الحملة ليست في قاموس العهد".
ويضيف زوار القصر الرئاسي انه "بمجرد ان يتوقف رئيس الجمهورية عن الدفع باتجاه التدقيق الجنائي كممر الزامي لمكافحة الفساد تمهيداً لانهائه ستتوقف الحملة عليه خصوصاً تلك التي تطالبه بالتنحي، وهو بحملة ضده او من دون حملة لن يتنحى ومستمر في تحمل مسؤولياته الدستورية حتى آخر لحظة من ولايته اي عند الساعة الثانية عشرة من ليل 31 تشرين الاول 2022، وهو الى هذا التاريخ وهذا التوقيت مستمر في تكريس الحملة على الفساد وكشف المستور ويعتبر التدقيق الجنائي أمراً واقعاً".
ولعل ما سيزيد من إصرار عون على التمسك بالتدقيق الجنائي إقرار مجلس النواب يوم الاثنين الماضي قانون رفع السرية المصرفية عن كل من تعاطى في الشأن العام في مصرف لبنان والوزارات والادارات العامة وربطه بالتدقيق الجنائي، متجاوباً بذلك مع الرغبة الرئاسية التي عبر عنها رئيس الجمهورية في رسالته الى مجلس النواب في 24 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي. ويتوقع المراقبون ان يتمسك الرئيس عون أكثر فأكثر بعملية مكافحة الفساد التي ستشمل كثيرين لاسيما من يقود في السر والعلن حملة المطالبين بتنحيته الذين "تكتلوا" ضد رئيس الجمهورية بمجرد اعلانه الاصرار على مكافحة الفساد من جهة واقرار الاصلاحات من جهة ثانية.