مؤخراً كثر الحديث عن زواج القاصرات.. قد يبدو الموضوع للبعض أمراً عادياً، ولكن ما هو غير عادي وغير مقبول في الأمر ان 14 مليون طفلة يمتن سنوياً بسبب الاغتصاب والزواج المبكر وذلك بحسب نتائج المؤتمر الدولي للاتجار بالبشر الذي عقد في العاصمة النمساوية <فيينا> خلال شهر شباط/ فبراير الماضي. وهذه النسبة تجعل الحديث عن اهمية حماية القاصرات من الزواج المبكر تتخطى مسألة حرمان الفتاة من التعلم وتحقيق الذات الى ما هنالك.. ذلك ان زواج القاصر يمثل واحداً من ابشع اشكال العنف وأخطرها.
وبالرغم من عدم وجود احصاءات دقيقة حول نسب زواج القاصرات في لبنان، انتشرت هذه الظاهرة مع النزوح السوري، وهذا الأمر دفع بهيئات من المجتمع المدني الى اثارة المسألة والمطالبة بالحد منها... فمنذ ايام، أطلقت <الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية> حملة لحماية القاصرات من الزواج المبكر حيث كرمت فيها أمين سر الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية المحامي فادي كرم لاندفاعه في حمل قضايا المرأة اللبنانية ومساهمته في تحصين القوانين والتشريعات المتعلقة بحقوقها، وقد منحه رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان وسام الارز الوطني من رتبة ضابط، تسلمه في احتفال دعت اليه الهيئة الوطنية ومعهد الدراسات النسائية في العالم العربي التابع للجامعة اللبنانية الاميركية.
فما هي النقاط التي طرحها المشاركون في حملة حماية قانون القاصرات من الزواج المبكر ؟ ولماذا يتم تسليط الضوء الان على هذه الظاهرة ؟
بداية اعتبرت الدكتورة سميرة أغاسي مديرة معهد الدراسات النسائية في العالم العربي ان المعهد يؤمن بأن المساواة بين الجنسين هي من الأدوات الأساسية التي من شأنها تحقيق التطور الانمائي ومكافحة الفقر وبالتالي تحقيق العدالة الاجتماعية، وفي ذلك تقول:
- ان تسليط الضوء على المشاكل التي تعاني منها المرأة في عالمنا العربي والعمل على ايجاد حلول لا بد من ان يؤديا الى احقاق التطور والازدهار في مجتمعنا العربي. فلا يمكن لاي مجتمع ان يتطور طالما ان المرأة فيه ما زالت مهمشة وحقوقها منتهكة. من هنا نجد ان وضع المرأة يشكل احد المقاييس التي على أساسها يكون المجتمع اما متطوراً ومزدهراً او متخلفاً. اذا فإن تمكين المرأة اصبح امراً ضرورياً وليس ثانوياً او كمالياً. فلا يمكن ان تبقى المرأة خارج اطار تطور المجتمع.
يُذكر ان معهد الدراسات النسائية في العالم العربي التابع للجامعة اللبنانية الاميركية تأسس في العام 1973، بهدف انجاز بحوث اكاديمية رائدة عن النساء في العالم العربي. ويسعى المعهد الى تحقيق مجموعة من الاهداف من بينها تعزيز مكانة النساء في العالم العربي عبر اعداد برامج تنموية وتعليمية، ودعم تغيير السياسات المتعلقة بحقوق المرأة في المنطقة، والانخراط في البحوث الاكاديمية التي تتناول موضوع النساء في العالم العربي، وادخال الدراسات النسائية في مقررات الجامعة اللبنانية الاميركية، وربط علاقات مع منظمات وجامعات وطنية ودولية معنية بقضايا النساء. ويأتي تأسيس هذا المعهد للاعتراف بدور الكلية الاميركية للنساء التي تأسست في العام 1924 في تدريس افواج من الطالبات على مدى نصف قرن من الزمن، حيث كانت أول مؤسسة جامعية نسائية من نوعها في منطقة الشرق الأوسط قبل ان تصبح مختلطة في العام 1973.
المحامي كرم وزواج القاصرات
أما المحامي فادي كرم امين سر الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية، فسأل بدوره عن سبب تغاضي المشترع عن زواج القاصرة التي لم تبلغ الثامنة عشرة ولا يقوم بواجب حمايتها، في حين أنه يعتبرها غير ذات اهلية للالتزام في العقود والترشح والانتخاب وقيادة السيارة. كما سأل عمن يكون اجدر من القاصرات من الحماية من العائلة عبر منع زواجهن، وبأن المراجع الروحية تنحصر صلاحياتها بأهلية القاصر من الوجهة الدينية والروحية للزواج وعلى المشترع حظر زواج القاصرات او وضع ضوابط قانونية واضحة حيال هذا الأمر.
وعن العناوين الاساسية لنشاطات الحملة يقول المحامي فادي كرم:
- أولاً: العمل على استصدار قانون يمنع زواج القاصرات او اقله يؤمن التأكيد عبر القضاء المدني على اهلية القاصرات للزواج من كامل النواحي. ثانياً: القيام بـ<حملة ضغط> بغية ابرام الدولة اللبنانية للاتفاقية الدولية الخاصة بالزواج الرضائي والحد الادنى لسن الزواج وتسجيل عقود الزواج. ثالثاً: العمل على <تشديد العقوبات> على كل زوج يتعدى على زوجته القاصرة. رابعاً: <متابعة النضال> لاجل صدور قانون العنف الاسري ووضعه موضع التنفيذ.
ومن جهتها، تعتبر مديرة منظمة كفى عنف واستغلال السيدة زويا روحانا ان الحالات التي تداولتها مؤخراً وسائل الاعلام اللبناني عن زواج القاصرات قد تمت الاضاءة عليها نتيجة مخالفتها للقوانين السارية، وبالتحديد نتيجة عدم التزام رجل الدين بضرورة موافقة ولي أمر الفتاة على عقد الزواج اذا كانت قاصراً.
وتتابع:
- الا ان هذه الحالات وعلى الرغم من بشاعتها وضرورة معاقبة الفاعلين، لا تطال جوهر المشكلة القانونية الحقيقية والكامنة في ان القوانين اللبنانية لا تزال تعطي الغطاء الشرعي لحالات الزواج المبكر. فلا بد من ان نسأل القيمين على السلطة التشريعية في لبنان، وهم على ما يبدو قد تناسوا دورهم التشريعي هذا في الفترة الاخيرة، فهل ان موافقة ولي أمر الفتاة على تزويجها يعفيكم من مسؤوليتكم تجاه المصير القاتم لاولئك الفتيات ؟ فالقتل لا يحصل بالضرورة بواسطة تفجير هنا او بطنجرة ضغط او عصا او دس للسم، انه ايضاً قتل للذات الانسانية وهذا ما هو حاصل في حالات التزويج المبكر ام انهم استسهلوا حالة هذه القضايا المصيرية على الطوائف لا بل المذاهب المختلفة وليتدبر كل منها شؤون رعاياه ؟ ما الذي يمنع البرلمان اللبناني من ان يحدد سناً ادنى للزواج ؟ ما الذي يمنعه من معالجة قضايا الحضانة والنفقة وغيرها؟ وما الذي يمنعه من ان يشرع للدولة اللبنانية قانونها المدني الخاص بالاحوال الشخصية؟
القاضية تابت وسن الزواج
وفي الجانب القضائي، اعتبرت المحامية العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية ارليت تابت ان موضوع حماية القاصرات من الزواج المبكر هو موضوع شائك نظراً لطبيعة النظام الطائفي في لبنان وعدم وجود مفهوم موحد بين سن الرشد القانوني المطبق بحسب القوانين المدنية وسن الزواج المطبق بحسب الاحوال الشخصية، وأكثر من ذلك الاختلاف الكبير في تحديد سن الزواج بين الطوائف والمذاهب في لبنان، وعدم وجود رقابة موحدة من اية سلطة على هذا الامر، مما جعل القاصرات امام وضع تشريعي غير موحد وغير واضح يضمن لهن الحد الادنى من الحماية التي يقتضي على المجتمع بشكل عام والمشرع بشكل خاص ضمانها.
- ان الاختلاف الحاصل نتيجة تعدد قوانين الاحوال الشخصية والتشابك في تطبيقها وتنفيذها خصوصاً عند وجود اختلاف في الدين بين الزوجين يساهم في تعقيد العلاقة بين اللبنانيين من مختلف الطوائف ضمن المجتمع الواحد ويؤدي الى تعقيد في ايجاد الحلول الواجب اعتمادها. فبدلاً من ان يسهل القانون تنظيم العلاقات بين الافراد ضمن المجتمع الواحد، فإن تعدد القوانين واختلافها يعرقل لا بل يشكل بحد ذاته عائقاً دون تسهيل العلاقة بين المواطنين. ان ما نحن بصدد القيام به الآن هو بدء مسيرة طريق طويل من اجل الوصول الى قانون يضمن وضع يد القضاء المدني على الحالات التي توجب تطبيق قانون حماية الاحداث وتضمن حداً ادنى من الحماية المفروضة للقاصرات. مهما كانت العراقيل التي قد تقف امامنا فإن تطلعاتنا الى مجتمع افضل توجب علينا المثابرة من اجل الوصول الى ما نصبو اليه.وفي الاطار نفسه، تشرح القاضية تابت قائلة:
سابقة <بالمؤنث> هكذا وصفت منظمة كفى عنف واستغلال <اشارة> الى القاضية ارليت تابت التي قضت بموجبها بالزام زوج بتأمين مسكن بديل لزوجته وطفلتيه بعد بيعه منزلهما الزوجي على اثر خلافات. وهذه السابقة التي نادراً ما تحدث في القضاء جاءت لتحاكي ما تطمح اليه النساء من اقرار لقانون يحميهن من العنف الاسري.
القاضي خميس والمحاكم الدينية
وأيضاً في الجانب القضائي، يوضح القاضي فوزي خميس المدعي العام لدى ديوان المحاسبة:
- هذا الموضوع حساس للغاية لكونه يلامس صلاحيات المحاكم الدينية في لبنان التي تراعي امور الاحوال الشخصية لكل المواطنين كل حسب طائفته. وقد واجهتني من خلال بعض القرارات التي اتخذتها في هذا المجال بعض الاشكاليات مع المحاكم الدينية التي اعتبرت ان هناك تعرضاً لصلاحياتها ولكن الامور وضعت في نصابها الصحيح من خلال قرارين مهمين اصدرتهما الهيئة العامة لمحكمة التمييز وهي اعلى مرجع قضائي في لبنان وهي مشكلة من رؤساء غرف محاكم التمييز الاصليين كافة في لبنان وقراراتها مبرمة ولا تقبل اي طريق من طرق المراجعة.
وأضاف:
- ان القرارين المذكورين صدرا في العامين 2007 و 2009 نتيجة طعنين في قرارين اتخذتهما لحماية قاصرتين كانتا معرضتين للخطر وقد اعتبرتا من قبل البعض ان فيهما تعرضاً لصلاحيات المحاكم الدينية اذ اكد قراري الهيئة المذكورة الذين صدرا بإجماع الاعضاء وبشكل حاسم ان تدابير الحماية المتخذة من قبل قضاء الاحداث لا تعتبر تعدياً على صلاحيات المحكمة الشرعية لانها تقتصر على حماية الحدث من الخطر الذي يهدده ولا يتعداه الى الصلاحيات الشرعية للولي. من هنا ادعو كل من يتصل بعلمه ان هناك اي انتهاك لحقوق القاصرات من خلال الزواج المبكر او غيره الى ابلاغ قضاء الاحداث لكي يقوم بدوره بحمايتهن من اي خطر قد يهددهن وحتى وان لم يكن له الصفة، فقانون الاحداث اباح ذلك وان القاضي يمكنه التحرك واجراء المقتضى القانوني بمجرد العلم.
وكانت السيدة رندة بري قد ألقت كلمة السيدة الأولى وفاء ميشال سليمان خلال اطلاق حملة لحماية القاصرات من الزواج المبكر اذ جاء فيها:
- ندرك جميعاً ان الزواج المبكر بالنسبة الى الفتاة وهي لم يكتمل نضجها بعد ينطوي على عواقب سلبية مباشرة عليها على المدى القصير وعلى انعكاسات اجتماعية هدامة على المدى البعيد. فهو اذ يحرم الفتاة من حقوقها في التعليم والعمل، واتخاذ القرار والسلامة الجسدية وغيرها، يحرم المجتمع في الوقت نفسه من طاقاتها وامكاناتها، ودورها في المشاركة في مسيرة التنمية، ويعرضها تالياً للتهميش والجهل في مجالات مختلفة من الحياة.
وأضافت السيدة رندة بري:
- من واجب الحملة التي نطلق فعاليتها ان تأخذ على عاتقها العمل على تبني الامور الآتية:
أولاً مطالبة الدولة بسن قانون يكرس حماية المرأة والفتيات والاطفال من الازواج ضعفاء النفوس الذين يمارسون شتى انواع العنف. ثانياً: مطالبة الدولة باحترام الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الطفل الدولية (1989) وعهد حقوق الطفل في الاسلام الصادر عن منظمة المؤتمر الاسلامي (2004) الذي حث على حماية الطفل من الممارسات والاعراف الضارة صحياً او اجتماعياً او ثقافياً، وكذلك على حمايته من الاستغلال بكل انواعه وخصوصاً الاستغلال الجنسي، وزواج القاصر في هذه الاتفاقية يعتبر استغلالاً جنسياً، ثم ان الدول الاعضاء في منظمة المؤتمر الاسلامي (منظمة التعاون الاسلامي حالياً ) قد تبنت خطة عمل المنظمة من اجل النهوض بالمرأة (2008). ثالثاً: مطالبة الحكومة الجديدة ولجنة صياغة البيان الوزاري اعتبار مكافحة العنف الاسري اولوية في جدول الاعمال. رابعاً: التركيز على الدور المحوري الذي يمكن ان تضطلع به وسائل الاعلام لجهة خلق وعي مجتمعي حول التداعيات السلبية جراء تفشي ظاهرة زواج القاصرات. خامساً: ضرورة الانتباه ومقاربة بعض الحالات التي بدأت تتسرب من ملف النازحين السوريين واستغلال جوانبه الاجتماعية والانسانية والنفاذ من هذه الجوانب الى الاتجار بالبشر وخصوصاً الفتيات القاصرات. سادساً: انشاء مرصد لتوثيق حالات العنف الاسري.